الذكاء الاصطناعي.. نفط العالم الجديد يجعل الطغاة أقوى

السبت 3 سبتمبر 2022 07:17 ص

اعتبرت مجلة "فورين أفيرز" أن الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات هي النفط الجديد في العالم، وأن الصين بإمكاناتها البشرية الهائلة تخوض سباقا في هذا المجال مع الولايات المتحدة، يبدو أنه سيكون لها الغلبة فيه.

وقالت المجلة، إن تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلا إلى تقوية يد الطغاة وتمكينهم من السيطرة على مجتمعاتهم، لكنه يمكن أيضا أن يقوض الأنظمة الاستبدادية بشكل خطير، لذلك فهو سلاح خطير ذو حدين.

ويفترض الخبراء أن الغلبة في مجال الذكاء الاصطناعي ستؤدي بطبيعة الحال إلى تفوق إحدى الدولتين على الأخرى اقتصاديا وعسكريا بشكل أوسع.

لكن التفكير في الذكاء الاصطناعي من منظور التنافس على الهيمنة يغفل الطرق الأكثر جوهرية التي يتبعها الذكاء الاصطناعي لإحداث التحول في السياسة الدولية، فالذكاء الاصطناعي لن يغير طبيعة التنافس بين القوى بقدر ما سيغير المتنافسين أنفسهم، كما يعتقد كُتّاب المقال، بحسب ما ترجمته "الجزيرة نت".

ويقارن المقال بين الولايات المتحدة التي تنتهج الديمقراطية نظاما للحكم، والصين التي تتبنّى نظاما "استبدادي" الطابع، ويشكل التعلم الآلي (بمعنى قدرة الآلة على التعلم) تحديا للنظامين السياسيين كل بطريقته الخاصة.

التعلم الآلي بين الديمقراطية والاستبدادية

إن التحديات التي تواجه الأنظمة الاستبدادية أكثر دقة، ولكنها ربما تكون أشد ضررا. ومثلما يعكس التعلم الآلي الانقسامات الديمقراطية ويعززها، فإنه قد يربك الأنظمة الاستبدادية، ويخلق مظهرا زائفا للإجماع ويخفي الانقسامات المجتمعية الأساسية حتى بعد فوات الوقت.

وقد أدرك رواد الذكاء الاصطناعي الأوائل، كالعالم السياسي "هربرت سيمون"، أن ثمة قاسما مشتركا بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأسواق والبيروقراطيات والمؤسسات السياسية، أكثر مما بينها وبين التطبيقات الهندسية البسيطة.

ويعرِّف "نوربرت وينر" -أحد الرواد في هذا المجال- الذكاء الاصطناعي بأنه نظام "إلكتروني يمكنه الاستجابة والتكيف مع الملاحظات وردود الفعل"، أو ما يطلق عليها التغذية الراجعة.

ووفق مقال "فورين أفيرز"، تستخدم شركتا "جوجل" و"فيسبوك" التعلم الآلي كمحرك تحليلي لنظام التصحيح الذاتي، يقوم باستمرار بتحديث فهمه للبيانات اعتمادا على تنبؤاته إذا كانت ستنجح أو ستفشل. هذه الحلقة بين التحليل الإحصائي وردود الفعل من البيئة هي التي جعلت التعلم الآلي قوة هائلة.

على أن الأمر غير المفهوم جيدا -برأي كتّاب المقال- هو أن الديمقراطية والديكتاتورية نظامان إلكترونيان أيضا، إذ بموجبهما تسنّ الحكومات سياساتها ثم تسعى لمعرفة إذا كانت تلك السياسات قد نجحت أو فشلت.

ولدى الحكام الطغاة، فإن تقنية التعلم الآلي تمكنهم من معرفة إذا كان رعاياهم يحبون ما يفعلونه من دون حاجة إلى استطلاعات الرأي أو التعرض لمخاطر سياسية تتسبب فيها الحوارات والمناظرات المفتوحة والانتخابات.

ولهذا السبب -كما يرى المقال- انتاب العديد من المراقبين القلق من أن التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلا إلى تقوية يد الطغاة وتمكينهم من السيطرة على مجتمعاتهم.

وعلى عكس الاعتقاد السائد، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوّض الأنظمة الاستبدادية بشكل خطير؛ من خلال تعزيز أيديولوجياتهم وأوهامهم على حساب فهم أدق للعالم الحقيقي.

وقد تكتشف الدول الديمقراطية أن الأمر عندما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فإن التحدي الرئيسي في القرن الحالي لا يكمن في الفوز بمعركة الهيمنة التكنولوجية، بل في الاضطرار إلى التباري مع الدول الاستبدادية التي تجد نفسها في خضم دوامة الوهم التي يغذيها الذكاء الاصطناعي.

ممارسات الطغاة

ويمضي المقال إلى أن الحكام الطغاة استخدموا المقاييس الكمية كبديل صارم وغير كامل لمعرفة ردود فعل الجمهور. فالصين، مثلا، حاولت على مدى عقود الجمع بين اقتصاد السوق اللامركزي والإشراف السياسي المركزي على عدد قليل من الإحصاءات المهمة، لا سيما الناتج المحلي الإجمالي.

إن السؤال الأكثر إلحاحا ليس إذا كانت الولايات المتحدة أو الصين ستفوز أو تخسر في السباق على هيمنة الذكاء الاصطناعي، بل في الكيفية التي سيغير بها عمليات استقاء ردود الفعل المختلفة التي تعتمد عليها الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية لحكم مجتمعاتها.

ويوحي العديد من المراقبين أن الانتشار الواسع لتقنية التعلم الآلي سيضرّ حتما بالديمقراطية، وسيساعد ذلك بالمقابل النظم الاستبدادية.

ومن وجهة نظر هؤلاء، قد تؤدي خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل على تحسين المشاركة -على سبيل المثال- إلى تقويض الديمقراطية من خلال الإضرار بجودة تعليقات المواطنين وردود فعلهم.

فعندما ينقر الأشخاص على مقطع فيديو تلو الآخر، تقدم خوارزمية "يوتيوب" (YouTube) محتوى "صادما ومثيرا للقلق" للإبقاء على تفاعلهم، وغالبا ما يتضمن هذا المحتوى نظريات المؤامرة أو الآراء السياسية المتطرفة التي تجذب المواطنين إلى عالم "مظلم" حيث تنقلب فيه الأشياء رأسا على عقب.

وعلى النقيض من ذلك، من المفترض أن يساعد التعلم الآلي الأنظمة الاستبدادية من خلال تسهيل سيطرة أكبر على شعوبها، حتى إن مؤرخا مثل "يوفال هراري" ومجموعة من العلماء الآخرين يزعمون أن الذكاء الاصطناعي "يفضل الاستبداد".

ووفقا لأصحاب هذا الرأي، فإن الذكاء الاصطناعي يعمل على تركيز البيانات والسلطة، وذلك يسمح للقادة بالتلاعب بالمواطنين العاديين من خلال تزويدهم بمعلومات محسوبة "لاستثارة عواطفهم الجياشة".

فخ

وقد يتحول الاستبداد المتكئ على "البيانات المؤتمتة بالكامل" إلى فخ لدول مثل الصين التي تركز السلطة في مجموعة صغيرة معزولة من صانعي القرار.

بالمقابل، تملك الدول الديمقراطية آليات تصحيح عبارة عن أشكال بديلة من ردود فعل المواطنين التي يمكن أن تكون ضابطا لأداء الحكومات إذا خرجت عن المسار الصحيح، وهو ما تفتقر إليه الحكومات الاستبدادية.

إن النظرة الفجة -حسب "فورين أفيرز"- تقوم على أن تقنية الذكاء الاصطناعي سلاح اقتصادي وعسكري، وأن البيانات تخفي في طياتها كثيرا من الحقيقة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

الذكاء الاصطناعي علم البيانات الاستبداد الطغاة الديمقراطية

‏ChatGPT.. هل تحرم ثورة الذكاء الصناعي ملايين البشر من عملهم؟

تطور مذهل للذكاء الاصطناعي.. هل يتسبب بأزمة اقتصادية وسياسية في الدول العربية؟

بدقيقة حداد وتحذير من صراعات الذكاء الاصطناعي.. انطلاق القمة العالمية للحكومات بدبي