الأمن البيئي بوابة أوروبية لتعاون ضروري بين إيران ودول الخليج

الأحد 16 أكتوبر 2022 11:39 ص

"منبر للحوار حول المناخ والأمن البيئي قد يكون أحد الطرق القليلة المجدية سياسياً لتعزيز واستدامة قنوات الدبلوماسية الإقليمية، حتى لو انهار الاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية الكبرى". 

قدمت "سينزيا بيانكو" هذه الخلاصة لتحليلها بشأن مستقبل العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية وارتباطها بالمصالح الأوروبية، مشيرة إلى أن حكومات الشرق الأوسط باتت تهتم بهكذا دبلوماسية بشكل متزايد.

وذكرت "بيانكو"، في التحليل المنشور بموقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن دول المنطقة باتت تدرك أن التعاون لمواجهة مخاطر الأمن البيئي ذو أهمية سياسية بالغة، وأن المسؤولين الأوروبيين، يدركون أن مصلحة دولهم تتمثل في تشجيع خفض التصعيد بين إيران وجيرانها العرب.

وتكمن المصلحة الأوروبية، حسب تحليل "بيانكو"، في تعزيز المكانة الجيوسياسية لاتحاد دول القارة العجوز، في عالم يتجه لأن يكون متعدد الأقطاب من جانب، ومساعدة الاتحاد في الوفاء بالتزاماته تجاه المناخ والأمن البيئي من جانب آخر، خاصة في ظل تحديات الطاقة التي تواجه العالم، وما تمثله دول المنطقة من "بديل" لأوروبا عن إمدادات الطاقة الروسية.

ورغم تأكيد المحللة أن الأوروبيين "لا يزالون لاعبين ضعفاء في المنطقة من حيث نفوذهم السياسي والأمني"، إلا أنها تؤكد، في المقابل، أنهم لديهم "ميزة تنافسية" يتفوقون بها على كل القوى الكبرى الأخرى، بما فيها الصين، وهي قدرتهم على دعم جهود مواجهة "التحديات الأمنية غير العسكرية"، التي تهدد الاستقرار الإقليمي.

وأورد التحليل أن قضايا احترار المناخ والتصحر وندرة المياه وتلوث الهواء باتت تمثل "تهديدا وجوديا" لكل من إيران ودول الخليج العربية، ومع ذلك تتحرك تلك الدول ببطء شديد لمواجهة هذه التهديدات المشتركة ونادرًا ما تعاونت مع بعضها البعض في هذه المواجهة.

وفي السياق، تشير "بيانكو" إلى أن بوابة الحوار السياسي للتعاون بين إيران ودول الخليج العربي أسفرت عن نتائج "هشة للغاية"، في ظل إصرار كل طرف على تجاوز الخطوط الحمراء للطرف الآخر، بينما يمثل التعاون البيئي فرصة سانحة لتحقيق مصلحة الطرفين والمصلحة الأوروبية في آن واحد.

فالتهديدات البيئة باتت مؤثرا مباشرة على الأحوال المعيشية لشعوب المنطقة، بل تسببت في احتجاجات شعبية واسعة النطاق في إيران والعراق (ضد ندرة المياه)، وتهدد دولا أخرى بالفناء، كالبحرين، التي قد تواجه خطر ارتفاع مستوى سطح البحر (بسبب تغير المناخ) إلى غمر ما بين 27 و 56% من مساحتها.

وفي حال تحقق هكذا سيناريو، ستتسرب مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية عبر دول مجلس التعاون الخليجي، ما يجعل المياه الجوفية لاحقا غير صالحة للاستهلاك البشري.

وهنا تشير "بيانكو" إلى أن عدد من يعيشون في إيران وشبه الجزيرة العربية ارتفع من 34.4 مليون في عام 1960 إلى 182.9 مليون في عام 2020، ما أدى إلى أزمة مياه تتواكب مع سوء إدارة الموارد المائية في الزراعة والصناعة بالعقدين الماضيين، مؤكدة أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا، حيث كانت الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2020 ويونيو/حزيران 2021 هي الأكثر جفافا منذ 53 عاما.

وتؤكد المحللة أن تحديات ندرة المياه والأمن البيئي التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي تختلف عن تلك الموجودة في العراق وإيران، لكن ذلك لا يعني أنها ليست أقل إثارة للقلق.

وأوضحت أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا تحلية مياه البحر، التي تصل نسبتها من إجمالي مياه الشرب إلى نحو 80% في الإمارات والكويت وقطر، فيما تنتج السعودية وحدها حوالي 20% من إجمالي الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، لكن هذه التكنولوجيا ليست آمنة بيئيا.

فمعظم تقنيات تحلية المياه تعتمد على محطات كثيفة الاستهلاك للطاقة، عادةً ما تعمل بالوقود الأحفوري، ولها عوادم كربونية كبيرة، وفي معظم الحالات يكون الناتج الثانوي لتحلية المياه "محلولا" يزيد من ملوحة المياه الساحلية التي يتم تصريفها فيها.

ويؤدي تراكم هذا المحلول إلى اضطراب البيئة البحرية، ما يؤدي إلى انتشار الطحالب السامة، والتي تهدد بدورها بتعطيل عمليات تحلية المياه مستقبلا، ما يعني الدخول في حلقة مفرغة.

كما أن تسرب النفط وإلقاء النفايات يمثلان أكبر أسباب التلوث البحري في دول المنطقة، التي بلغت في بعض مدنها ما يهدد قابلية الحياة البشرية، مثل ضاحية "أم الهيمان" بمحافظة الأحمدي الكويتية. 

حيث أقرت محكمة التمييز بالبلاد، في يوليو/تموز الماضي، بعدم صلاحيتها للسكن، على الرغم من مزاعم الحكومة بخلاف ذلك، بسبب التلوث الناجم عن مخلفات صناعة الطاقة.

وبالإضافة إلى آثاره البيئية، يشكل التلوث البحري تهديدًا اقتصاديًا واضحًا للمنطقة، فهو لا يضر فقط بمصايد الأسماك والسياحة، ولكن أيضًا بالمشاريع الإستراتيجية للبلدان في مجال الخدمات اللوجستية الدولية وإنتاج الطاقة المتجددة.

ووفقًا لدراسة أجرتها هيئة أبوظبي للبيئة عام 2019 ، فقد اختفى بالفعل ما يصل إلى 85% من مخزون الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعًا من الأسماك بدول مجلس التعاون الخليجي، بسبب التلوث والصيد الجائر.

كما أصبحت الأعاصير والفيضانات، التي غالبًا ما تسببها موجات احترار المناخ، أكثر شيوعًا في دول المنطقة، خاصة في عمان التي تسبب إعصار شاهين في أضرار جسيمة بها، إضافة إلى مقتل  14 مواطنا.

وعانت عمان قبل ذلك من إعصار جونو (عام 2007)، وهو أعنف إعصار مداري يضرب شبه الجزيرة العربية على الإطلاق، وأدى إلى مقتل 70 عمانيًا وكلف مسقط أكثر من مليار دولار في إصلاح المباني والبنية التحتية.

وفي عام 2022 وحده، أدت موجات الحر الشديدة إلى فيضانات في العديد من دول المنطقة، وضربت الإمارات وقطر وإيران بشكل خاص.

ومع ذلك، تؤكد "بيانكو" أن الجهود المبذولة من معظم دول المنطقة في السنوات الأخيرة لا زالت محدودة، واستثنت من ذلك دولة الإمارات التي أطلقت مؤخرًا الاستراتيجية الوطنية لجودة الهواء (2021-2031).

لكن مواجهة آثار التلوث تتطلب استجابة "جماعية" من دول المنطقة، ومبادرات لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وإزالة الكربون من صناعات الطاقة والنقل وهو ما يمكن لأوروبا رعايته، بحسب "بيانكو"

وتطرح الباحثة، في هذا السياق، إمكانية تولي السعودية مبادرة لضم إيران إلى مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، التي تعهدت من خلالها المملكة بسلسلة من الالتزامات للإجراءات الخاصة بمكافحة احترار المناخ في المنطقة، بما في ذلك التعهد بزرع 50 مليار شجرة.

ومن شأن ذلك أن يساعد على تقليل مستويات تلوث الهواء الشديدة في مدن إيرانية مثل طهران والأهواز، وخوزستان، لكن إيران لا تزال خارج إطار مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، وترى "بيانكو" أن "هناك فرصة لتغيير ذلك".

وتشير الباحثة إلى أن رعاية توافق خليجي إيراني حول قضايا البيئة من شأنه تحقيق مصالح بروكسل، فما يعتقده الأوروبيون، هو أن العداء بين إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي غالبا ما يهدد البنية التحتية الحيوية للطاقة واللوجستيات، وحرية الملاحة، والأمن البحري، وبالتالي يأتي بنتائج عكسية لجميع المعنيين.

ويتمتع الأوروبيون بمصالح اقتصادية كبيرة في المنطقة، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، ففي عام 2020، كان الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للواردات في دول المجلس، حيث بلغ إجمالي تجارتها في السلع 97.1 مليار يورو.

وفي عام 2018 (قبل جائحة كورونا) ، بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر للاتحاد الأوروبي في دول مجلس التعاون الخليجي 76.9 مليار يورو.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن حصة كبيرة من التجارة بين أوروبا وآسيا تنتقل عبر مياه وموانئ الخليج، ومنذ أن بدأت الدول الأوروبية في تنويع إمدادات الطاقة بعيدًا عن روسيا، زادت القيمة الإستراتيجية لعلاقاتها التجارية مع دول الخليج بشكل كبير.

وهنا تشير "بيانكو" إلى أن تجربة السنوات الماضية، جعلت الأوروبيين يدركون بشكل مؤلم كيف يمكن للتوترات الجيوسياسية الإقليمية في العراق أن تخلق أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية التي تستهدفهم.

ولذا يعتقد صانعو السياسة الأوروبيون عمومًا، أن الاستقرار في كل من العراق وإيران أمر حاسم للحد من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا من دول الشرق الأوسط، ويعملون على تحسين أوراق اعتماد اتحادهم كـ "قوة عظمى في مواجهة واحدة من أخطر صدمات الطاقة في تاريخهم".

ورغم ذلك، ترى "بيانكو" ان أوروبا يجب أن تكون حريصة على ضمان أخذ دول الشرق الأوسط زمام المبادرة في مبادرة التعاون البيئي، "لأن النخب الحاكمة في إيران، خاصة أعضاء الحرس الثوري، يرون المخاوف البيئية كقضايا أمنية، ويعتقدون أن إسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان نقاط ضعف بلادهم لإضعاف النظام".

وأشارت إلى أن قوات الأمن الإيرانية اعتقلت العديد من دعاة حماية البيئة بتهمة التعاون مع قوى خارجية معادية، كما واجهت الأمم المتحدة صعوبة في إنشاء مشاريع بيئية في إيران، خاصة تلك التي تشارك فيها الولايات المتحدة.

وخلصت "بيانكو" إلى أن معطيات المنطقة تفرض على الأوروبيين "أن يجعلوا العراق نقطة محورية للتعاون الإقليمي في مجال البيئة"، إذ يعد منطقة نفوذ لكل من إيران ودول الخليج، ويواجه نفس المعاناة البيئية، مشيرة إلى أن "لجميع الجيران مصلحة في الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، اللذين يتعرضان بشكل متزايد للتهديد".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

دول الخليج إيران العراق المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية سينزيا بيانكو

قائد البحرية الأمريكية: إيران التهديد الأكبر على أمن الملاحة بالخليج