استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

"دولة" تحت مزاج الفدائي المناوب

الخميس 14 أبريل 2022 08:23 ص

"دولة" تحت مزاج الفدائي المناوب

كلما زادت هرولة "صهاينة العرب" زادت حدّة المقاومة! روح وثّابة وأمل بالتحرير الوشيك يسري في الجسد الجمعي الفلسطيني.

الاحتلال لا يرتكب جرائم، بل الاحتلال نفسه جريمة يتعين مقاومتها بكل الطرق وبما تيسر من سلاح ما يجعل وجود "فدائيٍّ مناوب" ضرورة وطنية فلسطينية.

مجرّد إشعار الشارع الصهيوني بعدم الأمان يفتح شهية الفلسطيني على "تسخين" المشهد إلى حدّ يعيد خلط الأوراق ويلقي صخرةً لا حجراً في بركة المنطقة الراكدة.

بات كيان العدو الصهيوني أسيراً لمزاج الفدائي المناوب، الذي لا يعلم أحد متى يطلع، وأيّ أرض فلسطين ستنشقّ عنه ففي أيام قليلة تغيرت "قواعد الاشتباك" الميداني وأصبح كل شيء ممكنا.

* * *

لم يكن الكاتب الصهيوني، عاموس هارئيل، يجانب الحقيقة حينما كتب أخيراً في صحيفة هآرتس أنّ رئيس وزراء "إسرائيل" نفتالي بينت أصبح أسيراً في أيدي "المخرب" القادم المناوب. والحقيقة أنّ كيان العدو الصهيوني كله اليوم بات أسيراً لمزاج الفدائي المناوب، الذي لا يعلم أحد متى يطلع، وأيّ أرض في فلسطين ستنشقّ ويخرج منها، ففي الأيام القليلة الماضية تغيرت بالكامل "قواعد الاشتباك" الميداني، وأصبح كل شيء ممكنا.

وبدلا من أن يرسل العدو جنوده إلى "جبهات القتال" أصبح قلب "المدينة" جبهة قتال، وكم حملت عملية تل أبيب من رمزيةٍ مكثفة، حين كان مسرحها شارع ديزنغوف، أكبر شوارع المدينة الكبرى، وملاذ الباحثين عن الترفيه والمتعة، وفوق هذا وذاك، يحمل اسم أول رئيس لبلدية تل أبيب مائير ديزنغوف، الذي أعلن بن غوريون من منزله (تحول إلى متحف في ما بعد) قيام دولة "إسرائيل".

ليس سهلاً على أي مستعمر صهيوني أن يرى هذا الشارع تحديداً وقد تحوّل إلى ساحة حرب فعلية، تنتشر فيها كلّ قوات النخبة والمقاتلين من فئة خمس نجوم وأكثر، بحثاً عن فدائي واحد فقط مسلّح بقطعة مسدس.

هذا ربما دفع كاتباً آخر (مائير كهانا) في "يسرائيل هيوم" إلى القول: "نحن بحاجة لخوض حرب استقلال 2 لمواجهة سرطان العنف والإرهاب الذي يتفشّى في المنطقة"، ملمحاً بذلك إلى أنّ الكيان لم يستكمل عناصر استقلاله بعد مرور أربع وسبعين سنة على قيامه (!) مع وجود روح المقاومة الشرسة لدى أصحاب الأرض.

وهذا الكاتب محق في هذا، فقد شاعت روحٌ جديدةٌ في أوساط الشعب الفلسطيني يصعب فهمها، أو كيفية التعامل معها، هذه الروح تدفع والد رعد الذي فجر عملية ديزنغوف أن يرفض الامتثال لطلب المخابرات الصهيونية لتسليم نفسه، وقال لهم بالحرف: "من يريد أن يأخذني فليأتِ إلى البيت"، وحين جاءت قوة مدجّجة بالسلاح إلى مخيم جنين لاعتقاله، قوبلت على النحو الذي وصفه المراسل العسكري الصهيوني أور هلير، حين قال:

"كنت داخل الرتل العسكري الذي اقتحم مدينة جنين صباح اليوم، ولم أصدّق ما أرى، أكثر من ألف شاب يلقون الحجارة والحارقات ويهتفون ضدنا. أحد الفتية ضرب باب المدرّعة، وقال: افتح، وبيده حجر، غريب جداً، هذا الجيل لا يخاف أبداً، دخلنا ولم نرعب هؤلاء! وعادت القوة، من دون أن تعتقل والد الشهيد، أو أيّاً من أفراد عائلته، وهو الذي يرفض أن يسلّم نفسه لسلطات الاحتلال إلّا شهيداً، كما قال".

من يرقب المشهد الفلسطيني عن قرب في وسعه أن يلمس أنّ روحاً وثّابة وأملاً بالتحرير الوشيك يسري في الجسد الجمعي الفلسطيني، ثمّة "نشوة" غريبة، تترجمها منشورات الفلسطيني في وسائل الإعلام الشعبي، وكأنّ الشعب قاب قوسين أو أدنى من النصر، رغم بؤس الواقع الذي تعيشه فلسطين، وتوحّش قوة الاحتلال القمعية.

مع ذلك هناك قناعة تامة في الشارع الفلسطيني بعامة أنّ العمليات الفدائية لا يمكن أن تحرّر فلسطين، لكنّها تبقي شعلة الأمل في الحرية في منأى عن اليأس، فمجرّد إشعار الشارع الصهيوني بعدم الأمان يفتح شهية الفلسطيني على "تسخين" المشهد إلى الحدّ الذي يعيد خلط الأوراق، ويلقي صخرةً لا حجراً في بركة المنطقة الراكدة، التي تميزت، في الآونة الأخيرة، بتراجع الاهتمام بقضية فلسطين عربياً ودولياً، وهو سبب آخر يدفع الفلسطيني إلى أخذ زمام الأمر بيده.

وثمّة سبب آخر لإشعال الشارع الفلسطيني، وتأهبه لمزيد من المقاومة، وهو رؤية أبناء جلدته يتخلّون عنه بشكل فظّ عبر سلسلة انهيارات متسارعة في جدار مقاطعة العدو، وهنا يمكن الإمساك بحقيقةٍ مهمة، وهي أنّه كلما زادت هرولة "صهاينة العرب" زادت حدّة المقاومة!

وكلّما زاد عدد الذين يشجبون المقاومة ويدينونها، ويتخلون عن فلسطين وقضيتها، زاد الشعور الوطني الفلسطيني، وأشعل الضمير الجمعي للاعتماد على نفسه في حمل ملفّ القضية، بعدما "عفّن" هذا الملف في جامعة الدول العربية ومحافل القمم العربية، التي تبين أن كل ما صدر عنها بشأن فلسطين، أو جلّه على الأقل، لم يكن غير هذرمة وكذب وضحك على الذقون.

الأيام حُبلى بالمفاجآت، وما كانت تسمّى "ظاهرة الذئب المنفرد" الذي يضرب هنا وهناك مفاجئاً استخبارات العدو، ومن ينسق معهم أمنياً، تحولت إلى ظاهرة الذئاب غير المنفردة، يغذّي هذا توحش قوات الاحتلال وتوسّعهم في عمليات الإعدام الميداني، وتعمّدهم إذلال الفلسطينيين على نحوٍ متسارع، فضلاً عن العقوبات الجماعية التي تدفع حتى المحايد في مشاعره إلى البحث عن أي سلاحٍ لإيقاع أيّ أذى في الشارع الصهيوني.

يجري هذا كله في خضم شعور عام بات يتجذّر في الوجدان الفلسطيني، وهو أن الاحتلال لا يرتكب جرائم، بل الاحتلال هو نفسه جريمة يتعين مقاومتها بكل الطرق، وبما تيسر من سلاح، ما يجعل وجود "الفدائيٍّ المناوب" ضرورة وطنية فلسطينية.

* حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل، الاحتلال، نفتالي بينت، الفدائي المناوب، بن غوريون، جامعة الدول العربية، فلسطين، العدو الصهيوني،