لماذا يهرب رجال الأعمال من مصر عبر شركات وأسواق أجنبية؟

السبت 31 ديسمبر 2022 05:03 م

يخطو الاقتصاد المصري المتباطئ نحو عام جديد، وسط صدمات خارجية تنذر بأوضاع قاتمة، وأجواء محلية تدفعه إلى مزيد من التراجع والركود والبطالة، ما هو ما قابله عدد من رجال الأعمال بالهروب من السوق المحلية وتعقيدات قوانينها وتشابك المصالح وتنافراتها مع النظام وإمبراطورية الجيش، إلى أسواق أخرى طلبا للحماية.

ولعل ما قامت به "ياسمين" و"فريدة" ابنتا رجل الأعمال المصري الراحل "محمد فريد خميس"، يسلط الضوء على هجرة أموال رجال الأعمال المصريين إلى الخارج، مع الإبقاء على استثماراتهم في الداخل، والحيل المختلفة التي يلجأون إليها كي لا يكونوا تحت إمرة الاقتصاد المتراجع، وحالة عدم الاستقرار السياسي وأزمات شح الدولار المتتالية.

و"النساجون الشرقيون"، شركة أسسها رجل الأعمال الراحل "محمد فريد خميس" (توفي 19 سبتمبر/أيلول 2020) بمدينة العاشر من رمضان (شرق القاهرة)، عام 1981، لإنتاج وبيع وتصدير السجاد الميكانيكي والألياف.

والأحد الماضي، أعلنت الشركة عن نقل ملكية 24.61% من أسهم رأسمال الشركة ببورصة مصر، والمملوكة لـ"ياسمين" و"فريدة " نجلتي رجل الأعمال الراحل، إلى شركة إنجليزية تحمل اسم "FYK LIMITED"، بقيمة 1.37 مليار جنيه (52.62 مليون دولار).

بيان الشركة، أوضح أن نجلتي فريد خميس، هما المالكتين للشركة الإنجليزية بنسبة 100%، وأن "ياسمين" و"فريدة"، ما زالتا محتفظتين بنسب ملكيتهما في "النساجون الشرقيون" بشكل غير مباشر.

ووصفت الشركة، عملية نقل الأسهم لشركة إنجليزية مملوكة لصاحبتي الأسهم المباعة بأنها "إعادة هيكلة" من أجل "زيادة قدرة شركات "النساجون" على تنوع مصادر التمويل دوليا، وتعزيز المعاملات التمويلية.

يقول المراقبون، إن الغرض من انتقال ملكية الشركة إلى شركة استثمارات أجنبية، هو "جعل الشركة خاضعة للاتفاقيات الدولية للتحكيم التجاري الدولي، في حال حدوث أي نزاع، فضلاً عن أن حركة الأموال تتم خارج مصر".

ويلفتوا إلى أن هناك حالة من التضييق تمارسها الحكومة المصرية على رجال الأعمال النافذين، دون أسباب واضحة، إلى جانب عراقيل عديدة يضعها البنك المركزي على التصرف في الأموال المودَعة لديه بالدولار.

ويؤكد المراقبون، أن الوضع الجديد للشركة يتيح لأصحاب رأس المال التحكم بحرية في أموالهم، بعيداً عن تعقيدات النظام الحالي.

فيما يكشف مصدر مطلع في الحكومة لموقع "عربي بوست"، أن تأسيس المصريين شركات "الأوف شور" تزايد بشكل كبير، حتى تكون هناك حرية لدى رجال الأعمال لتحويل أرباحهم إلى الخارج، في ظل تضييق النظام الحالي على حركة أموالهم في الداخل.

ويلفت المصدر إلى استمرار الظروف غير المواتية للاستثمار المحلي أو الأجنبي في مصر، ويكون ذلك من خلال عمليات تخارج شرعية، دون أن يصطدموا بأي مشكلات قانونية.

ويطلق مصطلح "الأوف شور" على الشركات التي تمارس عملها في بلد مختلف عن البلد الذي تأسست به الشركة، وفي الأغلب يكون الهدف منها الاستفادة من أنظمة ضريبية ميسرة في دول تأسست فيها تلك الشركات، والهرب من أنظمة ضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية.

ويمكن بسهولة تسجيل شركة "أوف شور" عبر الإنترنت، ولا يُشترط أن تكون محددة برأس مال معين، ويتم هذا من خلال شركات مختصة بهذا الأمر.

فيما يقول مصدر مسؤول بمصلحة الضرائب، إن العديد من الشركات تلجأ لتلك الحيل؛ لتجنب دفع الضرائب للدولة، لأنهم بذلك يقومون بتحويل الأرباح لبلدان ضرائبها منخفضة، أو تكاد تكون منعدمة، وتعرف باسم "الملاذات الضريبية".

ويوضح المصدر، أن شركات عديدة نفذت من ثغرة معاهدات تجنب الازدواج الضريبي، وسجلت نفسها في مصر على أنها تابعة لشركة في دول أخرى بما يجنب الشركات المؤسسة فيها الخضوع لضريبة الأرباح الرأسمالية في مصر عند تخارجها من الاستثمارات في مصر، منها الإمارات وبريطانيا، فضلاً عن أن تلك الدول لا تفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تحققها الشركات المؤسسة فيها خلاف ما يحدث في مصر.

رأي آخر، يشير إليه المراقبون، ويقول إن نجلتي "فريد خميس" تهربان من قوانين مصرية طاردة للاستثمار، وخوفا من مصير رجال أعمال طمع النظام بشركاتهم، كـ"صفوان ثابت" مؤسس شركة "جهينة" للألبان، و"سيد السويركي" مالك محلات "التوحيد والنور"، ورجل الأعمال "حسن مالك"، وحبسهم جميعا وغيرهم.

لم يكن ذلك الإجراء وحيداً أو مبتكراً في مصر، لأن العديد من رجال الأعمال أقدموا على الخطوة ذاتها، والتي ابتدعها، بحسب مصدر مصرفي مطلع، رجل الأعمال المثير للجدل "نجيب ساويرس"، الذي قام منذ العام 2007 بتأسيس شركات وصناديق أجنبية تابعة له، وقام بحركة مراوغة للحكومة المصرية في ذلك الحين كونه لديه استثمارات في دول أفريقية وأوروبية عديدة، قبل أن يصفي أغلبها بعد وقت قليل؛ لتبقى عدة صناديق يمتلكها ويضع فيها الجزء الأكبر من أمواله.

ويشير المصدر إلى أن "ساويرس" وإخوته يتعاملون في السوق المصرية بنفس امتيازات المستثمرين الأجانب، ويقومون بعمليات تدشين الشركات والمشروعات برؤوس أموال تأتي من الصناديق المملوكة لهم في الخارج، واستفادوا من التسهيلات التي تقدمها الدولة للمستثمرين الأجانب، وفي الوقت ذاته أضحى لديهم حرية تصرف في أموالهم بعد أن أدركوا أنهم عرضة للسطو أو التضييق عليهم في أي لحظة.

كما تعد شركة "القلعة" التي يملكها رجل الأعمال المصري أحمد هيكل"، نجل الكاتب الصحفي الراحل "محمد حسنين هيكل" أبرز الشركات المصرية التي أسست صندوقاً استثمارياً في الخارج، وبلغ حجم تعاملاتها 9.5 مليارات دولار أمريكي، وقام بإنشاء تلك الصناديق منذ بدايات عمل الشركة قبل 15 عاماً.

ومع أي حالة من السابق ذكرها، يثار التساؤل حول أسباب هروب مستثمرين مصريين من السوق المحلية والانضواء تحت اسم وقوانين سوق أجنبية، ودور التعامل الأمني للنظام مع رجال الأعمال، ومدى أثر ذلك على الاقتصاد المصري.

يذكر الخبير المصرفي "محمد عطية"، أن الاستثمار المحلي والأجنبي في مصر يواجه مشكلات عديدة بدءاً من عدم توفر الدولار، مروراً بوجود سعرين للصرف، والمتاعب التي يواجهها رجال الأعمال في تحويل أموالهم للخارج.

أضف إلى هذا توالي حالات القبض على رجال أعمال والاستيلاء على مشروعاتهم في بعض الأحيان، ما يجعل الدولة غير قادرة على جذب المستثمرين الأجانب، ويجعلها مرغمة على التعامل مع شركات الأوف شور التي تساهم في توفير العملة الصعبة.

ويشير "عطية" إلى أن الشركات الناشئة المصرية استفادت من الخبرات السابقة لرجال الأعمال، وأضحوا يدشنون مشروعاتهم في عواصم عربية مختلفة ويتخذونها مقراً رئيسياً لهم، ويدخلون السوق المصري كمستثمرين أجانب.

ويقوم البعض الآخر من الشركات التكنولوجية التي برزت في مصر خلال السنوات الماضية الآن بعملية هجرة جماعية إلى الأسواق السعودية والإماراتية وغيرها، ويعملون على استمرار مشروعاتهم في مصر، لكن تكون عملية الإدارة الرئيسية من الخارج.

ويؤكد أن هذه الهجرة مستمرة منذ عدة سنوات، لكنها زادت على نحو مطرد خلال الأشهر الماضية مع الامتيازات التي يحصل هؤلاء عليها عند دخولهم الأسواق العربية وتهيئة السوق بشكل مناسب للشركات الناشئة وريادة الأعمال إلى جانب الدعم الذي يحصلون عليه، بل وتحفيزهم من خلال تلك الأسواق التي تتواصل معهم وتساعدهم على اتخاذ القرار، وكذلك الاستماع لوجهة نظرهم حول احتياجاتهم لبيئة العمل، الأمر الذي يشجّع رواد الأعمال على التوجه لتلك الدول.

فيما لا يعتقد المستشار السياسي والاقتصادي "حسام الشاذلي"، أنه "من المفترض ألا يكون هناك تعجب من ظهور مبادرات متعددة تتم الآن لبيع حصص مختلفة من الشركات والمؤسسات إلي شركاء أجانب، خاصة في ظل سوق مصر المنهار اقتصاديا".

ويشير رئيس جامعة "كامبريدج المؤسسية"، إلى "تخبط النظام، والقرارات العشوائية غير المدروسة للبنك المركزي والحكومة"، مضيفا أن "كل سياسات النظام تنصب على إحكام السيطرة على رؤوس الأموال والأصول والحسابات البنكية".

ويعتقد، أن هذا يأتي ضمن "خطوة استباقية لمصادرة تلك الأصول والأموال تحت أي مسمى، كما حدث مسبقا في حالات معروفة، كـ(جهينة) و(التوحيد والنور)".

ويتوقع "الشاذلي"، أن "يقوم برلمان النظام المصري باستحداث قانون يسمح للدولة بمصادرة الأموال والمؤسسات التي تزيد حجم أصولها عن قيمة محددة، تحت بند الأمن الوطني وإنقاذ البلاد".

ويقول: "لندرك أن غالبية التعليقات على حالة بيع نحو 25% من (النساجون الشرقيون) والمملوكة لنجلتي فريد خميس لشركة إنجليزية مملوكة لهما، هي نتاج عن نفس الأجواء التي تغيب عنها الشفافية والمعلومات الصحيحة".

ويتابع الخبير المصري، "لذلك سنرى عدة أنواع من الاتفاقيات الدولية في مصر، منها نموذج (النساجون الشرقيون)، وهو الأيسر والأقل خطرا، ولكن سوف نرى نموذجا آخر وهو لشركات أجنبية معروفة وقائمة تستولي على حصص بمؤسسات عريقة ناجحة".

ويعتقد الشاذلي، أن "نموذج (النساجون الشرقيون)، سيحتاج كثيرا من الجهد لإنجاحه، ولذلك لا ترى النظام يُلقي بالا له، وذلك كون الأصول موجودة بمصر، وتحويلات الدولار محكومة تماما بالبنك المركزي".

ويتوقع أنه "قد نستيقظ صباحا على مصادرة أصول وأموال، ولن تساعد الشركة الإنجليزية المؤسسة حديثا في الوقوف أمام نظام لا يحترم القوانين الدولية ويوظف قضاء مسيسا، وليس لديه منظومة عدالة".

ويستدرك: "لكن النموذج الثاني، والقائم علي بيع الحصص لمؤسسات دولية معروفة لديها نفوذ دولي وسفارات قوية وجيوش من الإعلاميين ومكاتب المحاماة الدولية، سيكون الطريق الأكثر أمانا لأصحاب رؤوس الأموال المصرية، ممن لديهم هذا النوع من العلاقات  هربا من نظام ديكتاتوري مجحف لا يحترم أعرافا ولا قوانين".

ويعرب "الشاذلي" عن أسفه، لأن "النموذجين يمثلان صورة أخرى من صور الاحتلال الاقتصادي لمصر، وهو أحد عواقب السياسة الاقتصادية الفاشلة للنظام".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هروب استثمارات مصر رجال أعمال الدولار سيطرة الجيش