استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

صورة عربية في مرآة روسية!

السبت 24 سبتمبر 2022 06:21 ص

صورة عربية في مرآة روسية

"الملكيون أكثر من الملك" هم، غالباً، من يصنعون المصائر الأشد مأساوية!

الأكاذيب، بطول ترديدها، تستولي حتى على عقل صانعيها، وتلك أحد أوضح ملامح "بؤسنا العربي" في مرآة البوتينية.

يعتبر قادة الكرملين في نظرتهم إلى العالم أن أميركا تحكم الغرب، والصين تحكم آسيا، وروسيا يجب أن تحكم "أوراسيا".

منذ منتصف القرن العشرين كانت عدة دول عربية "تتبلشف" وهي تستنسخ تجربة البلاشفة السوفيات استنساخًا لم ينقل حلو التجربة ومرّها، بل نقل "المرّ" و"الأمرّ"!

"هناك أشخاصٌ محدّدون، يمكن اعتبارهم مذنبين"، "فكل من شارك في اتخاذ قرار الحرب (الروسية)، وكل من أعدّ لتنفيذه ويقوم بقتل المدنيين.. يتحمّل المسؤولية".

شحوبُ القدرات العقلية للمجتمعات المحكومة بالشمولية، فلا تدرك حقيقة ما يجري حولها إلا بعد الكارثة، وتأمَّل ما فعلته "الثورة المضادّة" بدول "الربيع العربي" لتدرك التشابه.

يمكن استشراف مآلات مأساوية لسياسات شمولية عربية حبيسة "القفص البلشفي الحديدي" في ممارساتها وخطابها، و"الثورة المضادة" العربية أطلقت مداً شمولياً تجاوز الاستبداد قبلها.

أعاد بوتين إنتاج البلشفية بلا أيديولوجيا واحتل القرم بعد أن قرّرت الدولة الروسية "مواجهة الغرب" وأطلقت حملات لإحياء أفكار السوفيات وتأثرت "وزارة الخارجية الروسية بها بعد انتشارها حتى أصبحت تشكّل السياسة الخارجية"،

*   *   *

التاريخ لا يكرّر نفسه، لكن بعض الأمم يمكنها رؤية مسارها في مرآة مصير أخرى... وأنماط التنظيم السياسي الغربية وهي تنتشر (وفي حالات كثيرة تُستنسخ) من الغرب لمختلف أنحاء العالم تكشف عن "متوالياتٍ" يمكن أن تتحقّق مرّة ومرّات، بدرجات تشابه مختلفة، كلما نضجت مقدّماتها.

ومنذ منتصف القرن العشرين، كانت عدة دول عربية "تتبلشف"، وهي تستنسخ تجربة البلاشفة السوفيات، وهو استنساخٌ لم ينقل حلو التجربة ومرّها، بل نقل من التجربة "المرّ" و"الأكثر مرارة"!

وفي مرآة المأزق الروسي الراهن، يمكن استشراف مخاطر مآلات مأساوية محتملة للسياسات الشمولية العربية التي ما تزال حبيسة "القفص البلشفي الحديدي" في أفكارها وممارساتها وخطابها، و"الثورة المضادة العربية" أطلقت مداً شمولياً تجاوز أحياناً الممارسات الاستبدادية التي سبقت هذه الثورات.

و"الملكيون أكثر من الملك" هم، غالباً، من يصنعون المصائر الأشد مأساوية.

وفي موقفٍ يمثل استثناءً من حالة الانصياع التام الذي يحكم أداء البيروقراطية الروسية، جاءت استقالة الديبلوماسي بوريس بونداريف (مستشار بعثة روسيا لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف) لتفتح كوّة في الصندوق المغلق بإحكام، وليمنح الفضوليين فرصة اختلاس نظرة داخل عقل البيروقراطية البوتينية. وفي حوار معه (سويس إنفو، 14/9/2022) كشف عما يستحق التوقف عنده.

أول القضايا التي يثيرها بونداريف: "المسؤولية"، والمهم هنا قوله فيما يتعلق بقرار الحرب "هناك أشخاصٌ محدّدون، يمكن اعتبارهم مذنبين"، "فكل من شارك في اتخاذ قرار الحرب، وكل من أعدّ لتنفيذه، وكل من يقوم بقتل المدنيين... يتحمّل المسؤولية".

و"المجتمع ككل يتحمّل المسؤولية الأخلاقية عما يجري، لكنه لا يتحمّل المسؤولية بالمعنى القانوني أو الجنائي"، وهذا الفهم المركب لمعنى المسؤولية أصبح ضيفاً غير مرغوب فيه في البيروقراطية التي أعاد بوتين "قولبتها" على القواعد السوفياتية.

ولأن بونداريف لا يرفع الشعار البائس: "أنا عبد مأمور" الذي يتخفّى خلفه أعوان المستبدّين العرب، فإنه يعترف بنصيبه من "مسؤوليته الفردية" عن واقع روسيا السياسي، يقول بونداريف:

"فيما يتعلق بي، أعترف بأن جزءاً من هذه المسؤولية على عاتقي"، فمثلا "الأحداث التي أدّت إلى تعزيز سلطة بوتين، منذ عام 2000... هذه الأحداث، لم يجر تأويلها في حينه بالطريقة نفسها التي يجرى تأويلها اليوم".

"شخصياً لم أُعِر هذه الأحداث اهتماماً كثيراً. كان هناك شعور بالعجز، لا سيّما من شخص واحد، فإذا قرّر شخصٌ ما في موقع السلطة العليا القيام بأمر ما فسيتم هذا الأمر من دون الأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب أو رغباته. ومنذ العهد السوفياتي، هكذا كانت تجري الأمور".

وهنا نتيجة مهمة، هي شحوبُ القدرات العقلية للمجتمعات المحكومة بالشمولية، بحيث لا تدرك حقيقة بعض ما يجري حولها إلا بعد وقوع الكارثة، وقديماً قال المثل العربي العبقري: "أخزى الله الرأي الدبري"، هو الرأي الذي يهتدي إليه صاحبه بعد المصيبة، وتأمَّل ما فعلته "الثورة المضادّة" في بعض دول "الربيع العربي" تدرك التشابه المشار إليه في أول المقال.

ويلخص الديبلوماسي الروسي بونداريف المشهد الروسي، قائلاً إنّ بوتين أعاد إنتاج البلشفية من دون أيديولوجيا. وهو يكشف أن الدولة الروسية احتلت القرم بعد أن قرّرت "مواجهة الغرب"، ثم بدأت حملات دعائية لإحياء الأفكار السوفياتية، و"وزارة الخارجية الروسية تأثرت بهذه الأفكار بعد تنامي انتشارها، حتى أصبحت تشكّل تدريجياً أسس السياسة الخارجية للبلاد"، وهذا يعني أن الأكاذيب، بطول ترديدها، تستولي حتى على عقل صانعيها، وتلك أحد أوضح ملامح "بؤسنا العربي" في مرآة البوتينية.

وفي اعترافٍ صادم، كأنه يتحدّث فيه عن بعض بلادنا، يقول: "لم يكن إلمام الحكومة الروسية بالتطوّرات الجارية في العالم على المستوى المطلوب"، وهذا سبب قرار شن الحرب. وعن نظرة قادة الكرملين إلى العالم يقول إنهم يعتبرون أميركا تحكم الغرب، والصين تحكم آسيا، وروسيا يجب أن تحكم "أوراسيا".

"وهذه النظرة ... بدائية للغاية"، و"معظم أعضاء الكرملين عملاء سابقون في المخابرات السوفياتية"، ومن تكون مهمتهم "البحث عن المؤامرات، ينتهي بهم الأمر إلى توجّس وجود المؤامرات في كل مكان"، وتلك ثمرات حكم رجال الدائرة الأمنية هنا وهناك.

إنها صورتنا في مرآتهم، وصدق ربّ العزة: "وقفوهم إنهم مسؤولون"!

* ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي الثورة المضادة بوتين روسيا البيروقراطية الشمولية البلاشفة السوفيات المأزق الروسي مواجهة الغرب