استراتيجية معقدة.. البعد العسكري لاحتجاجات إيران

الثلاثاء 25 أكتوبر 2022 03:10 م

أثارت وفاة الشابة الإيرانية "مهسا أميني" بعد اعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق" احتجاجات على مستوى البلاد، فيما استخدمت قوات الأمن الإيرانية العنف لقمع المظاهرات السلمية؛ مما أسفر عن مقتل المئات واعتقال الآلاف. وفي الوقت نفسه، كان هناك تطوران عسكريان جذبا الانتباه.

فقد أعلن الحرس الثوري عن سلسلة من الضربات العسكرية ضد الجماعات الكردية المسلحة في 42 موقعًا بإقليم كردستان العراق. وبدأت الضربات في 24 سبتمبر/أيلول، وادعى قائد القوات البرية في الحرس الثوري العميد "محمد باكبور"، أن 73 صاروخًا باليستيا وعشرات الطائرات المسيرة استخدمت لضرب مراكز القيادة الرئيسية وملاجئ الجماعات المسلحة في أربيل والسليمانية.

وبعد أسبوع واحد فقط، بدأت القوات البرية في الحرس الثوري تدريبات لمدة 3 أيام في منطقة كبيرة تغطي مقاطعتين شماليتين غربيتين على حدود أرمينيا وأذربيجان.

وتنفذ طهران ضربات ضد الجماعات الكردية بشكل منتظم، كما أنها أجرت سابقا تدريبات مع تصاعد توترات ناجورنو كاراباخ، ومع ذلك جاءت التدريبات الأخيرة خلال فترة هدوء وحوار سياسي بين أرمينيا أذربيجان، وبالتالي فإن التوقيت يثير تساؤلات بشأن الأساس المنطقي لهذه التطورات العسكرية.

ويبدو أن الأنشطة العسكرية الإيرانية مرتبطة أكثر بالاضطرابات المحلية الواسعة، حيث تسعى الجمهورية الإسلامية إلى استعادة الردع وإظهار القوة خوفًا من تلاقي التهديدات الداخلية والخارجية خاصة مع تنامي التصورات بشأن ضعف النظام وسط الاضطرابات المحلية. كما أن هذه الأنشطة العسكرية تخدم الاستراتيجية القمعية عبر تسليط الضوء على التهديدات الخارجية.

تجلي لعقيدة إيران العسكرية

منذ أوائل عام 2000 على الأقل، حددت العقيدة العسكرية الإيرانية أحد سيناريوهات الحرب المستقبلية على أنها حرب هجينة قد تتزامن فيها الاحتجاجات الوطنية الواسعة مع هجوم عسكري خارجي.

وهناك شعور قوي بين النخب العسكرية بأن الأعداء (مثل إسرائيل والولايات المتحدة) قد يرون فرصة لشن ضربة على المنشآت النووية الإيرانية والمنشآت العسكرية الحرجة وسط أزمة محلية. وعلى هذا النحو، يشعر القادة العسكريون الإيرانيون بالقلق من أن الاضطرابات المحلية قد تكون فرصة لضرب إيران.

وتنبع مخاوف الحرب وسط فترات عدم الاستقرار الداخلي من هجوم "صدام حسين" عام 1980 على إيران. وقال الاستراتيجي العسكري الإيراني الجنرال "محمد دوروديان"، الذي كان مسؤولاً ذات يوم عن صياغة عقيدة إيران العسكرية: "لقد تأثر قرار الديكتاتور العراقي بتقييماته عن حجم عدم الاستقرار الداخلي وضعف الدولة بعد الثورة الإسلامية".

وعبّر "دوروديان" عن اعتقاد مشترك لدى الجيش الإيراني، قائلًا: "كان صدام غير راضٍ عن معاهدة الجزائر عام 1975، ومع ضوء أخضر من القوى الخارجية رأى أن هذا كان الوقت المناسب للخيار العسكري". وفي الواقع، يخشى القادة العسكريون الإيرانيون خطر انتهازية عسكرية مماثلة في الظروف الحالية.

ووفقًا لهذا الرأي، قد يفترض أعداء إيران أن أزمة محلية كبرى يمكن أن تؤدي إلى انشقاقات بين القوات المسلحة وتؤثر سلبًا على استعداد القوات الإيرانية للمواجهة. ويرى أولئك الذين يروجون لهذه الحجة أن سوء التقدير بشأن قوة إيران يمكن أن يتزايد، مما يزيد من مخاطر المواجهة العسكرية وسط أزمة داخلية.

ووفق هذا المنطق، تشير العملية العسكرية خارج الحدود الإيرانية والتدريبات العسكرية في منطقة الحدود الشمالية الغربية، إلى جاهزية القوات المسلحة بالرغم من الاضطرابات في البلاد. ويعتبر الهدف الاستراتيجي هو منع سيناريو التزامن بين التهديد العسكري الخارجي والتهديدات المحلية، مما قد يكون مدمرًا للجمهورية الإسلامية.

لذلك تسعى القيادة الإيرانية إلى إقناع خصومها أن جهودها للسيطرة على الاضطرابات المحلية لا تؤثر سلبا على قدراتها العسكرية. ويمكن لنفس الخط من التفكير أن يفسر لماذا اختار المرشد الأعلى "علي خامنئي" الظهور في حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب جامعات القوات المسلحة إلى جانب كبار القادة العسكريين، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، بعد فترة من الغياب عن الاجتماعات العامة.

وتسعى وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري أيضًا إلى نشر صورة عن القوة العسكرية الإيرانية من خلال وصف الأنشطة الحديثة بأنها "اختبار لتكتيك جديد يدمج الصواريخ والطائرات بدون طيار".

جزء من استراتيجية القمع

في 30 سبتمبر/أيلول، أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية بيانًا مطولاً في 10 بنود بشأن الاحتجاجات، متحدثة عن "مؤامرة ضد الجمهورية الإسلامية"، وقال البيان إنه جرى اعتقال 77 عضوًا في الجماعات الانفصالية الكردية لتورطهم في قيادة الاحتجاجات وتغذية العنف في إيران. وهكذا، أصبحت العملية العسكرية في كردستان العراقية جزءًا مكملًا لاستراتيجية قمع النظام، بطريقتين على الأقل.

أولاً، تسعى السلطات للتلاعب بمشاعر الإيرانيين القومية عبر إثارة مخاوف من الانفصاليين، في محاولة لإحداث شرخ في الدعم العام للانتفاضة. وبالنسبة للمؤسسة الأمنية، فإن تهديد الانفصالية، أو شبح الحرب الأهلية، هو أداة لإقناع الطبقة الوسطى بالتخلي عن الاحتجاجات.

وأكد اثنان من الخبراء البارزين في القضايا العرقية والكردية في طهران، أن أجهزة المخابرات الإيرانية تسهل أنشطة مجموعات المعارضة بشكل خفي. ويبدو أن إعطاء هذه المجموعات مساحة للعمل يساعد الجمهورية الإسلامية على استغلال الخوف من الانفصالية كأداة لإدارة الرأي العام.

ثانياً، تستخدم السلطات الإيرانية تهديد الانفصالية كمبرر للقمع القاسي واستخدام القوة تحت مبرر الحفاظ على الأمن القومي، ويمكن للسلطات بناء أساس قانوني لأقصى قدر من القمع على أساس مسؤولية الدولة عن حماية سلامة أراضي إيران.

ويتمثل جزء أساسي من حملة التضليل الحكومية في إيصال رسالة إلى الجمهور بأن قوات الأمن تقاتل ضد العناصر الانفصالية الممولة من الخارج، والتي اختطفت الاحتجاجات. وبالتالي، فإن بناء أساس قانوني للقمع يساعد داخليًا على تعزيز شرعية النظام.

ماذا يحمل المستقبل؟

من غير المرجح أن تسعى طهران إلى إثارة تصعيد إقليمي لصرف النظر عن الأزمات المحلية. وتتبع استراتيجية إيران نموذجًا معقدًا للتكيف العقلاني مع بيئة التهديد المتطورة، وقد يكون من المضلل إجراء مقارنة تاريخية خطية مع تصعيد 2019 و2020، عندما قررت طهران رفع مستوى التهديد تجاه الجهات الفاعلة الإقليمية رداً على حملة "الضغط الأقصى" لإدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب".

أما الآن، فيبدو أن أولوية طهران القصوى هي منع التزامن المحتمل بين التهديدات الداخلية والخارجية. وعلى عكس الادعاءات بأن إيران قد تقرر شن ضربة عسكرية ضد المصالح السعودية والضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية في النقاط الساخنة مثل اليمن، فمن المحتمل أن تظل طهران تركز على تعزيز وضعية الردع ومتابعة أقصى قدر من القمع داخل إيران.

وتشمل الخيارات المحتملة استئناف العمليات العسكرية داخل العراق (مع ثقة طهران بأن حكومة العراق أو حكومة كردستان الإقليمية لن ترد بأي طريقة تؤدي إلى التصعيد)، وبالفعل، هدد رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء "حسين باقري" السلطات في كردستان من استئناف العمليات إذا لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من أنشطة الجماعات الانفصالية.

وهناك خيارات أخرى مثل الخطاب المتشدد للقادة العسكريين حول تكلفة التدخل الأجنبي، مثل تحذير القائد العام للحرس الثوري اللواء "حسين سلامي" فيما يتعلق بتدخل السعودية في الشؤون الإيرانية من خلال وسائل الإعلام، وقد تكون التدريبات العسكرية الجديدة مطروحة أيضًا.

ونظرًا لأن الخوف الوجودي للقيادة الإيرانية يرتفع في مواجهة الاضطرابات المستمرة، فقد لا يكون رد فعلها قابلًا للتوقع فيما يتعلق بالتطورات العسكرية الإقليمية مثل التعزيزات الجديدة في القواعد الأمريكية بالمنطقة أو المحادثات الدولية حول الخيارات العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني.

المصدر | عبدالرسول ديفاسالار/ معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران مهسا أميني احتجاجات إيران العقيدة العسكرية الإيرانية الحرس الثوري البرنامج النووي الإيراني كردستان العراق

جيوبوليتكال: النظام الإيراني مأزوم بسبب الاحتجاجات لكن لن يسقط

ما هو الخط الأحمر الأمريكي بشأن احتجاجات إيران؟