استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من يدفع تونس نحو الفوضى؟!

الجمعة 7 أكتوبر 2022 04:30 م

من يدفع تونس نحو الفوضى؟!

اعتبرت مديرة مكتب الرئيس السابقة أنه «من غير المقول ألا يمتلك رئيس يحترم نفسه ناطقا رسميا ويفسح المجال لهؤلاء للحديث عن مشروعه»!

قيس سعيد «رئيس متألّه» و«نظامه السياسي قائم على الإمامة وإنه لا يحمل فكرا وإنما هلوسات وقذّافيات (نسبة للعقيد الراحل معمّر القذافي)».

الحملة التفسيرية ليست منصبا أو صفة رسمية بل وصف أتخذته مجموعة محدودة تتحدث باسم الرئيس أو نيابة عنه لشرح سياساته ولم يتبرأ منها أو ينفي صلته بها.

وفق دستور سعيّد عند شغور منصب الرئاسة يكون البديل رئيس المحكمة الدستورية وهي غير موجودة أي لا شيء غير الفراغ إذا تعذّر استمرار سعيّد بمنصبه!

تونس تنتظر برلمانا أقرب لـ«مؤتمر الشعب العام» في ليبيا القذافي بأناس متواضعي الثقافة لا يجيد أكثرهم غير ترديد شعارات عامة بلا معنى وهم أعجز من اجتراح حلول.

تونس بانتظار الفوضى وسيلة تغيير أو واقعا سياسيا ناتجا عن برلمان هزيل بلا صلاحيات رقابية على عمل الحكومة مع رئيس خارج عن كل مألوف وفوق كل مساءلة!

«في انتظار تنظيم انتخابات رئاسية حسب الدستور الجديد، ويفترض أن تتم في 2024، لا توجد طريقة أخرى للتغيير السياسي سوى الفوضى، أليس غريبا أن يبشر بذلك أحد أنصار الرئيس؟!»

*   *   *

سُئل عن كيفية تغيير الرئيس في تونس طالما أن قيس سعيّد وضع دستورا على مقاسه لا مكان فيه لمراقبته أو محاسبته أو سحب الثقة منه، فأجاب بكل بساطة بأن ذلك يتم بالنزول إلى الشارع والتظاهر ضده حتى إسقاطه كما حصل عام 2011 ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

قائل هذا الكلام قبل يومين فقط، والذي جاء على شاشة «قناة التاسعة» الخاصة، ليس أحد معارضي سعيّد ممن يؤمنون بضرورة تحريض الشارع سبيلا وحيدا للتغيير، بل هو أحمد شفتر أحد أبرز أنصار الرئيس ممن يقع تقديمهم عادة على أنهم أعضاء «الحملة التفسيرية» للرئيس أو المُفسّرين (إي والله هكذا!!).

هي ليست منصبا أو صفة رسمية وإنما وصف أطلقته مجموعة محدودة على نفسها تتحدث باسم الرئيس، ونيابة عنه تقريبا، لشرح سياساته دون أن يتبرأ هو منها أو ينفي صلته بها.

هذا «المفسّر» استخفت به مرة نادية عكاشة المديرة السابقة لمكتب الرئيس سعيّد، في أحد التسريبات الصوتية المنسوبة إليها، وذلك حين قالت إن الرجل، رغم ضحالة ما يقدّمه، يُعتبر أفضل من في هذه المجموعة التي وصفتها بأنها «طائفة»، معتبرة بأنه «من غير المقول ألا يمتلك رئيس يحترم نفسه ناطقا رسميا ويفسح المجال لهؤلاء للحديث عن مشروعه».

وقد لا يكون العيب في الرجل بقدر ما يبدو في وسائل الإعلام التي تفتح له ولأمثاله منابرها وتروّج لهم رغم أنهم سرعان ما يتحوّلون بعد كل لقاء مادة للتندّر والاستخفاف في كل المنصات الإلكترونية.

حين أرسلت مقطع السؤال والجواب لبعض الأصدقاء لتلمّس آرائهم كتب لي أحدهم يقول: «أخيرا عرفنا الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يتنحى بها قيس سعيد، على لسان أقرب مقربيه: الفوضى كما حدث مع بن علي.. خلاف هذا الرجل سيبقى في مكانه»، فيما قال آخر إن معنى هذا الكلام «أنه في انتظار تنظيم انتخابات رئاسية حسب الدستور الجديد، والتي يفترض أن تتم خلال عام 2024، لا توجد طريقة أخرى للتغيير السياسي سوى الفوضى، أليس من الغريب أن يبشر بذلك أحد أنصار الرئيس؟!»

المشترك بين التعليقين هو مفردة «الفوضى» المفتاحية التي تلخص المشهد كله، لأن أي نظام سياسي يقول عن نفسه إنه ديمقراطي ثم لا يترك مجالا للمساءلة والمحاسبة عبر مؤسسات دستورية معروفة ومنتخبة في سياق شفاف من التداول السلمي على السلطة، إنا يقول ضمنا للناس: ليس أمامكم سوى الشارع والمظاهرات لتضغطوا على الحاكم فيتنحى صاغرا إن استطعتم إلى ذلك سبيلا.

وفي ذلك ترويج للشارع وسيلة وحيدة للتغيير، مع كل المنزلقات التي يحملها مثل هذا النهج الاضطراري، بعد انسداد كل قنوات التغيير السلمي المؤسساتي المنظّم والمعروف.

ما يزيد الأمر قتامة في تونس حاليا أنه مع رئيس غير خاضع للمساءلة والمحاسبة يوجد إشكال آخر، وفق الدستور الجديد الذي سنّه هذا الرئيس بمفرده، هو أنه في حال حدوث شغور في منصب الرئاسة يكون البديل هو رئيس المحكمة الدستورية وهي غير موجودة الآن، بمعنى لا شيء غير الفراغ إذا تعذّر لأي سبب استمرار سعيّد في منصبه!!.

وإذا كان ما قاله شفتر، المؤيد الحالي للرئيس، خطيرا فإن ما قاله مؤيد سابق، قبل أن ينقلب معارضا، هو أخطر بكثير فهذا الصغير الزكراوي أستاذ القانون العام يقول قبل زهاء ثلاثة أسابيع لإذاعة «الديوان» المحلية الخاصة بأن قيس سعيد «رئيس متألّه» وإن «نظامه السياسي قائم على الإمامة وإنه لا يحمل فكرا وإنما هلوسات وقذّافيات (نسبة للعقيد الراحل معمّر القذافي)».

ويضيف، وهو الذي سبق له أن دافع عن الرئيس وانقلابه على الدستور قبل أكثر من عام، بأن النظام السياسي الحالي في تونس «ليس نظاما رئاسيا.. نحن خارج التصنيفات التقليدية للرئاسة.. لأنه لا يمكن مساءلة الرئيس.. فهو معصوم.. قيس سعيد يعتقد انه جاء لإنقاذ تونس والإنسانية بفكر جديد ولم يحدث أبدا في التاريخ ان كتب رئيس دستور بلاده بنفسه».

وحين تتابع الآن الاستعدادات للانتخابات التشريعية المنتظرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتقف على نوعية الناس التي يتقدّمون مرشحين لخوضها، بعد أن أقصيت الأحزاب عن هذا الموعد في ضوء نظام انتخابي يعتمد التصويت على الأفراد وليس القوائم، ستلاحظ دون عناء أن تونس سائرة بلا أدنى شك إلى برلمان هو أقرب ما يكون إلى «مؤتمر الشعب العام» في ليبيا القذافي مع أناس متواضعي الثقافة لا يجيد معظمهم سوى ترديد بعض الشعارات العامة التي لا تعني شيئا، وهم أعجز من أن يجترحوا حلولا لمشاكل تونس المتفاقمة بل سيكونون على الأرجح مشكلة إضافية أخرى تعمّق المأزق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحالي.

يعني أن ما ينتظر تونس للأسف الشديد هو الفوضى، سواء وسيلة للتغيير أو واقعا سياسيا ناتجا عن برلمان هزيل، بلا صلاحيات رقابية على عمل الحكومة، مع رئيس خارج عن كل مألوف وفوق كل مساءلة!!. الله المستعان.

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس الفوضى الفراغ المحكمة الدستورية أحمد شفتر الحملة التفسيرية نادية عكاشة قيس سعيد ليبيا القذافي مؤتمر الشعب العام