تجدد الحديث في مصر حول حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وهو الجدل الذي يعد قديما جديدا وله توقيتات دورية تأتي بالتزامن مع عدة مناسبات للمسيحيين في البلاد، أبرزها أعياد الميلاد التي تحل خلال أيام، حيث تزدحم منصات التواصل الاجتماعي في البلاد بلقطات متسارعة ومحتقنة من الجدل والجدل المضاد.
وكالعادة، تشهد المسألة اشتباكات لفظية، واستدعاء لآراء فقهية من هنا وهناك، إلى أن تتدخل المؤسسات الدينية الرسمية في البلاد، ممثلة في الأزهر ودار الإفتاء، لتزداد الأمور اشتعالا في بلد يعاني من أزمة اقتصادية عنيفة وتدهور لمستويات المعيشة؛ ما يعتبره متابعون اختلالا لأولويات الجماهير، بينما يذهب آخرون إلى القول بأن السلطات لها مصلحة في اشتعال ذلك الجدل، للتغطية على ما يحدث على المستوى الاقتصادي.
شيخ الأزهر في مصر، ورئيس هيئة علماء المسلمين في السعودية يؤكدان جواز تهنئة المسيحيين بالكريسماس، وهما أكبر علماء الأمة حالياً.. ومع ذلك يخرج لك مليون مغرد يعترضون على قيامك بالتهنئة، ويصرون على على فرض فتاوى أشخاص معينين عليك.. أمر غريب، لا يوجد له تفسير سوى الغلو والتعصب !! pic.twitter.com/JbhWpAOCcB
— عبدالله النعيمي (@AbdllahAlneaimi) December 26, 2022
لما تبقى نص البلد ساقطة دين لانه مش في المجموع … بس بتعدّل على شيخ الازهر شخصيا علشان أجاز تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. عبث وجهل.
— Haitham El-Tabei التابعي (@Haithamtabei) December 25, 2022
مقال مهم للصديق الشيخ عصام تليمة ، يوضح فيه اللبس الذي يقع فيه البعض هنا ، فتهنئة اصحاب الديانات الأخرى بأعيادهم هي واجب اجتماعي وإنساني وأخلاق الجيرة والصداقة وليست طقسا دينيا ، ويسوق الأدلة على ذلكhttps://t.co/T11hUO0wbf
— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 24, 2022
شيخ الأزهر
ودخل شيخ الأزهر "أحمد الطيب" على خط الجدل بقوة، حيث كتب عبر حسابه الموثق على "فيسبوك" صيغة تهنئة "شاملة" لكافة القيادات المسيحية حول العالم.
وكتب "الطيب": "أهنئ إخوتي وأصدقائي الأعزاء البابا فرنسيس، والبابا تواضروس، ورئيس أساقفة كانتربري د. جاستن ويلبي، وبطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول، وقادة الكنائس، والإخوة المسيحيين في الشرق والغرب بأعياد الميلاد، وأدعو الله أن يعلو صوت الأخوَّة والسلام، ويسود الأمان والاستقرار في كل مكان".
ولقيت التدونية ردود أفعال عنيفة من الرافضين لمبدأ تهنئة غير المسلمين، حيث شنوا هجوما على شيخ الأزهر، بينما أيده آخرون ومدحوا "استنارته ووسطيته"، على حد وصفهم.
دار الإفتاء
وعلى نفس السياق، تدخلت دار الإفتاء المصرية لتعلق على الأمر، عبر حسابها في "فيسبوك" أيضا، حيث قالت إنه "لا مانع شرعا من تهنئة غير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم"، موضحة أن ذلك ليس فيه خروجا عن الدين كما يدعي بعض المتشددين".
وأشات الدار إلى أن "تهنئة شركاء الوطن من غير المسلمين بمناسباتهم وأعيادهم من حسن الجوار، ورد التحية بالحسنى وحسن التعايش".
وأكدت أن ذلك "مبادئ إنسانية راقية يدعو إليها الشرع الشريف كتابا وسنة ومارستها السيرة النبوية".
وكان شيخ الأزهر قال في تصريحات سابقة قبيل نشر تدوينته على "فيسبوك"، إن "رفض تهنئتهم (المسيحيين) بأعيادهم فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة".
وأوضح "الطيب" أن "علاقة المسلمين والمسيحيين تُعد تجسيداً حقيقياً للوحدة والإخاء، وأن هذه الأخوَّة ستظلُّ دائماً الرباط المتين الذي يَشتدُّ به الوطن في مواجهة الصعاب والتحديات"، موضحا أنه لا توجد في القرآن أديان مختلفة، لكن توجد رسائل إلهية تعبر عن الدين الإلهي الواحد".
وأشار إلى أن الإسلام "لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوَّة الإنسانية، وهناك آيات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم -أياً كانت أديانهم أم مذاهبهم- هي علاقة البر والإنصاف".
وعبر "تويتر"، نشر الحساب الرسمي للعلامة الراحل "يوسف القرضاوي"، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مقطع فيديو قديم له تضمن تعليقه على تلك المسألة، خلال مقابلة له مع قناة "الجزيرة" القطرية.
وخلال المقطع، قال "القرضاوي" إن مسألة تهنئة غير المسلمين لأعيادهم تحكمها الآيتين من سورة الممتحنة: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.
واعتبر "القرضاوي" أن التهنئة لغير المسلم "المسالم وغير المحارب" تندرج تحت بند العلاقات الإنسانية المحمودة والبر الذي أمرت الآية الكريمة به، ولا يجب أن يتم إدخال مسألة الاعتقاد بها.
وأكد "القرضاوي" أن هناك فرقا بين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، والمشاركة فيها، معتبرا أن هذا التفريق أمر مهم.
هناك فرق بين تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم ومشاركتهم فيها pic.twitter.com/CJatnkLWFX
— يوسف القرضاوي (@alqaradawy) December 24, 2022