المعارضة الوطنية.. الحلقة المفقودة في المشهد السياسي العراقي

الثلاثاء 4 أكتوبر 2022 06:40 ص

كقاعدة عامة، تكون معظم الدول أقوى وأكثر استقرارًا عندما يكون لديها معارضة سياسية قوية، ما يقدم بديلاً إذا فشلت الحكومة في إدارة شؤون البلاد بشكل فعال. وتتسم المجتمعات التي ليس لديها مثل هذه المعارضة إما بالاستبداد أو بالفوضى، وهما السمتان المحددتان للنظام السياسي العراقي قبل وبعد غزو عام 2003.

وأدى غياب معارضة سياسية وطنية ومنظمة في العراق قبل الغزو الأمريكي إلى حرمان العديد من العراقيين من أي خبرة سياسة، ما مهد الطريق لحكومات ضيقة ومقسمة في حقبة ما بعد عام 2003.

وخلال الفترة الزمنية نفسها، شهد المجتمع العراقي تدهوراً مستمراً على جميع المستويات، ولا يزال يفتقر إلى معارضة وطنية قوية تقدم برنامجاً سياسياً يمكن أن يمنع العراق من الانزلاق إلى الهاوية.

ولادة الطائفية

 يمكن إلقاء اللوم في جزء كبير من الأزمة العراقية الحالية على "صدام حسين"، الذي قضى حكمه االاستبدادي على أي احتمال لمعارضة سياسية منظمة. وفي عام 1979، فور وصوله إلى السلطة، قام "صدام" بتطهير حزب البعث من أي شخص يمكن أن يتحدى قيادته للبلاد، بما في ذلك العديد من رفاقه السابقين في نضاله السياسي.

وبدرجة ما، تمكنت المعارضة السياسية من البقاء، لكن اضطرت إما للعمل في دول أجنبية أو العمل تحت الأرض داخل العراق، ما حد من فعاليتها وتجربتها في السياسة التشاركية. علاوة على ذلك، خلقت الطبيعة القبلية وشبه الطائفية لنظام "صدام" ردة فعل مماثلة، بمعنى أن الأحزاب السياسية المعارضة كررت حقبة "صدام" المأساوية على الصعيد السياسي والاجتماعي.

ويمكن القول إن حقبة ما قبل 2003 مهدت المسرح للعديد من التعقيدات السياسية التي يعاني منها العراق اليوم. وبسبب الطبيعة الطائفية للمعارضة العراقية قبل عام 2003، نشأت الأحزاب الطائفية الحالية التي تفتقر إلى نظرة وطنية جامعة تناسب جميع شرائح المجتمع العراقي.

وزعمت معظم الأحزاب السياسية التي عارضت النظام البعثي أنها تمثل "الهوية العراقية"، لكن الحقيقة أنها لم تنسجم مع الهويات العراقية التعددية. على سبيل المثال، احتضنت إيران إنشاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، وقاتل فصيله المسلح "فيلق "بدر" مع القوات الإيرانية منذ تأسيسه في عام 1982 حتى عام 1988.

وكان الهدف الرئيسي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية عند تأسيسه هو إنشاء دولة إسلامية تشبه الدولة الدينية في إيران - وهي رؤية لم ترق ولا تزال لا تروق لسنة العراق وأكراده وكثير من الشيعة. وبالرغم من تخليه عن جانبه الثوري، لا يزال المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق حزباً سياسياً قائماً على أساس طائفي في الوقت الحاضر.

وكان لوجود أحزاب المعارضة العراقية في دول أجنبية خلال عهد "صدام" أثران سلبيان. أولاً، أصبحت أحزاب المعارضة هذه في كثير من الأحيان أدوات في أيدي الدول الأجنبية. على سبيل المثال، سعت الأحزاب المتواجدة في طهران إلى توجيه العراق وفقًا للمصالح الإيرانية، في حين مالت الأحزاب المتواجدة في الغرب إلى التعاطف مع وجهات النظر الغربية.

ثانيًا، أصبحت هذه الأحزاب معزولة أيضًا عن التطورات التي تحدث داخل المجتمع العراقي. على سبيل المثال، تم إنشاء المؤتمر الوطني العراقي، بدعم من الولايات المتحدة في عام 1992، وكانت القضية الوحيدة التي يتفق عليها أعضاؤه هي الإطاحة بنظام "صدام"، لكن بعد ذلك تباينت الأهداف الأيديولوجية من استعادة النظام الملكي إلى تعزيز الإسلاموية، وهي أهداف بعيدة عن طموحات وتطلعات الشعب العراقي.

كما شهدت هذا التكتل احتكاكات داخلية كثيرة وصلت حد الصدام المسلح، حيث تقاتل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في عامي 1994 و1996. بالإضافة إلى ذلك، انحسر الخطاب السياسي الكبير الذي تبنته المجموعة بعد فترة وجيزة من الإطاحة بالنظام البعثي. وواصل كل حزب أجندته الضيقة، وانسحبت معظم الأحزاب السياسية من المظلة السياسية الجامعة.

المشاركة أو عدم المشاركة

بالرغم أن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية فتح الباب أمام الممارسة السياسية، لكن المعارضة الطائفية فشلت في التوحد خلف الهوية الوطنية، ما أحدث فراغا في قلب المشهد السياسي العراقي.

وفي انتخابات عام 2005، وهي الأولى منذ سقوط "صدام"، كان هناك نحو 100 حزب مع ما يقرب من 7000 مرشح. ومع ذلك، وفر الترتيب السياسي للأحزاب الرئيسية أرضية لتقسيم طائفي غير رسمي للسياسة يتقاسم فيه السنة والشيعة والأكراد المناصب السياسية الرئيسية.

وكان الشكل الوحيد من "المعارضة" في ظل هذا النظام هو الحملة العنيفة التي شنها السنة الساخطون الذين رفضوا العملية السياسية الجديدة. وقد تزايد عدد الجماعات المسلحة السنية في عراق ما بعد عام 2003، والعديد منها مدعوم من جيران العراق. لكن يكن لدى هذه الجماعات برنامج سياسي يجتذب أفرادًا من طوائف أخرى داخل العراق، ومعظمهم إما يفضل حزب البعث أو "الإسلام المتشدد"، وهو ما رفضه معظم العراقيين من جميع الطوائف.

وكانت إحدى هذه الجماعات هي "الجيش الإسلامي في العراق" الذي دخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة بعد أن أصبح واضحًا أن واشنطن تنوي في النهاية سحب قواتها، فيما رفض "لواء ثورة العشرين"، وهو جماعة سنية ثانية تضمنت العديد من عناصر الجيش القديم، التفاوض مع الولايات المتحدة وطالب بانسحابها الفوري. وكان لدى الجماعات الأخرى، مثل "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، أهداف أعمق، بما في ذلك التطهير الطائفي.

وتم إضفاء الشرعية على تصرفات هذه الجماعات من خلال عدة عوامل رئيسية: الانقسامات العرقية، وتوطيد الأحزاب الحاكمة الفاسدة، وفشل جهود الإصلاح، والأهم من ذلك، عدم قدرة الدولة على منع العنف الطائفي قبل ظهور الجماعات المتشددة الأكثر شهرة في البلاد.

وفي السنوات الأخيرة، دفعت المظالم الاجتماعية المتفاقمة العراقيين إلى الشوارع حيث نظموا مظاهرات انضم إليها شرائح مجتمعية مختلفة للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية. ومع ذلك، فإن هذه المظاهرات لم تتحول بعد إلى حركة معارضة سياسية قوية، ولا تزال متواضعة وناشئة مع عدم وجود مؤشرات على النجاح في نهاية المطاف.

لقد احتجت كل شريحة من شرائح المجتمع العراقي، في أوقات مختلفة، على أوضاع البلاد الحالية. على سبيل المثال، تظاهر عشرات الآلاف من السنة بين عامي 2012 و2013  ضد سياسات رئيس الوزراء آنذاك "نوري المالكي". كما تظاهر الأكراد ضد أحزابهم السياسية بسبب الفساد وتأخير الرواتب، بينما هدم الشيعة العديد من مكاتب أحزابهم السياسية الفاسدة خلال الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ومع ذلك، فإن التمثيل الموحد لهذه الجماهير والمبني على الهوية الوطنية العراقية بدلاً من التضامن الديني أو العرقي لا يزال محدودا وهشا.

((3)

بدايات خاطئة

في السنوات الأخيرة، علق البعض آمالهم على التغيير مع رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" باعتباره يركز على القومية العراقية بدلاً من الهوية الدينية الشيعية. ومع ذلك، أظهرت أحداث العام الماضي بوضوح أن "الصدر" متورط في المقام الأول في صراع سياسي وليس حملة من أجل إصلاح ذي مغزى.

وغير الزعيم الزئبقي مواقفه السياسية عدة مرات، وبالرغم من دعمه للمتظاهرين خلال المرحلة الأولى من مظاهرات 2019، لكنه تراجع عن موقفه لاحقًا. وبالمثل، بعد انتخابات 2021 أعلن "الصدر" معارضته لأي نفوذ أجنبي، لكنه التقى لاحقًا بقائد فيلق القدس الإيراني في عدة مناسبات لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة. وبينما رفض في البداية التحالف مع أي جزء من ائتلاف "الفتح"، أعاد "الصدر" تعديل مقاربته ورفض فقط فصائل معينة من التحالف.

بعبارة أخرى، فإن تصرفات "الصدر" لا تختلف كثيرا عن تصرفات السياسيين الآخرين في العراق، لذلك لا يوجد أمل تقريبا في الإصلاح من داخل المنظومة السياسية الحالية. ويتمثل بصيص الأمل السياسي في الأصوات المستقلة، لكن التحديات أمامهم ستكون صعبة للغاية.

وحصد هؤلاء عشرات المقاعد البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 حيث ربطوا أنفسهم بحركة 2019 وشكلوا حركة "امتداد" باعتبارها صوت الاحتجاجات الشعبية داخل الصناديق الانتخابية. ومع ذلك، واجهت الحركة العديد من الصعوبات في البقاء متماسكة حيث تجاذبها أعضاؤها في اتجاهات مختلفة.

علاوة على ذلك، فإن ذكاء قادة "امتداد" السياسي والتفكير الاستراتيجي لم يتم اختبارهما بعد، وسيستغرق الأمر عدة انتخابات قبل أن يتنقلوا في أروقة السلطة، ويتم صقل مهاراتهم السياسية لإحداث تغيير ذي مغزى.

ووسط الاضطرابات التي يمر بها العراق، هناك حاجة ملحة لقوة سياسية وطنية ذات مشروع جامع يخاطب كافة شرائح المجتمع العراقي. لكن للأسف، فإن النخبة الفاسدة ستخنق أي محاولة لخلق هذه المعادلة لأنها ستهدد سلطتها ونفوذها. في المقابل، فإن أي كيان سياسي خارج العراق سيكون خاضعا للنفوذ الأجنبي وستيكون منفصلا عن المجتمع العراقي.

ومع استمرار الوضع الراهن،من المرجح أن تتسع الفجوة بين النخبة السياسية والمجتمع العراقي بشكل كبير.

المصدر | مصعب الألوسي | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق الصدر المستقلين المعارضة العراقية صدام حسين الغزو الأمريكي للعراق

العراق.. الصدر يعلن التحول إلى المعارضة الوطنية

البرلمان العراقي يلتئم الخميس لانتخاب رئيس للبلاد