أسرار بحياة سيف الإسلام القذافي قبل الثورة.. ماضي يهدد مستقبله السياسي

الخميس 21 يوليو 2022 08:04 ص

لا تزال حياة "سيف الإسلام"، نجل الزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي"، الذي ظل في مدينة الزنتان (غرب) لعشر سنوات قبل خروجه إلى العلن، قادرة على كشف مزيد من الأسرار التي باتت تهدد مستقبله السياسي.

ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، الأربعاء، تقريراً عن فترة من حياة "سيف الإسلام"، في العاصمة البريطانية لندن، قبل اندلاع "ثورة 17 فبراير/شباط 2011"، أكدت فيه أنها كانت حافلة بالسهرات الفخمة.

وقالت إنها "اطلعت على مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق، التي سلطت الضوء على أنشطة (الحاكم المحتمل لليبيا)، في وقت كان يدخل فيه الحياة العامة، ويقود التقارب مع الحكومات الغربية".

كما تقدم المراسلات بين "سيف الإسلام" ورفاقه، لمحة نادرة عن قلب نظام "القذافي"، خلال لحظة محورية في العلاقات الليبية - البريطانية.

يقول تقرير الصحيفة البريطانية، إن "سيف الإسلام"، كانت لديه بالفعل أسباب تدعو للاحتفال، ذلك أنه كان الوريث الواضح لديكتاتورية والده "معمر القذافي" ووجهها الدولي المقبول، حيث تولى قيادة المفاوضات مع بريطانيا بشأن حادث تفجير لوكيربي، وأطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي لقب "القائد العالمي الشاب".

وبحسب التقرير البريطاني، فقد طلب "سيف الإسلام" شقة في ضاحية بلجرافيا الراقية في لندن من الشخص المعني بإدارة شؤونه من الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، قبل أن يتسع نطاق الطلبات ليشمل المزيد من الشقق، وخادما شخصيا، وسائقا وعددا من أفراد الأمن.

وتولى ذلك المسؤول سداد التكاليف، بما في ذلك الإيجار، ثم كان يرسل الفاتورة إلى مكتب "سيف الإسلام" في ليبيا، وهي دولة كان متوسط الدخل فيها حوالي ثلث متوسط الدخل في بريطانيا.

وذكر المسؤول أنه رافق "سيف الإسلام" في لقاء مع ضباط من وكالة الاستخبارات البريطانية "إم آي 6" حول أمنه الشخصي.

كما التقى "سيف الإسلام" بمسؤولين حكوميين، وكان لديه الكثير ليناقشه.

وفي عام 2003، وبعد مفاوضات مطولة، أعلن أن ليبيا "ستقبل المسؤولية" عن حادث لوكيربي، وستدفع 2.7 مليار دولار كتعويض لأسر الضحايا.

بعد ذلك تحول اهتمام "سيف الإسلام" إلى تأمين الإفراج المبكر عن "عبدالباسط المقرحي"، المدان بتفجير لوكيربي، والذي جرى تشخيصه بسرطان البروستاتا أثناء سجنه في مدينة جلاسكو الأسكتلاندية، وجرت الاستعانة بوكلاء لتدشين موقع إلكتروني لحملة الإفراج عن "المقرحي".

ونقل التقرير عن أحد الوكلاء، أنه "عقدت لقاءات مع عدد من المسؤولين عبر مختلف وسائل الإعلام بأكملها"، كما استعان معاونو "سيف الإسلام" أيضا ببعض الأطباء.

في 24 يوليو/تموز 2009، تلقى "سيف الإسلام" رسالة عبر البريد الإلكتروني من "كارول سيكورا"، أستاذ الأورام في لندن، كتب فيها أن "المسار المرضي للمقرحي سيئ للغاية، وأن السبيل الأفضل لإقناع سلطات المملكة المتحدة بالسماح له بالعودة إلى الوطن لأسباب إنسانية، هو أن يلتقيه طبيبان، ويوافق خبير ثالث" على النتائج التي خلصا إليها.

بعد ذلك، زار "سيكورا" السجين "المقرحي"، وقيم أن أمام الرجل 3 أشهر للعيش، وقدم تقييمه إلى السفارة الليبية في لندن، وقبلت السلطات الأسكتلندية هذا التقييم.

كما ضغط "سيف الإسلام" على حكومة "جوردون براون"، حيث كشفت رسائل البريد الإلكتروني عن استئجار يخت إلى جزيرة كورفو اليونانية بين 1 و3 أغسطس/آب 2009، وأن "سيف الإسلام" توجه إلى كورفو خلال تلك الفترة، والتقى "بيتر ماندلسون"، أكبر وزراء حكومة "براون" آنذاك، حيث أمضى ليلة في فيلا "جاكوب روتشيلد" المطلة على البحر.

وذكر أحد الأشخاص، كان في الفيلا وقتها، أن "سيف الإسلام" ذهب مع "ماندلسون" إلى مكان منعزل في الحديقة، وأثار قضية "المقرحي".

وقال المتحدث باسم "ماندلسون"، عام 2009، إن الاثنين ناقشا قضية "لوكيربي" في محادثة "عابرة".

لكن لدى الاتصال به للحصول على تعليق لهذا المقال، قال "ماندلسون" إنه لم يضطلع "بأي دور على الإطلاق في مفاوضات الإفراج عن المقرحي"، مضيفاً أنه "لم يطلب مني سيف الإسلام ولا أحد من الممثلين عنه التصرف في هذه القضية".

وفي 20 أغسطس/آب 2009، أصدر وزير العدل الأسكتلندي "كيني ماكاسكيل"، قراره بإطلاق سراح "المقرحي".

وحسب الوثائق، فإنه بعد ذلك بيوم واحد، بعث "سيف الإسلام" رسالة إلى الوزير الأول في أسكتلندا "أليكس سالموند"، يعرب فيها عن "تقديره العميق لتفهمه، واستعداده لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتيسير قرار الوزير ماكاسكيل".

أما "سالموند"، فقال إنه "لا يذكر حتى رؤية الرسالة".

وأضاف أن حكومة المملكة المتحدة "لم يكن لها أي تأثير" على قرار "ماكاسكيل"، الذي "جرى اتخاذه بشكل صحيح تماماً، وبما يتماشى مع الإجراءات القانونية المتبعة".

وفي نفس اليوم، صاغ "سيف الإسلام" رسالة مماثلة إلى "سايمون ماكدونالد" مستشار السياسة الخارجية لـ"براون"، يعرب فيها عن "تقديره الصادق والعميق لدعمكم خلال الأشهر العديدة الماضية في تأمين الإفراج عن المقرحي".

وانتهى التقرير إلى أن حياة "سيف الإسلام" لم تخل من السلوكيات الغريبة، وأنه اختلط كذلك بنخبة المجتمع.

ففي مايو/أيار 2010، تلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني من العارضة الشهيرة "ناعومي كامبل"، تخبره فيه أن "جسلين ماكسويل" تود الذهاب إلى ليبيا بقاربها للتنزه، في سبتمبر/أيلول، وطلبت من "سيف الإسلام" جعل هذا ممكناً.

ووقعت الرسالة في نهايتها بعبارة "كثير من الأحضان"، فرد عليها "سيف الإسلام" قائلا: "مرحباً ناعومي، صديقتك مرحب بها في ليبيا. من فضلك أخبريها أن تتواصل مع محمد"، اليد اليمنى لـ"سيف".

لكن المتحدث باسم "كامبل"، قال إنها "لا تذكر هذا التبادل الإلكتروني المزعوم".

وتشير الوثائق إلى أن "فيصل زواوي"، الذي كان مشاركا في ذلك الوقت برابطة كرة القدم الليبية، كان مسؤولا عن توفير يخت في البحر المتوسط وحفلات في الكاريبي وطائرة خاصة وفتيات متعة لـ"سيف الإسلام" وأصدقائه.

وتلفت إلى تنظيم "زواوي" حفلة في "بونتا ديليستي" في أوروجواي، عرضت فيها الجهة المنظمة كل ألوان الرفاهية، حيث طلب أن تكون الخدمات مشتملة على توفير خروف مشوي كل يوم لـ"سيف" وأصدقائه.

كما كان "سيف الإسلام" على علاقة مع صناع السلطة في العالم، فمؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي "كلاوش شواب" دعاه شخصيا لحضور المنتدى السنوي في دافوس، ووصفه بأنه "شخص محب لبناء الجسور والحوار".

وعندما اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا بعد أسبوعين من دافوس، تعهد "سيف الإسلام" بـ"القتال حتى آخر رجل، وآخر امرأة، وآخر رصاصة"، وقطع المنتدى الاقتصادي العالمي الاتصال به.

ومع تصاعد الثورة ضد حكم "القذافي"، بدأ "زواوي" في شراء الخوذ والسترات والعربات المصفحة من مجموعة "بن جبر" الإماراتية، حيث قدمت له الشركة 120 عربة بمبلغ 23.8 مليون يورو.

ومع تزايد العنف، بدأ بالبحث عن شراء شقق وسط لندن ولاحقا في دبي.

وبعد ذلك، غير "زواوي" ولاءه وتحول لشاهد يتعاون مع محكمة الجنايات الدولية في هيج، وطور علاقات مع المجلس الوطني الانتقالي الذي سيطر على طرابلس بعد الثورة.

وكان "زواوي" هو من كشف عن مكان "سيف الإسلام"، وأخبر عضوا بارزا في المجلس، أن نجل الديكتاتور بات قريبا من حدود النيجر، وبحاجة لطبيب كي يعالج يده المصابة.

ووصل ثوار الزنتان إليه أولا واحتفظوا به كرهينة ثمينة.

وبعد عقد من الزمان، خرج "سيف الإسلام" من الأسر في معقل المتمردين في الزنتان، ليعلن أنه سيرشح نفسه للرئاسة.

ووقع أوراق ترشيحه بيد أصيبت في الغارات الجوية التي أطاحت بنظام والده.

ولم يكشف عن طبيعة الصفقة مع سجانيه السابقين، لكن نجل الديكتاتور سيئ السمعة حر الآن لكي يترشح للرئاسة، ولم تعد ملاحقة الجنائية الدولية عقبة له، وفتحت محكمة ليبية له المجال للترشح بداعي أنه بدون سجل جنائي.

لكن لن يكون الطريق ممهدا بالورود لـ"سيف الإسلام"، باعتباره مسؤولا عن جرائم القتل والاضطهاد التي ارتكبتها قوات الأمن الخاضعة لسيطرته خلال الحرب.

لكن كثيرا من الليبيين مصدومون من سنوات الحرب الأهلية، ويتوقون إلى الاستقرار النسبي الذي عهدوه في سنوات "القذافي"، ويرون في ولده الاستمرار على الخطى.

من جانبه، حذر مستشار اتحاد القبائل الليبية للشؤون الخارجية "خالد الغويل" من تقارير تستهدف ضرب شعبية "سيف الإسلام"، بعدما طرح نفسه كمنافس قوي في الانتخابات الليبية.

ورداً على ما إذا كانت هناك "مؤامرة" تستهدف مستقبل "سيف الإسلام" السياسي، قال: "الهدف من كتابة التقرير (الجارديان) واضح، وهو النيل من سيف".

واتفق معه أحد مشايخ قبيلة القذاذفة حين قال إن هناك "مؤامرة تترصد (الدكتور) منذ إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية في ليبيا".

وأضاف الشيخ، الذي رفض ذكر اسمه، أن "الجميع شاهد كيف ارتعد جميع المتنافسين لسيف في الانتخابات، وتحركوا لتعطيل الانتخابات".

وبخصوص تأثير ما ينُشر عن "سيف الإسلام" على حظوظه الانتخابية، يقول المحلل السياسي الليبي "أحمد جمعة أبوعرقوب": "سيف الإسلام يتزعم تيار النظام السابق، وسوف يحصد جميع أصواته؛ وكذلك الكثير من أصوات من يحنون إلى الاستقرار، الذي كان يسود الدولة الليبية إبان حكم العقيد القذافي".

وأضاف: "لكن يجب أن يعلم الليبيون أن سيف الإسلام 2010 ليس سيف الإسلام 2022، وليبيا 2010 ليست ليبيا 2022".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ليبيا انتخابات ليبيا سيف الإسلام القذافي بريطانيا لوكيربي

رئاسيات ليبيا.. استبعاد سيف الإسلام القذافي وقبول 73 مرشحا بينهم الدبيبة وحفتر

تفاصيل تعود إلى 2011.. ماذا طلب سيف الإسلام القذافي عقب اعتقاله؟