جيوبوليتكال: تحد رئيسي أمام خطط أردوغان لتركيا الكبرى

الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 04:00 ص

يعد السعي إلى إنشاء دولة تركية أكبر فكرة قديمة، فقد تم الترويج لها للمرة الأولى من قبل جمعية الاتحاد والترقي، التي تأسست سرا في إسطنبول عام 1889 وسعت إلى إنشاء كيان تركي اسمه طوران على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المتعثرة.

ويعتقد أتباع الفكر الطوراني أن منطقة طوران تشمل المناطق الواقعة بين الهضبة الإيرانية وبحر قزوين. ويرى بعض المدافعين عن القومية الطورانية أن العرق التركي يضم شعوبًا من غرب الصين إلى أوروبا الشرقية. إنهم ينظرون إلى السكان الأتراك اليوم على أنهم سكان تركيا والقوقاز وآسيا الوسطى والبلقان.

وتبنى القادة الأتراك لاحقا قضية إنشاء دولة تركية أكبر، وتولى حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه الأب المؤسس لتركيا "مصطفى كمال أتاتورك"، زمام المبادرة في دعم المشروع، فيما أصبح الرئيس "رجب طيب أردوغان" مؤيدًا رئيسيًا للفكرة بعد أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، لكن "أردوغان" ركز على إحياء القومية الطورانية ومزجها مع العثمانية الجديدة، وهو الأمر الذي تجاهله "أتاتورك".

وعلى مدى سنوات، سعى القادة الأتراك إلى إقامة تحالفات مع دول أخرى ذات أغلبية مسلمة لتوسيع نفوذ تركيا. وخلال الفترة التي قضاها رئيسا للوزراء من 1989 إلى 1993، سعى "تورغوت أوزال" لفتح فصل جديد من العلاقات التركية مع الدول العربية والإسلامية، بعد سنوات من العلاقات المتوترة في ظل حزب الشعب الجمهوري.

وفي عام 1997، أسس رئيس الوزراء "نجم الدين أربكان" منظمة "الدول الثماني الإسلامية النامية" التي تضم في عضويتها إندونيسيا وماليزيا وإيران ومصر وباكستان وبنجلاديش ونيجيريا. وعندما تولى حزب "العدالة والتنمية" السلطة، أطلق وزير الخارجية سياسة "صفر مشاكل" مع الجيران والتي تهدف إلى تقليل التوترات مع دول الشرق الأوسط الأخرى.

وتعمل تركيا أيضًا على زيادة قوتها الناعمة في جنوب القوقاز، وكان أهم نجاح لها في أذربيجان التي استفادت من المساعدة التركية في حرب كاراباخ الثانية ضد أرمينيا في عام 2020. وفي عام 2017، أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في قطر وسط تقارير عن خطط لغزو البلاد.

وفي عام 2019، نشرت تركيا قوات في ليبيا وكسر تدخلها العسكري حصار طرابلس من قبل قوات الجنرال الليبي "خليفة حفتر". ووقّعت تركيا مؤخرًا اتفاقية تعاون عسكري مع حكومة الوحدة الليبية.

وبينما أصلحت تركيا علاقاتها مع السعودية والإمارات وأبدت استعدادها لحل خلافاتها مع مصر، صعدت نزاعها مع اليونان وقبرص حول منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط.

وفي عام 2016، نشرت وسائل الإعلام التركية الحكومية خريطة جديدة للبلاد وسعت حدودها المعترف بها دوليًا. وضمت الخريطة بعض الجزر اليونانية في بحر إيجه، وكذلك أراضي في شمال سوريا والعراق، تمتد من حلب إلى مدينتي الموصل وكركوك. وتزامن نشر الخريطة مع حديث "أردوغان" عن ضرورة تعديل اتفاقية لوزان لعام 1923 التي أرست حدود تركيا الحديثة. 

كما سعت أنقرة منذ فترة طويلة للدفاع عن الأقليات التركية التي تعيش في الخارج. لقد رفضت تركيا الاعتراف بقرار فرنسا تقسيم سوريا في 1920-1921 إلى 5 ولايات وأنشأت سنجق إسكندرونة المتمتع بالحكم الذاتي، والذي أعيد تسميته فيما بعد باسم هاطاي. وفي عام 1936، قدمت تركيا شكوى إلى عصبة الأمم بشأن سوء معاملة السكان الأتراك في هاطاي.

وقبل شهر واحد من وفاة "أتاتورك" في عام 1938، أعلن الفرنسيون إنشاء دولة هاطاي المؤقتة، التي تشارك في إدارتها فرنسا وتركيا. وفي عام 1939، ضمت تركيا الإقليم بعد استفتاء أظهر أن معظم السكان يفضلون الوحدة مع الجمهورية التركية.

ودافعت أنقرة عن العرق التركي في قبرص بعد اندلاع اشتباكات مع القبارصة اليونانيين في عام 1963. ونشرت تركيا قواتها الجوية وهددت بالغزو قبل أن يحذرها الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" من القيام بذلك. وفي عام 1974 استغلت تركيا انشغال واشنطن بفضيحة "ووترجيت"، وتحركت للسيطرة على 40% من الجزيرة. وأعلن الجزء الشمالي من قبرص في وقت لاحق استقلاله، وأسس الجمهورية التركية لشمال قبرص في عام 1983.

وفي الشهر الماضي، أدى انفجار في شارع الاستقلال في قلب إسطنبول إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة العشرات. وكشفت التحقيقيات تورط حزب العمال الكردستاني في الهجوم، وتعهد "أردوغان" بالانتقام عبر عملية تستهدف الميليشيا الكردية المتمركزة في شمال سوريا، خاصة كوباني التي استولى تنظيم "الدولة" عليها في عام 2014، قبل أن تستعيدها "وحدات حماية الشعب" (تعتبرها أنقرة الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني) في عام 2015 بمساعدة الولايات المتحدة.

وردا علي تفجير تقسيم، أطلقت أنقرة عملية محدودة شملت غارات جوية ضد مواقع كردية من حلب إلى أربيل. ويقول "أردوغان" إنه يعتزم إنشاء حزام أمني على الجانب السوري من الحدود، يبلغ عمقه 30 كيلومترًا وبطول 900 كيلومتر تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود العراقية. ومن المرتقب تنفيذ عملية عسكرية تركية ستكون الرابعة منذ عام 2016. في كل حملة سابقة، سيطرت تركيا على مناطق في شمال سوريا كجزء من هدف إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود.

ويقول "أردوغان" إن هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية الحدود التركية وإعادة توطين نحو 3.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا. لكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية لا توافق على خطة "أردوغان". كما يعارض شركاء عملية أستانا، أي روسيا وإيران، أي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا.

ومع ذلك، يحاول "أردوغان" الاستفادة من موقع بلاده المتصاعد كوسيط في حرب أوكرانيا للسيطرة على حصة أكبر من سوريا. وكانت أنقرة توصلت إلى اتفاقيات منفصلة مع واشنطن وموسكو لإخراج "قوات سوريا الديمقراطية" من تل رفعت ومنبج (مدينتان استراتيجيتان تقعان غرب الفرات) ومن مناطق أخرى على طول الحدود. وكانت الاتفاقات ستمنح تركيا السيطرة على الطريق الدولي السريع المعروف باسم  "إم4"، لكن الأمريكيين والروس تراجعوا عن الصفقات.

والآن، أصبح الروس والأمريكان بحاجة إلى تعاون "أردوغان" بشأن أوكرانيا. وأصبحت تركيا حلقة وصل رئيسية بين واشنطن وموسكو، خاصة بعد أن تفاوضت أنقرة على اتفاقية مع روسيا لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. ويأمل "أردوغان" أن يفتح هذا الباب لقبول العملية التي أطلقت عليها تركيا "المخلب-السيف".

وتتكون الخطة من جزأين: "المخلب" يشير إلى الضربات الجوية، و"السيف" يشير إلى الهجوم البري. ويبدو أن تركيا حصلت على موافقة ضمنية من روسيا والولايات المتحدة لبدء المرحلة الأولى من العملية. لكن من المشكوك فيه أن توافق الولايات المتحدة على المراحل الأخرى من العملية والتي تشمل هجوما بريا ضد "قوات سوريا الديمقراطية".

في غضون ذلك، ترى تركيا أن الانفصاليين الأكراد في كردستان العراق هم من يحددون التوجه السياسي لأكراد سوريا. وهناك أكثر من 20 قاعدة عسكرية تركية في شمال العراق، معظمها في بعشيقة بالقرب من الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد بغداد. كما تعمل تركيا على توسيع موقعها في منطقة متينا في محافظة دهوك (بالرغم من احتجاجات الحكومة العراقية) لتصبح النقطة المحورية لعملياتها ضد حزب العمال الكردستاني.

ولطالما أكد المسؤولون الأتراك أن بلادهم ستتصرف في العراق، كما فعلت في سوريا، لحماية مصالح تركيا وردع التهديدات الأمنية العابرة للحدود.

وفي عام 2020، قال "أردوغان" إن إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا في إسطنبول يذكّر الشعب التركي بقوته ويرمز إلى قيامتهم وكسر الأغلال التي كانت تحيط بهم، ووعد بمواصلة المسيرة حتى تصل تركيا إلى وجهتها. وقال أيضًا إنه بحلول عام 2023، عندما تحتفل البلاد بالذكرى المئوية لتأسيسها، ستكون تركيا قوية ومستقلة ومزدهرة.

لكن هذه الآمال تصطدم بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد التي أثرت على شعبية الرئيس التركي في وقت حساس قبل انتخابات مصيرية ستشهدها البلاد في يونيو/حزيران المقبل.

بالرغم أن الحرب في أوكرانيا زادت من أهمية تركيا بالنسبة لحلف"الناتو"، لن تتردد واشنطن في الصدام مع "أردوغان" إذا هدد حلفائها الإقليميين الآخرين، ويعد ذلك التحدي الرئيسي لخطط تركيا الكبرى.

المصدر | هلال خاشان | جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان شمال سوريا المخلب السيف قوات سوريا الديمقراطية وحدات حماية الشعب تركيا الكبرى

أردوغان: تركيا ستقتلع شوكتها بأيديها شمالي سوريا

تركيا تعيد خلط أوراق سياستها الإقليمية ما بعد الربيع العربي

مصدر تركي: هذه شروط تركيا للتراجع عن العملية العسكرية شمالي سوريا

9 إصابات في تفجير استهدف عناصر من الشرطة التركية

أردوغان: تركيا شامخة رغم الهجمات.. وهذا هو السبب

اتفاق تركي إيراني على أهمية وقف حرب غزة وتجنب خطوات التصعيد