ملفات إقليمية ساخنة في 2016

السبت 2 يناير 2016 03:01 ص

غادرنا العام 2015 بأربعة أحداث مهمة كان آخرها توقيع «مصر والسودان وأثيوبيا» وثيقة الخرطوم، تبعه إعلان السعودية وتركيا عن تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي، والمتزامن مع استعادة القوات العراقية أجزاء من مدينة الرمادي، المترافق بدوره مع سخونة غير معتادة سياسيا وعسكريا في الغوطة شرقي دمشق، بيد أن الحدث الأبرز والمستجد كان الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية.

الملفات تبدو في الظاهر غير مترابطة لكن عند وضعها في ميزان الأمن القومي العربي والإقليمي نجدها غاية في الترابط، إذ تعكس حجم الإضطراب السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي في الإقليم، بشكل يفوق ما انتهى إليه العام 2010 الذي أفضى إلى اندلاع ثورات الربيع العربي.

التطورات المتتابعة في العام 2015 سترسم معالم المشهد في الإقليم للعام 2016 وسيتولد عنها مزيد من الجهود لصياغة تحالفات ومحاور إقليمية جديدة، ستضع الأمن القومي العربي أمام تحد كبير، فالعرب يعانون نتيجة غياب الرؤية والمرجعية العربية القادرة على الاشتباك بفاعلية مع التحديات، أمر لا يمكن تحقيقه دون تحالفات قوية وحوارات عميقة بين دول الإقليم، مسألة تحتاج إلى جهد وزمن يفوق ما يتوافر عليه العام 2016 القادم، فالعالم العربي يعاني من حالة التحلل السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، أمر لن يتم معالجته بخطة طوارئ، بل برؤية إستراتيجية لم تنضج بعد رغم ديناميكية الأحداث وتسارعها في العام 2015.

فملف العلاقات المصرية الأثيوبية مثّل تتويجا عمليا لتراجع الدور المصري الإقليمي والعربي، وكشف عن حجم الخلل الذي تعانيه مصر إحدى أبرز القوى الإقليمية العربية التقليدية، سواء على صعيد التفاعل والتعاطي مع الأزمة السورية والعراقية والليبية، أو مع القضية الفلسطينية، حيث بات أمنها مخترقا وبشكل عميق بلغ حد التأثير على عصب حياة المصريين «نهر النيل».

ما يدفع نحو التساؤل حول قدرة مصر على امتلاك رؤية تمكنها من مواكبة تطورات المنطقة والتعاطي مع القوى الإقليمية الصاعدة إيران وتركيا، فالعام 2015 لم يغادرنا قبل أن يؤكد حقيقة تراجع الدور الإقليمي المصري، لتتحول إلى مجرد دولة متلقية للمساعدات وتخضع لمزيد من التهديدات لأمنها القومي.

ملف سد النهضة الأثيوبي مثل بداية لمرحلة جديدة في تاريخ مصر وكشف عن عمق الخلل في السياسة العربية، فالوثيقة المعلن عنها في الخرطوم والهادفة أساسا إلى إبطاء خطوات أثيوبيا المتسارعة لإنشاء سد النهضة وتشغيله، تضمنت وبشكل مفاجئ إعلان إجراء دراسة بيئية واقتصادية تنجز بعد ثمانية أشهر، ما يتيح لأثيوبيا استكمال مشروعها وتوسعته في هذه الأثناء إلى حين صدور التقرير الذي سيقوم به خبراء دوليين، ليتحول سد النهضة إلى أمر واقع وسيف مسلط تلوح به أثيوبيا عام 2017.

سد النهضة وان كانت السودان اقل تضررا من إنشائه، فمصر ستعاني الكثير بسبب انخفاض منسوب النهر، وتراجع كميات الطمي والمواد المغذية للتربة إلى الأراضي المصرية، ما سيزيد من معاناة سكان الوادي في القطر المصري، مفاقمًا بذلك أزمة مصر الداخلية على الأرجح.

فالوثيقة منحت «أديس أبابا» فرصة للتسويف، عاكسة بذلك انشغالات القاهرة وهواجسها الداخلية المنشغلة بالاستعدادات لمواجهة التحديات المرتقبة يوم 25 يناير الذي بات تاريخا مثيرا للقلق في مصر، فالأجندة السنوية المصرية تصاغ على وقع الأزمات الداخلية لا على أساس التحديات الإقليمية.

ما زالت مصر تعيش ارتدادات الربيع العربي الذي لم تتجاوزه بأمان حتى اللحظة، ما أفضى إلى ضعف المناعة الداخلية وهشاشة الساحة السياسية المصرية، مهددة بإضاعة الفرصة التي أتيحت لها لتطوير وتجديد بناها السياسية التقليدية لمواكبة التطورات الإقليمية والعالمية سريعة التغير، فهل أضاعت مصر فرصة لعب دور قيادي لمرحلة ما بعد الربيع العربي؟

الملف الإقليمي الثاني لا يقل أهمية عن ملف العلاقات الأثيوبية المصرية بل يمثل انعكاسا غير مباشر لحالة التراجع الذي تعانيه مصر في دورها الإقليمي وتراجع دورها القيادي، فتطور العلاقات السعودية التركية ترافق مع تطورات مهمة في الصراع الإقليمي الدائر في كل من سوريا والعراق والخليج العربي، والاهم من ذلك الأزمة البنيوية المرتبطة بتحولات سوق الطاقة في العالم، بشكل أسهم في إحداث تقارب أوسع بين تركيا والسعودية لتتوج العلاقة بإنشاء «مجلس التعاون الاستراتيجي المشترك» للتعامل مع ملفات الإقليم المتداخلة بين البلدين.

التقارب السعودي التركي لم يكن مصادفة بل جاء نتاج تحولات مضطردة على مدى العام ممثلة بحرب اليمن والتدخل الروسي، وعكستها الزيارات الثلاث المتتالية لرئيس الجمهورية التركي إلى الرياض، ولقاءاته المتكررة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أجندة تطورت على وقع الأحداث في العام 2015، ورسمت معالم الأجندة الجديدة للعام 2016.

تركيا وسعت من آفاقها واستفادت من خيارتها المتعددة إذ إن عمقها الاستراتيجي يأخذ أبعادا متعددة أحدها باتجاه المنطقة العربية، وثانيها باتجاه الغرب «أوروبا والناتو»، وثالثها باتجاه آسيا الوسطى، أمر وسع من خياراتها السياسية وقدرتها على صياغة وبناء المحاور ضمن سياسة نشطة افتقدت إليها العاصمة العربية القاهرة، وتولتها الرياض التي انغمست أكثر في مواجهة الأزمات والتهديدات المحيطة بعيد الاتفاق النووي الإيراني وتراجع الاهتمام الأمريكي بملفات المنطقة.

الملف الإقليمي الثالث العراق وسوريا باعتبارهما أكبر مولد للأزمات التي لا تنتهي بفعل تعدد الفاعلين الإقليمين والدوليين والمحليين، ومن ضمنهم القوى التي يمكن وصفها بالكيانات دون الدولة، فالحرب في العراق وسوريا لا تتوقف عن توليد الأزمات كأزمة اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، ومعضلة التطرف والعنف، بل باتت ساحة لتوالد وإنتاج المزيد من الصراعات الدولية والإقليمية في المنطقة وأحد أبرز عناوين السياسة الخارجية في العالم.

تقدم القوات العراقية في الأنبار وانسحاب مقاتلي «داعش» من دمشق واتفاق الغوطة المترافق مع اغتيال القائد العسكري والسياسي لجيش الإسلام إبراهيم علوش، أوحى «كالعادة» باحتمال وجود تفاهمات إقليمية ودولية حاسمة لمعالجة الأزمة السورية والعراقية بتأثير من التدخل الروسي وضغوط أزمة المهاجرين إلى أوروبا و»الإرهاب»، بيد أن هذا النمط المتكرر بات تقليدا شبه فصلي في التعامل مع سوريا والعراق والأزمات الإقليمية عموما، فهي تطورات تعكس حجم الضغوط التي تعانيها روسيا للوصول إلى حل سياسي في حين أنها تعكس حاجة الإدارة الأمريكية والحزب الديمقراطي لإنجاز تعرضه على الناخبين الأمريكيين، فالأزمة في البلدين تصاغ على وقع الأجندة السنوية الروسية الأمريكية للعام 2016، في حين أن المعضلة الأساسية في كلا البلدين سوريا والعراق ما زالت على ما هي عليه، ممثلة بالبحث عن البدائل والقوى السياسية المؤهلة «وفقا لمعايير خرافية افتراضية» للعب دور في مرحلة ما بعد داعش ونظام الأسد.

الاختراق الأهم في المنطقة كان الانتفاضة الفلسطينية التي لم تحظ بكثير من التفاعل من القوى الدولية والإقليمية، مضيفة ملفا جديدا مشتعلا ومتفجرا اشد تعقيدا من ملف الحروب المتتابعة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي انتهت بهدنة بعد حروب قصيرة نسبيا، في حين أن الانتفاضة الفلسطينية لا تخضع لمنطق الهدن والتهدئة، بما تمثله من انعكاس لتحول جذري اجتماعي واقتصادي وسياسي يؤهلها لتكون عنصرا مؤثرا ورقما صعبا في العام 2016، أمر سيضيف تعقيدات وأعباء على القوى الإقليمية والدولية لا يمكن الاستهانة بها.

في المحصلة النهائية فإن استمرار المنطقة العربية في توليد الأزمات وتطويرها ستبقى السمة الأبرز للعام 2016، في ظل غياب المنظومة الإقليمية المستقلة عن إرادات القوى الدولية وأجندتها السنوية، فالمنطقة تحتاج إلى أجندة سنوية تتفاعل مع تطورات الربيع العربي واحتياجات ومطالب شعوب المنطقة بشكل يوقف توالد الأزمات المحلية والإقليمية ويؤسس لمنظومة إقليمية أكثر استقلالية وتعاونا.

منظومة بات من الواضح أن القوى الإقليمية باتت تستشعر أهمية الوصول إليها، فالقوى الإقليمية تعاني من حالة استنزاف وتحالفاتها مع القوى الدولية أصبحت مكلفة بشكل كبير، فالصراعات التي تخوضها القوى الدولية تمتد على مساحة أوسع من مساحة الإقليم وحساباتها لمصالحها تتضارب بشكل واضح مع مصالح القوى الإقليمية.

القناعة لم تتبلور بعد للبدء بحوار موسع وشامل في الإقليم تظهر ثماره في 2016، فعام واحد لن يكون كافيا على الأرجح لمعالجة أزمات توالدت على مدى السنوات الخمس الماضية، غير أن جذور هذا التعاون والتحالف الإقليمي بدأت تنمو وتتبلور في العام 2015، ومتوقع أن تزداد تفاعلا في العام 2016 لتهيئ إما لمسار جديد ممكن يخرج المنطقة من أزمتها، فأزمات الإقليم لن تنهيها بالتأكيد آمال وتوقعات عام واحد، بل جهود مضنية وقناعات وافرة بضرورة تحييد عوامل الصراع وتشجيع الحوار البناء بين دول الإقليم.

  كلمات مفتاحية

2016 مصر السودان أثيوبيا وثيقة الخرطوم السعودية تركيا مجلس التعاون الاستراتيجي الرمادي فلسطين

2016: عنف وحروب وتحديات؟

2016.. تراجع اقتصادي!