قرض صندوق النقد الجديد.. هل يضع مصر تحت وصاية دولية وإقليمية؟

السبت 29 أكتوبر 2022 07:15 ص

بعد إعلان مصر، الخميس، إتمام التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل عاجل تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، ضمن حزمة مساعدات تمويلية، أشعلت فقرة في بيان الصندوق الذي أعلن عن الحزمة التمويلية التحليلات الغاضبة، حيث اعتبرها معارضون أنها تعني بوضوح أن الصندوق وضع مصر تحت وصاية إقليمية ودولية، فيما قال آخرون إن الفقرة أسيء فهمها وأنه تم اقتطاعها من سياقها.

ماذا حدث بالتحديد؟

استيقظ المصريون، صباح الخميس، على أنباء مؤلمة بإعلان البنك المركزي، رسميا، تبني سياسة سعر الصرف المرن للجنيه، أو ما يعرف بـ"التعويم الكامل"، وهو ما يعني التخلي عن دعم عملة البلاد وتركها أمام تفاصيل العرض والطلب، ما ترتب عليه تهاوي سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

وخلال ساعات قليلة، وصل سعر الدولار مقابل الجنيه إلى 23.15 بحلول عصر الخميس، بعد أن كان لا يتجاوز 19.60، حتى مساء الأربعاء، ما يعني أن سعر الجنيه المصري فقد أمام الدولار الأمريكي نحو 15% من قيمته.

بالتزامن، أعلنت مصر عن التوصل إلى اتفاق  على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة تمويلية تهدف إلى دعم اقتصادها لمواجهة التحديات التي نتجت عن الأزمة الروسية الأوكرانية والتضخم.

وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر "إيفانا هولر"، الخميس، إن قيمة البرنامج التمويلي تبلغ 3 مليارات دولار، لمدة 6 أشهر.

من جانبه قال رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي"، في مؤتمر صحفي، إن إجمالي قيمة التمويل الذي ستحصل عليه مصر يبلغ 9 مليارات دولار.

ولفت إلى أن هذا المبلغ يشمل 3 مليارات دولار من صندوق النقد، ومليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة التابع لصندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى 5 مليارات من دول شريكة ومؤسسات دولية أخرى.

الفقرة الغامضة

بيان صندوق النقد الذي أعلن بدوره عن إقرار القرض على مستوى الخبراء للقاهرة، حوى فقرة أثارت تساءلات وقلق.

والنص الكامل بالإنجليزية للفقرة جاء على النحو التالي:

Egypt’s international and regional partners will play a critical role in facilitating the implementation of the authorities’ policies and reforms. Additional financing of about $5 billion is expected from multilateral and regional partners for FY2022/23, which will help strengthen Egypt’s external position

أما عن ترجمته فهي: "سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دورًا حاسمًا في تسهيل تنفيذ سياسات وإصلاحات السلطات، حيث من المتوقع تمويل إضافي بحوالي 5 مليارات دولار من شركاء متعددي الأطراف وإقليميين للعام المالي 2022/23، ما سيساعد على تعزيز موقف مصر الخارجي".

وصاية دولية وإقليمية

اعتبر معارضون أن تلك الفقرة تشير بوضوح إلى نوع من الوصاية الدولية والإقليمية على مصر، لاسيما أن الفقرة تحدثت عن "دور حاسم" لـ"شركاء مصر الإقليميين والدوليين" في تسهيل تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي المطلوبة من السلطات والتي كانت شرطا لإتمام الاتفاق، وهي الصياغة التي اعتبرت دالة على تطور جديد ينتقص بشكل فادح من السيادة المصرية.

السياسي المصري المعارض عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقا "أسامة رشدي" اعتبر، عبر تغريدة على حسابه بـ"تويتر" أن "مصر وضعت تحت وصاية الأنظمة الإقليمية والشركاء الدوليين للتأكد من تنفيذها ما أمروها به"، قائلا إن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أهان مصر بسياساته الاقتصادية ومنهحه الإقصائي الذي تسببت في هذا التدخل بالسيادة الوطنية.

وبلهجة ساخرة، قال اليوتيوبر المصري "أحمد بحيري" إن "السيسي" بدلا من أن يدفع المصريون للهجرة إلى أوروبا أتى بـ"المستعمر الأوروبي" إلى البلاد، معتبرا أن صندوق النقد وافق على القرض "بشرط وجود وصاية إقليمية ودولية على مصر لضمان سداد هذا القرض".

أما الأكاديمي رجل الأعمال المصري المقيم في الولايات المتحدة "محمود وهبة" فقال بوضوح إن هذه الفقرة في بيان الصندوق لا تعنى سوى أنه "تم تسليم مصر لجيرانها ووضعها تحت الحماية"، متسائلا عن هوية "الشركاء الإقليميين"، ملمحا إلى دخول دولة الاحتلال الإسرائيلي ضمن هؤلاء الشركاء، بالإضافة إلى دول الخليج التي تمتلك حصصا كبيرة بصندوق النقد، على حد قوله.

بدوره، اعتبر المدير العام بالجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي)، "أشرف شعبان"  أن "التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة لأن الحمقي لم يفهموه جيداً"، مذكرا بما حدث لمصر إبان أزمة الديون الضخمة في عهد الخديو "إسماعيل" عام 1876، حيث أصدر الخديو مرسوما بإنشاء "صندوق الدين"، وهي لجنة دولية تأسست للاشراف على سداد الحكومة المصرية ديونها للحكومات الأوروبية وفقدت مصر استقلالها وإرادتها السياسية بتدخلهم في أدق شؤونها وإدارتهم اقتصاد وموارد الدولة المصرية نهاية بالاحتلال البريطاني المباشر.

وأشار إلى أن موافقة مصر على هذا البند هو دليل واضح على أن الأزمة الاقتصادية في البلاد وصلت إلى مرحلة مخيفة، مع تفاقم نقص الموارد وتصاعد الدين، نتيجة للسياسات الخاطئة، كما يقول.

وجهة نظر أخرى

على الجهة المقابلة، اعتبر آخرون أن هذه الفقرة في بيان صندوق النقد لا تعني وجود وصاية إقليمية ودولية، في حال ما تم قراءتها كاملة.

وقال الكاتب والصحفي "علاء بيومي" إن الدور الذي تحدث عنه البيان للشركاء الدوليين والإقليميين مقصود به مشاركتهم في الحزمة التمويلية التي أقرها الصندوق للقاهرة، وهو الأمر الذي تفسره بقية الفقرة المثيرة للجدل، وهي: "من المتوقع تمويل إضافي بحوالي 5 مليارات دولار من شركاء متعددي الأطراف وإقليميين للعام المالي 2022/23، ما سيساعد على تعزيز موقف مصر الخارجي".

وأشار "بيومي" إلى أن الصندوق يتحدث عن حزمة تمويلية تحت مظلته لكنه لن يدفعها بالكامل، حيث ستشارك بها دول إقليمية (دول الخليج) وشركاء دوليون، وبالتالي جاءت تلك الفقرة لتشير إلى أن التمويلات القادمة من هؤلاء الشركاء ستساعد مصر على تحقيق أهداف قرض صندوق النقد من تنفيذ "الإصلاحات الاقتصادية".

وأوضح أن تأخر إقرار القرض من الصندوق هذه المرة (بدأ التفاوض عليه منذ مارس/آذار الماضي) كان من أبرز الصعوبات التي واجهت الحكومة، قياسا إلى أن إقرار هذا القرض يعد شهادة دولية تهم المستثمرين الذين يريدون دخول السوق المصرية مجددا.

قرض 2016

يذكر أن بيان صندوق النقد الدولي الذي أعلن عنه لمصر عام 2016، بقيمة 12 مليار دولار، لم يذكر هذه الفقرة المتعلقة بلعب شركاء دوليين وإقليميين دورا حاسما في تسهيل تنفيذ سياسات وإصلاحات السلطات، لكنه اكتفى بالتأكيد على التزام القاهرة بتنفيذ اشتراطاته مثل تحرير سعر صرف العملة الوطنية وإلغاء الدعم وخفض الإنفاقات غير الضرورية، وذلك رغم أن هؤلاء الشركاء الإقليميين (تحديدا دول الخليج) منحت مصر، آنذاك، حزمة منح وودائع ومساعدات بمليارات الدولارات أيضا.

قد يكون تفسير ما سبق هو أن حزمة المساعدات والمنح الخليجية، آنذاك، كانت منفصلة عن اتفاق صندوق النقد مع مصر، وهو ما يحدث عكسه حاليا، حيث يبدو أن اتفاقا ضمنيا بين الصندوق والمانحين الإقليميين للقاهرة جرى على تضمين المساعدات المالية الخليجية المقبلة تحت مظلة الصندوق، ما يعني أن مساعدات الخليج لم تعد بمثابة "شيك على بياض" للرئيس المصري كما حدث سابقا، لكنها ستكون مرتبطة بشروط الصندوق السالف ذكرها.

ومن المعروف أن المانحين الخليجيين لمصر بدأوا في تنفيذ سياسة جديدة منذ عدة أشهر تقوم على وقف المساعدات والمنح المباشرة والتركيز أكثر على شراء حصص في شركات وأصول استراتيجية مصرية مقابل تلك المساعدات، وهو ما يمكن أن يتكامل مع قرار تضمين مساعداتهم المستقبلية تحت مظلة صندوق النقد.

قد تكون النقطة الأهم هنا هو الإجابة على سؤال: هل ستشارك الدول المانحة (الشركاء الإقليميون والدوليون) في ممارسة الرقابة التي يقوم بها صندوق النقد لمتابعة تنفيذ اشتراطاته التي تم بموجبها الموافقة على القرض لمصر؟.. قد تحمل الفترة المقبلة الإجابة بوضوح.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صندوق النقد الدولي الاقتصاد المصري تعويم الجنيه وصاية دولية على مصر

مصر تعلن التوصل لاتفاق مع صندوق النقد على برنامجها

رغم انهيار الجنيه.. مسؤول بصندوق النقد يشيد بقرار رفع الفائدة في مصر

بعد صندوق النقد.. قرض صيني لمصر بـ 1.2 مليار دولار

مصر تأمل الحصول على دفعة أولى من قرض صندوق النقد قبل نهاية 2022

القاهرة متفائلة.. صندوق النقد يبحث الموافقة على قرض مصر في 16 ديسمبر