الإمارات وماليزيا.. علاقات متصاعدة رغم فضيحة الفساد الكبرى

الاثنين 5 ديسمبر 2022 08:07 ص

علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية تتطور يوما بعد آخر بين الإمارات، التي تسعى لزيادة نفوذها في آسيا، وماليزيا، رغم تعاقب الحكومات في الأخيرة والخلاف العميق بين البلدين حول التطبيع مع إسرائيل، وفضيحة الفساد الكبرى التي وُصفت بأنها "أكبر سرقة في العالم".

وترتبط الإمارات بعلاقات طويلة مع ماليزيا؛ حيث شهدت تطورا سريعا بعد افتتاح سفارة ماليزيا في أبوظبي عام 1983، وسفارة الإمارات في كوالالمبور عام 1995.

ووقّع البلدان عددا من الاتفاقيات بمجال التجارة وتشجيع الاستثمار في البلدين، إضافة إلى مذكرات التفاهم في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والسياحة.

وشهدت السنوات الأخيرة عديدا من الزيارات الرسمية المتبادلة على مستوى كبار المسؤولين، أهمها: زيارة رئيس الإمارات "محمد بن زايد" لماليزيا عندما كان وليا لعهد أبوظبي في يوليو/تموز 2019؛ حيث حضر مراسم تنصيب ملك البلاد "عبدالله أحمد شاه".

ولاحقا زار ملك ماليزيا أبوظبي، في مارس/آذار 2021، وبحث مع "بن زايد" العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها.

وتشير أحدث التقديرات إلى أن التجارة الثنائية بين ماليزيا والإمارات ستصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار بحلول نهاية العام الجاري، وهي زيادة ملحوظة من 5.4 مليارات دولار العام الماضي و4.93 مليارات دولار في 2020.

وفي عام 2021، كانت الإمارات أكبر شريك تجاري لماليزيا، وثاني أكبر وجهة تصدير، وثاني أكبر مصدر استيراد بين دول غرب آسيا.

ووفق سفير الإمارات لدى ماليزيا "خالد غانم الغيث"، فإن من بين القطاعات التي ساهمت بشكل كبير في زيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين البتروكيماويات والمجوهرات والآلات والأجهزة الكهربائية.

وتمتلك ماليزيا رابع أقوى اقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا، وهو أكثر اقتصادات المنطقة تنوعا، وتتصدر الطاقة والزراعة والتعدين والصناعة قائمة القطاعات التي تحظى فيها ماليزيا بمكانة مهمة.

وفي 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، شهدت ماليزيا ولادة حكومة جديدة برئاسة "أنور إبراهيم"، الذي أدى القسم الدستوري أمام الملك بالقصر الملكي، وهو التعيين الذي تبعه "بن زايد" بإرسال برقية تهنئة لـ"إبراهيم" بمنصبه الجديد.

وحسب "الغيث"، فإن الإمارات تتطلع إلى تعزيز العلاقات الثنائية القوية مع ماليزيا تحت إدارة "أنور إبراهيم".

وقبل ذلك بأسابيع، وتحديدا في نهاية سبتمبر/أيلول 2022، زار رئيس الوزراء الماليزي حينها "إسماعيل صبري يعقوب" (أغسطس/آب 2021 – نوفمبر/تشرين الثاني 2022) الإمارات، في مهمة عمل استمرت 4 أيام؛ حيث بحث مع "بن زايد" التعاون في مجالات عدة بينها الطاقة المتجددة والأمن الغذائي.

وحينها أكد "يعقوب" حرص بلاده على التعاون مع الإمارات في المجالات كافة الاقتصادية والاستثمارية وغيرها من المجالات الحيوية.

ووفقا لصحيفة "ماليزيا ميل"، شهدت الزيارة اتفاقا على التعاون بين شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وشركة "بتروناس" الماليزية في مجال النفط والغاز والطاقة المتجددة.

كما شهد "صبري" توقيع مذكرة تفاهم بين شركة "رانهيل" للمرافق وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر).

وجاءت زيارة رئيس الحكومة الماليزية حينها بعد أسبوع من زيارة أجراها وزير دفاع بلاده "هشام الدين حسين" للإمارات، والتقى خلالها الرئيس الإماراتي، فضلا عن وزير الدولة لشؤون الدفاع "محمد البواردي"، وبحث معهما تعزيز التعاون في مجالات الدفاع.

العلاقة الإماراتية مع رئيس وزراء ماليزيا السابق له "محيي الدين إسماعيل" (مارس/آذار 2020 –أغسطس/آب 2021)، لم تحتلف كثيرا، فقد استقبله نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، في مارس/آذار 2021، وبحث معه سبل التعاون على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري.

وفي عهد رئيس الوزراء "مهاتير محمد" (مايو/أيار 2018- فبراير/شباط 2020)، جاءت زيارة "بن زايد" إلى كوالالمبور؛ حيث بحثا تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وفرص تنميتها، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لكن أكثر العلاقات توثيقا بين الإمارات وماليزيا، كانت في عهد رئيس الوزراء الأسبق "نجيب عبدالرازق (أبريل/نيسان 2009- مايو/أيار 2018)، وهي العلاقة التي تكللت بتوقيع اتفاق في 2013 تتولى بموجبه أبوظبي بناء منشأة لتخزين النفط في ولاية جوهر الماليزية، بتكلفة تقدر بنحو 6.75 مليارات دولار.

وفي العام نفسه، وقعت شركة "آبار" للاستثمار المملوكة لحكومة أبوظبي، وشركة "وان ماليزيا دفلوبمنت" المملوكة للحكومة على شراكة استراتيجية بـ5.8 مليارات دولار للاستثمار في ماليزيا.

يقول الباحث والمحلل السياسي "حبيب الهادي" إن تغيير الحكومات في ماليزيا، لن يغير في النمو والتعاون والتطور مع الإمارات، في مجالات متعددة، مضيفا: "مع رئيس الوزراء الماليزي الجديد ستكون العلاقات كما هي؛ لكونها مبنية على قواعد متينة وقوية منذ البداية".

ويعتقد أن العلاقات بين الدول الصديقة "لا يمكن أن تتأثر بتغير رئيس الوزراء؛ نظرا إلى عمق هذه العلاقات وكونها قائمة على مصالح متبادلة وروابط دينية وسياسية واجتماعية".

وأوضح "الهادي" أن السياسة الخارجية لماليزيا تجاه دول الخليج مستقرة وغير متغيرة؛ حيث تحرص كوالالمبور على تقوية العلاقات معها.

وأشار إلى أن ماليزيا تربطها علاقات سياسية واقتصادية مهمة مع دول الخليج ومن بينها الإمارات؛ لذلك فإن كل التوقعات تشير إلى توجه هذه العلاقات نحو النمو، خاصة في ظل ما يمر به العالم من متغيرات سياسية واقتصادية تحتاج إلى تحالف بين الدول الصديقة.

وعلى الرغم من هذه العلاقات المتصاعدة، إلا أن قضية التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، باتت قضية خلافية كبرى بين البلدين؛ حيث رفضت ماليزيا برلمانا وشعبا توقيع أبوظبي على "اتفاقية إبراهام" لتطبيع العلاقات مع تل أبيب.

وفي نهاية 2020 ومع توقيع اتفاقية التطبيع، خرجت مظاهرات وإدانات مباشرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني في ماليزيا، واعتبرتها عشرات البيانات الصادرة عن هذه المنظمات منفردة ومجتمعة "خيانة للقضية الفلسطينية، وتهديدا للأمن والسلام في المنطقة والعالم".

وبينما حاول الموقف الرسمي الماليزي حمل العصا من الوسط بالإشارة إلى حق الإمارات السيادي بالاعتراف بإسرائيل، حذر رئيس الوزراء السابق "مهاتير محمد" من أن يؤدي اتفاق التطبيع إلى مزيد من التفرقة في العالم الإسلامي، وصب الزيت على النار الملتهبة في الشرق الأوسط.

لكن القضية الأبرز بين الإمارات وماليزيا تعود إلى "فضيحة فساد وسرقة"، ظهرت للعلن في يناير/كانون الثاني 2017، حين كشفت وثائق محاكمات وتحقيقات أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية دورا لسفير الإمارات لدى الولايات المتحدة "يوسف العتيبة" في هذه الفضيحة من خلال شركات مرتبطة به، تلقت ملايين الدولارات من شركات خارجية قال المحققون في الولايات المتحدة وسنغافورة إن أموالها اختلست من صندوق تنمية ماليزيا (الصندوق السيادي) المعروف اختصارا بـ"وان أم دي بي".

وبدأت فصول الفضيحة في الظهور مع بروز مشاكل ديون واجهها صندوق "وان أم دي بي" أوائل عام 2015، ووصفها المحققون بأنها "واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ".

ففي أبريل/نيسان 2016، كشف مكتب المدعي العام السويسري أن سلطات البلاد وسعت تحقيقا جنائيا بشأن صندوق "وان أم دي بي" الحكومي، ليشمل اثنين من المسؤولين السابقين في صناديق سيادية في أبوظبي، بتهم النصب والاختلاس والفساد والتزوير.

ووصفت صحيفة "تايمز" البريطانية فضيحة الفساد المالي لهذا الصندوق، بأنها "أكبر فضيحة فساد في العالم"، وأشارت إلى أن التحقيقات حول هذا الفساد تجري في 3 قارات.

وفي 2016، نشرت هيئة مكافحة الفساد في ماليزيا تسجيلا لمكالمتين هاتفيتين بين رئيس الوزراء السابق "عبدالرزاق" و"بن زايد" بشأن عملية تبييض أموال بالولايات المتحدة خاصة بـ"وان أم دي بي".

المكالمتان أجريتا يوم 22 يوليو/تموز 2016، ومن خلالهما طلب "عبدالرزاق" من "بن زايد" تحويل أموال لصالح "رضا عزيز" ابن زوجة الأول والمقيم في نيويورك؛ وذلك لحمايته من ملاحقة قضائية في الولايات المتحدة بتهم غسل أموال تتعلق بالصندوق السيادي وشركة إنتاج أفلام سينمائية في هوليود.

ويُظهر التسجيل بالمكالمة الثانية أن "بن زايد" وافق على تمويل صوري للأفلام التي ينتجها "رضا عزيز"، وذلك من خلال تحويلات مباشرة منه أو من خلال شركة الأبرار التي يرأسها "منصور بن زايد" شقيق "بن زايد".

ويعتقد المحققون السويسريون أن أكثر من 4 مليارات دولار سرقت من عدد من الشركات الماليزية المملوكة للحكومة، وكانت مخصصة لتمويل مشاريع تنمية اقتصادية واجتماعية في ماليزيا.

وحصلت هذه الشركات على ضمانة من أحد الصناديق السيادية في أبوظبي لدفع السندات.

وورد اسم رئيس الحكومة "نجيب عبدالرزاق" في الفضيحة، لكنه رفض مزاعم بتربحه من أموال الصندوق، بعد إيداع أفراد من العائلة المالكة السعودية نحو 681 مليون دولار في حسابه المصرفي الخاص.

وفي 2020، بدأت الحكومة الماليزية حينها الدخول في مباحثات مباشرة مع حكومة أبوظبي لتسوية الخلاف بشأن فضيحة الفساد، وذلك من إقرار المدعي العام الماليزي "عيدروس هارون" بفتح قناة تفاوضية خارج إطار القضاء مع الاستمرار في القضية التي تنظر فيها محكمة بريطانية.

كما لا يزال المطلوب الأول في قضايا الفساد بماليزيا "لو تيك جو" في الإمارات، بعدما حصل على لجوء سياسي هناك، باعتباره أحد الأصدقاء المقربين من "العتيبة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات ماليزيا بن زايد أنور إراهيم قضية فساد الصندوق الماليزي

أدنوك الإماراتية وبتروناس الماليزية توقعان اتفاقية تاريخية للموارد النفطية

ماليزيا.. مقتل 21 في انهيار أرضي بينهم أطفال

البرلمان الماليزي يزيل الشكوك ويمنح الثقة لرئيس الوزراء

ماليزيا والإمارات تعتزمان إطلاق مفاوضات للتوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية