منتخب المغرب.. نجاحات سياسية واجتماعية تتجاوز إنجاز رابع المونديال

الأحد 18 ديسمبر 2022 11:18 ص

أنهى المنتخب المغربي مغامرة هي الأطول لفريق عربي أفريقي في كأس العالم، بعدما حصل على المركز الرابع في البطولة التي تستضيفها قطر.

وعلى الرغم من أنه صار صاحب مجموعة من الأرقام التاريخية، إلا أن المكاسب السياسية والاجتماعية التي حققها هذا الجيل من المنتخب المغربي، قد تتفوق على مكاسبه الرياضية.

وخسر المغرب السبت، مباراته الأخيرة في المونديال أمام كرواتيا، بهدفين لهدف، ليحصل على المركز الرابع في البطولة.

تقول صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأمريكية، إن المغرب كان يمثل جميع الدول العربية في هذا المونديال، إضافة إلى قارة أفريقيا وأعراق أخرى كالأمازيغ، مما يجعل تمثيله في مونديال قطر تمثيلا استثنائيا، وقد زاد من استثنائيته الإنجازات التي حققها المنتخب المغربي في مشاركته.

وأصبح المغرب أكثر منتخب عربي تحقيقا للانتصارات في كأس العالم، بعد إضافة الفوز على بلجيكا وكندا والبرتغال إلى سجلاته، ليصل إلى الانتصار الخامس، متفوقا على منتخب السعودية الذي حقق في المجموع 4 انتصارات.

كما أصبح المغرب هو الأكثر تسجيلا للأهداف من بين كل منتخبات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أضاف إلى حصيلته 6 أهداف، وصل بها إلى الهدف العشرين.

كذلك بات المغرب أول منتخب أفريقي يصل إلى ربع نهائي المونديال، ثم الأول الذي يصل إلى نصف النهائي، لكنه أيضا صاحب أفضل إنجاز من خارج أوروبا والأمريكيتين، مناصفة مع كوريا الجنوبية، المنتخب الذي حصل على المركز الرابع في كأس العالم 2002.

وأصبح مدرب المنتخب المغربي "وليد الركراكي"، أكثر مدرب يشرك لاعبين في مباريات المونديال، باعتماده على 25 لاعبا من أصل 26 جرى استدعاؤهم، حيث لم يبتعد عن المشاركة سوى الحارس الثالث "أحمد رضا التاكناوتي".

  • نعم نستطيع

وبعيدا عن الرياضة، يُعطي النجاح المغربي إشارات متعددة وهامة تكسر أوهاماً خُلقت وزُرعت على مدى عقود لمجتمعات هذه المنطقة من العالم، سواء كان يعنيها هذا النجاح أم لا، أهمها على الإطلاق الإجابة على السؤال الذي لطالما اصطدم بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه المنطقة: "لم نحلم؟ وهل نستطيع؟" وتأتي الإجابة بسيطة اليوم: "نعم نستطيع".

حتى أن صحيفة "الشروق" التونسية كتبت في صدر أحد أعدادها: "بإنجازه التاريخي في المونديال.. أسود الأطلس تفك العقدة العربية والأفريقية".

كما كتب موقع "إنترلينيو" الإخباري الجزائري، أن ما حققه المغرب هو بمثابة إنجاز "تاريخي لكرة القدم الأفريقية.. المغرب هو أول بلد في القارة يتأهل لنصف نهائي كأس العالم".

وكتب الكاتب السوري الساخر "خضر الماغوط"، عن إنجاز المنتخب المغربي قائلا: "يجب طرد دولة المغرب من جامعة الدول العربية، لمخالفتها أصول الهزائم العربية المتوارثة والمتلاحقة في كل المجالات".

وأضاف: "الخوف أن تحصل على كأس العالم وتخرج من مسيرة الفشل العربي التاريخي".

وحسب الصحفي "يامن المغربي"، فقد كسر إنجاز "أسود الأطلس"، ما يعرف باسم "عقدة الخواجة"، وأنه لكي ننجح يجب أن يكون المسؤول أجنبياً، باعتباره أنه وحده القادر والعالم صاحب الاستطاعة للوصول بنا بعيداً في أحلامنا.

ويضيف: "يثبت مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي تفاهة هذه المقولة من خلال الوصول إلى نصف نهائي أكبر بطولة لكرة القدم في العالم، وهنا تكمن الإجابة عبر كسر هذه العقدة، وهذه الإجابة بدورها تنعكس على جميع المجالات بما فيها الفنية والسياسية والاقتصادية طالما وُضِع الشخص الصحيح في المكان الصحيح وتوفرت له الإمكانيات التي يحتاجها"

  • تضامن ر غم الخلاف

هذا النجاح الذ   ي حققه المغرب فجّر بدوره جدلاً أكبر يتصل بشكل مبا شر بالهوية والانتماء، وبقدر ما يبدو هذا الجدل فجّاً وعنصرياً أحياناً، ويأخذ أبعاداً إيديولوجية، إلا أنه في المقابل في غاية الأهمية. 

لأن التفاعل معه بين الشعوب و      المجتمعات في العالم العربي، على اعتبار أنها التسمية الرسمية للدول من المحيط إلى الخليج إلا في بعض الاستثناءات، يؤدي إلى تفاعل كبير بدأ من نهاية 2010 مع اندلاع الثورة التونسية ثم ثورات الربيع العربي التي أعادت تعاطفاً وشغفاً بين الش عوب وتفاعلاً غير مسبوق منذ عقود، الأمر نفسه يتكرر اليوم بشكل مختلف.

هذا التفاعل نفسه كان مطلوبا بين أبناء المم لكة المغربية أنفسهم وبين المغرب وجيرانه في شمال أفريقيا، وتالياً مع الدول العربية بينها وبين نفسها.

فعلى الرغم من الأجواء المشحونة سياسيا بين المغرب والجزائر، إلا أن حالة الفرح بدت على جمهور الجزائر الذي احتفل بالإنجاز المغربي.

وهلل العديد من الجزائريين لنجاح جيرانهم، "سواء بروح حقيقية من التضامن في شمال أفريقيا أو من الغريزة العالمية لمشجعي كرة القدم في جميع أنحاء العالم للبحث عن حصة في المجد الرياضي"، كما تقول "رويترز".

كما أظهرت فيديوهات على مواقع التواصل احتفالات مشجعيين جزائريين قرب الحدود بين البلدين.

الأمر لم يقتصر على الجزائريين، فقد أثار المشوار اللافت للمغاربة في المونديال موجة من التعاطف وشعورا بالفخر والحماسة لدى كافة العرب من المحيط إلى الخليج، وهو ما تجسد سواء في أجواء الفرحة والحماسة والشغف في شوارع الدوحة ومدرجات ملاعبها، التي  أبدا ها المناصرون العرب، وكذا على منصات التواصل التي غصّت منذ بداية المونديال بالرسائل الداعمة والمحفزة لـ"أسود الأطلس".

      

يقول الناقد والصحفي الرياضي "محمد مندور": "إلى حد كبير أصلح المنتخب المغربي الكثير في ظل ما تشهده المنطقة العربية بسبب الخلافات السياسية".

ويضيف: "جمع الشباب العربي حوله والجميع كان يتمنى له الفوز ما أسهم في إزالة رواسب أو خلافات بين الأشقاء وبعضهم.. فالصور والفيديوهات التي وصلت من كافة البلدان العربية هي رسالة للجميع بأننا نستطيع الاتحاد معا مرة أخرى بعيدا عن مشاكل السياسة".

ويتابع "مندور": "يجب استثمار كل ذلك وتقريب وجهات النظر ولغة العقل والمصالح العربية المشتركة على لغة العنجهية والجفاء والتكبر. يجب أن توجه وسائل الإعلام الصورة الإيجابية لما حدث وأن تتجاهل السلبيات كلها. يجب إبراز دور ال   شعوب واجتماعهم على حب منتخب عربي فقط لأنه عربي".

وتتفق معه الصحفية الرياضية المغربية "سعيدة العلوي"، حين تقول: "صراحة لا يمكن لنا إلا أن نكون فخورين بهذه الوحدة التي صنعها المنتخب الوطني المغربي، بما أنجزه من نتائج جد متميزة في منافسات كأس العالم".

وتضيف: "رأينا فيديوهات رائعة من مختلف بقاع العالم حيثما وجد العرب أو المسلمون بشكل عام كانت هناك فرحة وأهازيج جميلة تضامنا مع المغرب، وهذه مسألة مؤثرة ومهمة جدا بالنسبة لنا كشعب مغربي لأننا حين نشاهد احتفالات وفرحة شعوب جريحة وهي تعاني من التقسيم ومن الحروب وتتقاسم معك هذه الفرحة فهذا فخر كبير".

كما توضح "العلوي": "شاهدنا احتفالات في الجارة الجزائر بالرغم من توتر العلاقات بين البلدين، الشعب الجزائري كان سعيدا جدا وخرج إلى الشوارع في بعض المدن ما يؤكد أن الشعوب متحدة فيما بعضها ولا دخل لها             بالسياسة".

  • القضية الفلس طينية

وليس بعيدا عن العرب، أطلقت نجاحات المنتخب المغرب ي المدوية كذلك العنان للفرحة داخل مخيمات اللاجئين السوريين مثلما ظهر جليا في مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وحمل هذا الإنجاز كذلك الفلسطينيين على الخروج للاحتفال، رغم قمع إسرائيل لهم مثلما حدث في باب العامود بالقدس.

واعتبر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع في بيان، أن قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي لفرحة الفلسطينيين بالانتصار الكروي للمغرب يرجع بالأساس إلى غضب الإسرائيليين من التضامن الشعبي المغربي الفلسطيني، إذ حمل لاعبو المنتخب المغربي العلم الفلسطيني عقب كل فوز في البطولة.

كما غنى الجمهور المغربي لفلسطين في مبار ياته، رغم التطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.

ونال مقطع مصور تداولًا واسعا حين سأل صانع محتوى، مشجعا مغربيا عن سبب ارتدائه "شارة فلسطين" خلال حضوره مباراة للمغرب، فرد المشجع قائلا: "وهل تسأل مغربي عن فلسطين؟"، وتابع قائلا: "وإن سألتني عن قلبي أقول فلسطين".

هذا التضامن، دفع صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية للقول إن "الحماس المغربي للقضية الفلسطينية مستغرب نوعاً ما".

قبل أن تضيف: "إن الذي غدا جلياً بالنسبة للمؤسسة الحاكمة وللجمهور في إسرائيل أثناء بطولة كأس العالم هذه هو أنه رغم أن ملوك وشيوخ المنطقة قد قرروا التصالح مع إسرائيل – رغبة في تحسين اقتصاديات بلادهم وشراء المعدات العسكرية والتصدي بشكل أفضل لعدوهم المشترك، إيران – إلا أن النضال الفلسطيني ما زال قضية أساسية بالنسبة لمعظم الشعوب في العالم العربي".

  •  الهوية  المغربية

بعد  آخر يشير إليه الصحفي المغربي "موسى المالكي"، وهو يقول إن مونديال قطر والإنجاز الذي حققه منتخب أسود الأطلس، عزز الهوية المغربية في كل دول العالم.

ويضيف: "أكدت الجالية المقيمة بالخارج، من جديد، على انتمائها المتجذر ومغربيتها المتأصلة ووطنيتها الراسخة، ليس فقط داخل مدرجات الملاعب، وإنما بمتابعة الأسر والأطفال مرتدين القميص الوطني وملتحفين العلم المغربي في مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا، مع خروجهم في مواكب احتفالية بعد نهاية المباريات".

ويتابع: "أحسن المغاربة بكل تأكيد استحضار وتمثيل وعرض مكونات ومقومات الهوية المغربية لفائدة الجمهور العربي والدولي، فقد كان الفن المغربي حاضرا في شوارع قطر وجنبات الملاعب (فن كناوة، والأهازيج الشعبية)، والمطبخ المغربي (الكسكس والطاجين)، والزي المغربي أيضا (القفطان)، وأسهم بعض الفنانين والمؤثرين والمواطنين في نجاح هذا الظهور".

وفي هذه النقطة، يشير الصحفي "محمد بنعزيز"، بالقول: "كان مونديال قطر 2022 فرصة إشعاع للمغرب، وفرصة فرح لملايين المغاربة، بعيدا عن فكرة العرب والأمازيغ وعن أصل المغاربة بينهما".

ويضيف: "سيُغيّر هذا المونديال منظور مغاربة كثيرين إلى أنفسهم والعالم، سيُحرّرهم نفسياً، ويشحذ عزيمتهم في حياتهم اليومية".

ويتابع "بنعزيز": "سيتقوّى الأثر كلّما احتفلت الشعوب الأخرى بنصر هذا المنتخب المغربي العربي الإسلامي الأفريقي".

 

  • الترابط ال أسري

ويرى محللون أن المنتخب المغربي لم يعط درسا في اللعب الجيد وتحقيق النصر فقط، وإنما أعطى دروسا للعالم، خ اصة الغربي، في القيم والارتباط الأسري.

ودللوا على ذلك بما قاله مذيع ألماني من أن "هذه المشاهد الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية واندثار مفهوم الأسرة"، في إشارة إلى مشاهد معانقة بعض اللاعبين كـ"أشرف حكيمي" و"سفيان بوفال" و"حكيم زياش" لأمهاتهم وتقبيلهن بعد انتهاء المباريات.

وهي أمور تبدو لنا عادية أو بديهية، لكن صحيفة "التايمز" لم ترها بعيون الاعتياد، أولا لأنها استبانت أنه رغم أن محبة الأمهات ظاهرة إنسانية عامة فإن الظاهرة درجات، أي أنها لا تتساوى فيها بالضرورة جميع الثقافات.

وثانيا، حسب الصحيفة، لأنها قارنتها بظاهرة بريطانية، وغربية عموما، فلاحظت أن محبة اللاعبين المغاربة لأمهاتهم قد منح ت المشاهدين الغربيين مشهدا محييا منعشا لأنه مغاير تماما لما اعتادوه من هوس اللاعبين الإنجليز بالزوجات والصديقات، وما يصحب ذلك من توافه القيل والقال والحكايا والقضايا.

يقول "محسن بنزاكور" أستاذ في علم النفس الاجتماعي: "الذي لا نستطيع أن ننكره هو أنه رغم أن هؤلاء تربوا في الدول الغربية استطاعوا أن يحافظوا على لحمة الأسرة وهذا ما تحدث عنه الإعلامي الألماني".

ويضيف أن الفضل في تشبث هؤلاء اللاعبين بهويتهم "يرجع إلى الأمهات بالأساس والآباء حتى لا نبخسهم حقهم.. هذا الذي فرح بحضن أمه وسط الجماهير العربية، لم يترب في بيئة مغربية بل في أوروبا، لكن الأم هي من تحافظ على هذه اللحمة".

 ((6))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب تضامن عربي هوية مغربية مونديال قطر منتخب المغرب ترابط أسري

متفوقة على فرنسا.. 3 مغاربة بالتشكيلة المثالية لمونديال قطر

استقبال أسطوري لمنتخب المغرب المونديالي في الرباط

لتميزهم في المونديال.. العاهل المغربي يمنح لاعبي المنتخب أوسمة ملكية