كيف أعاقت حرب أوكرانيا إصلاحات الشرق الأوسط؟.. معهد بحثي يجيب

الأحد 9 أكتوبر 2022 09:21 ص

"التداعيات الجيوسياسية تعيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المنشودة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".. قدم الباحث السياسي "لورينزو فروجانتي" هذه الخلاصة في إطار تسليطه الضوء على آثار الحرب في أوكرانيا، مشيرا إلى أن أهم تلك الآثار يتمثل في أن "التجانس" بين الإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي بدول المنطقة لم يعد قائما.

وذكر "فروجانتي"، في تحليل نشره موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "ISPI"، أن الحرب في أوكرانيا أثرت سلبا على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعدة طرق، أهمها الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والطاقة.

ولذا، تولي الحكومات في المنطقة اهتمامًا كبيرا بالتداعيات الاقتصادية للنزاع المسلح البعيد عنها جغرافيا، حسبما يرى الباحث.

ففي البلدان المنتجة للنفط (مثل أعضاء مجلس التعاون الخليجي والجزائر)، كانت الزيادة في أسعار الهيدروكربونات بمثابة طفرة كبيرة، وبالتالي تمكنت تلك الدول من الحفاظ على إنفاق مرتفع على الرعاية الاجتماعية.

كما تبنت تدابير في الوقت المناسب لمواجهة تحديات الأمن الغذائي المحتملة، مثل استيراد الحبوب، ما قلل من خطر اندلاع موجات جديدة من الاحتجاجات الجماهيرية على خلفية التضخم العالمي المتزايد، في المدى القصير على الأقل.

ومع ذلك، يرى "فروجانتي" أن هكذا إنفاق، لم يفد الدول المنتجة للنفط سوى بـ "تأخير" النقاش حول تقادم "النظام الريعي" لاقتصادها، بعكس الدول المستوردة للنفط، مثل تونس ومصر، التي تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية ومالية عميقة، وتعرضت لصدمة اقتصادية إضافية جراء حرب أوكرانيا.

ولذا، تتحمل أغلب بلدان شمال أفريقيا وطأة ظروف جيوسياسية واقتصادية معقدة، تهدد استقرارها الداخلي بشكل متزايد.

وحول هذا التباين، يرى "فروجانتي" أن سلطات الدولة في الخليج ظلت قابلة للتكيف تاريخيًا لتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية من خلال نهج يتجه "من أعلى إلى أسفل"، ما يقلل من الاحتياجات المحلية ويتلاءم مع مصالح الحكومات.

وعليه، فإن تغير التوازنات الجيوسياسية لا يؤثر بشكل كبير على صانعي القرار، لسن الإصلاحات في دول الخليج، ما لم تكن مرتبطة بسمعة حكامها الدولية والرؤى الاقتصادية الخاصة بالطاقة في مرحلة ما بعد الهيدروكربونات.

ويرى "فروجانتي" أن واقع دول الخليج يرتبط إلى حد كبير كذلك، بعدم قدرة الغرب على فرض شروطه عند التعاون معها، ولذا تتجه تلك الممالك إلى إعطاء أولوية لتنفيذ إصلاحات في قطاع الأمن.

في الواقع، هم يتطلعون بشكل متزايد شرقا للمشتريات العسكرية والشركاء الاستراتيجيين للتعاون معهم في بلدان ثالثة.

واقع مشابه جرى في الجزائر، إذ أدت طفرات النفط والغاز، المرتبطة بالصدمات المفاجئة على المسرح الدولي جراء حرب أوكرانيا، إلى إلغاء النقاشات حول الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج البلاد إلى تنفيذها؛ لتجنب حدوث ركود جديد في سوق الطاقة.

وإزاء ذلك، يعد تحقيق خطط إصلاحية تقدمية (تم الكشف عنها في سبتمبر/أيلول 2021) تحديا حقيقيا أمام السلطات الجزائرية، التي تهدف إلى دعم التعافي من تداعيات جائحة كورونا، والانتقال نحو نموذج نمو أكثر شمولاً وتنوعًا، وتعزيز الحوكمة والتماسك الاجتماعي.

لكن ذلك لن يحدث، سواء في دول الخليج أو الجزائر، إلا بإجابة واضحة عن سؤال يطرحه "فروجانتي"، وهو: "ماذا ستفعل حكومات تلك الدول عندما تعود أسعار الطاقة إلى مستويات ما قبل الحرب بينما تظل أسعار السلع الاستهلاكية كما هي؟".

في المقابل، تبدو تونس بحاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية من شأنها أن تمكن البلاد من النمو بشكل مستدام على مدى العقد المقبل. 

ومع ذلك، يبدو أن اهتمام الرئيس "قيس سعيد"، الذي حل البرلمان العام الماضي، منصب نحو الحصول على المزيد من الصلاحيات بدلاً من إصلاح بلاده.

ومع اقتراب التضخم من نسبة 9%، نزل التونسيون إلى الشوارع للاحتجاج في ظل نقص الغذاء وارتفاع أسعار أسطوانات غاز الطهي والوقود بشكل عام.

ومن المقرر أن يطرح صندوق النقد الدولي  حزمة إنقاذ جديدة لتحقيق الاستقرار في اقتصاد تونس المتعثر، ولكن بشروط، أهما تنفيذ إصلاحات سياسية وتدابير للتقشف، وهو أمر لا يبدو مضمونا في سياق سياسات "قيس سعيد".

وفي مصر، أمضى الرئيس "عبدالفتاح السيسي" أغلب العقد الماضي في الاستثمار بمشاريع البنية التحتية العملاقة في جميع أنحاء البلاد على حساب التراث الثقافي للبلاد.

وفي محاولة لمحو القليل المتبقي من ذاكرة الربيع العربي بمصر، أعاد "السيسي" تشكيل أجزاء كبيرة من مدينة القاهرة، بما في ذلك ميدان التحرير الشهير، حيث تجمع آلاف المتظاهرين للمطالبة بالتغيير خلال انتفاضة عام 2011.

ومع اعتقال ما يقدر بـ 60 ألف سجين سياسي، لم يتبق أمام قوى المعارضة في مصر سوى عدم الثقة بالرئيس والمطالبة بإجراء انتخابات ومشاركة سياسية أكبر.

ويرى "فروجانتي" أن "السيسي" قد يجد نفسه مضطرا للانخراط في حوار أعمق مع المعارضة وإظهار علامات على الانفتاح السياسي مع استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ أخرى للاقتصاد المصري، واقتراب موعد انتخابات 2024 الرئاسية.

ويخلص الباحث السياسي إلى أن بلدان المنطقة جميعًا ستواجه أوقاتًا صعبة في المستقبل، وإن كان ذلك بطرق مختلفة.

ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب في أوكرانيا، فمن المرجح أن يستمر ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في التأثير على سبل عيش ملايين الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة.

المصدر | المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أوكرانيا روسيا مجلس التعاون الخليجي شمال أفريقيا قيس سعيد عبدالفتاح السيسي المجلس الأطلسي

تداعيات حرب أوكرانيا على الشرق الأوسط.. تبدلات جيوسياسية ومخاوف من اضطرابات اجتماعية

تداعيات حرب أوكرانيا على انتشار الصواريخ في الشرق الأوسط

أوكرانيا تتقدم في خيرسون وتستعيد مساحات شاسعة

في قمة الخميس.. خيارات السلام بأوكرانيا تترأس أجندة قمة بوتين وأردوغان