بعد تعديله.. ما هو قانون الإجراءات الضريبية الموحد في مصر؟

الاثنين 2 يناير 2023 11:25 ص

أقرت مصر رسميا، تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020، والذي يسمح لمصلحة الضرائب بالإفصاح عن معلومات حول الحسابات البنكية للأفراد والكيانات، وذلك لأغراض تبادل المعلومات بين المصلحة المصرية وسلطات ضريبية أجنبية.

والسبت، وقع الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، القانون رقم (176) لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد الصادر بالقانون رقم (206) لسنة 2020، وذلك بعد أسبوعين من موافقة البرلمان عليه.

وتسبب التشريع في مخاوف قانونية ومالية من تعريض معلومات المستثمرين المحليين والأجانب لمخاطر إفشاء أسرارهم المالية والمصرفية، التي سيتداولها الموظفون العموميون.

في حين قالت الحكومة في ديباجة القانون إنه يستهدف مساعدة بعض الدول الأجنبية في التحقق من المعاملات الضريبية حول رعاياها، طبقاً للاتفاقيات المبرمة بين مصر وهذه الدول.

ويعمل القانون على أن يكون لمصلحة الضرائب المصرية تبادل المعلومات لأغراض الضريبة بين السلطات الضريبية في الدول التي تكون بينها وبين مصر اتفاقيات ضريبية دولية، وفي حدود ما تنص عليه أحكام هذه الاتفاقيات، كما لها أن تبرم بروتوكولات أو اتفاقيات مع الجهات الحكومية والهيئات العامة والنقابات والجمعيات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية تسمح بتبادل المعلومات فيما بينها لأغراض تطبيق القانون، وفي حدود عدم الإخلال بالأسرار التجارية أو الصناعية أو المهنية للممول أو المكلف.

وجاء مشروع القانون استثناءً من أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي المصري، والذي قضى بسرية جميع بيانات العملاء وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، والمعاملات المتعلقة بها، وعدم جواز الاطلاع عليها، أو إعطاء بيانات عنها، بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة.

وانضمت مصر في عام 2016 إلى عضوية المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، الذي تأسس من قبل مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي، بهدف مكافحة التهرب من الضرائب، وإخفاء المتهربين ثرواتهم وأصولهم المالية، بما يهدد إيرادات الدول.

ويقيّم المنتدى أداء الدول المنضمة إليه لتحديد مدى التزامها بمعايير الشفافية وتبادل المعلومات، من خلال مجموعـة تسمى مجموعة مراجعة النظراء أو القرناء، وفي حال حصول الدول على تقييم منخفض تطبق عليها بعـض الإجراءات التحفظية من دول الاتحاد الأوروبي.

سرية الحسابات

من جهته، قال وزير المالية "محمد معيط" إن تعديلات قانون الإجراءات الضريبية ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بسرية حسابات المصريين أو الشركات المصرية، مضيفاً أن مجموعة العشرين أرادت محاربة التهرب الضريبي من خلال بروتوكول معين، ووضع آليات للتفعيل بين الدول لتتمكن من تبادل المعلومات طبقا للأحكام الموجودة في الاتفاقية والبروتوكول، أو اتخاذ إجراءات تجاه الدول غير المتعاونة.

بينما قال وكيل محافظ البنك المركزي "شريف عاشور"، في كلمته أمام البرلمان إبان عرض القانون، إن قانون البنك المركزي يحصن سرية الحسابات البنكية للأفراد، ويتضمن عقوبات إزاء الكشف عن سريتها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وتابع أنه لا مساس بأي شكل من أشكال السرية للحسابات البنكية المصرية المتعارف عليها؛ لأن التعديل يخاطب المعاملات الضريبية المتعلقة بالدول الأجنبية والمصريين في الخارج.

ورغم إعلان البنك المركزي التزامه بمكافحة غسل الأموال، مع عدم خروج بيانات عملاء البنوك دون أمر قضائي، وتحت إشراف إدارة قانونية موحدة، فإن بعض صغار الموظفين وقعوا في جرائم تسريب معلومات، وسرقة بعضها، وفقاً لبيانات رسمية، مع ضعف السلطات الرقابية.

كما أن انتشار تلك المعلومات عبر مكاتب صغار الموظفين يزيد من مخاطر إفشاء أسرار المتعاملين، في ظل إجراءات تعتمد على حسن النوايا لدى الموظفين.

مخاوف

ويخشى خبراء أن يكون القانون بداية صراع بين الأجهزة الرسمية على تتبع أموال الأفراد والمستثمرين، بين أكثر من جهة سيادية، كما حدث في الصين خلال العام الماضي، حينما طلبت السلطات من شركات الدفع الفوري، والبنوك تقديم المعلومات وحركة الأموال والنفقات للمتعاملين عبر أنظمة التسوق الرقمي، التي بحوزتهم لأجهزة الأمن والحكومة، واتخذتها بعد ذلك للسيطرة على حركة الأفراد أثناء أزمة (كوفيد-19)، وملاحقة رجال الأعمال، وعلى رأسهم شركة "علي باي" المنتظر دخولها مصر في مارس/آذار المقبل.

ويتساءل رجال أعمال عن الأسباب التي لا تريد الحكومة الإفصاح عنها من وراء التشريع، بينما تشهد الأسواق عمليات استحواذ من صناديق سيادية عربية ومستثمرين أجانب على شركات تعمل في الدفع الفوري والتسهيلات المالية، وتمارس أعمالاً مصرفية.

وينتقد المستشار السیاسي والاقتصادي الدولي رئيس جامعة "كامبردج" المؤسسية بسويسرا "حسام الشاذلي"، القانون، ويقول إن "النظام في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يوظف كل أدوات السياسة والحكم، وحتى منظومة العدالة من أجل محاولة إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه، ومن أجل البحث عن الممكن وغير الممكن؛ من أجل إنقاذ نظام تجره الأزمة الاقتصادية إلى هوة سحيقة".

ويضيف: "على رأس تلك الأدوات المسيسة، ذلك البرلمان الذي قد بات (ترزي) لقوانين النظام بعيدا عن الشعب، لا يمثله ولا يشعر بنبض معاناته التي بات يعرف عنها الأقصى قبل الأدنى".

ويتابع أن "القوانين الاقتصادية للمنظومة البنكية في مصر تنظم التعاملات على حسابات المواطنين وودائعهم بصورة كاملة، مثلها مثل باقي المنظومات البنكية في العالم، حيث تبدأ مع عملية الكونترول والمراقبة على مصادر الأموال من بداية عملية الإيداع، مارة بكل معايير المراقبة على التحويلات والمعاملات البنكية المحلية أو الدولية، وبإشراف مباشر من البنك المركزي".

ويزيد: "لذلك، فأنا أزعم بأن ذلك القانون غير المسبوق الذي يسمح للحكومة بالاطلاع على حسابات المواطنين وودائعهم، يمثل سابقة بنكية غير معروفة، هدفها الرئيسي هو التمهيد لإجراءات قانونية وبنكية مفتعلة، لتجميد بعض الحسابات ومصادرة الأموال والودائع لحساب الحكومة وأزمتها الاقتصادية، وهو أمر جلل قد يعجل بعواقب عدم الاستقرار،  وسيزيد من وتيرة هروب المستثمرين أجانب ومصريين وبصورة أسرع بكثير، حيث لا يمكن الاستثمار في مناخ لا يضمن الحماية البنكية للمودعين".

بينما يقول الخبير الاقتصادي "وائل النحاس" إن مصر مجبرة وفقاً لاتفاقيات مع البنك الفيدرالي الأميركي، والدول الكبرى، منذ 2015، على تحقيق الشمول المالي، ومنع تحويلات البنوك من بنك لآخر للعملاء المتهربين من الضرائب في بلدانهم، التي وقعت بها بنوك إماراتية وبحرينية، والتي اتهمتها مؤسسات دولية بتسهيل عمليات غسيل الأموال.

ويضيف أن إجبار الحكومة على مكافحة غسيل الأموال لصالح الغير لم يواكب إصراراً مماثلاً في الحصول على أموال المصريين التي هربها نظام الرئيس الراحل "حسني مبارك"، قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

ويؤكد أن حسن النوايا الذي طرحته الحكومة على مشروع القانون لا يكفي، في ظل أن الجهة المنوطة بتنفيذه ستكون مصلحة الضرائب، بما يعني وضع البيانات المالية عن عملاء الشركات الدولية والبيانات المالية الخاصة بالمستثمرين متاحة للتداول بين صغار الموظفين.

ويشير "النحاس" إلى أن التشريع يحتاج إلى ضوابط مشددة تضمن سرية الحسابات وتعاملات الشركات، حتى لا تكون وسيلة للمتاجرة بها كما تفعل شركات الهاتف المحمول، التي تبيع أرقام الهواتف ومستوى إنفاق العملاء، لصالح شركات التسويق العقاري وسماسرة السيارات والرحلات ومبيعات السلع، وتلاحق العملاء على مدار الساعة، دون قدرة أي جهة على حماية المستهلكين من تتبع بياناتهم الخاصة أو محاسبة الجهات التي تسرب تلك المعلومات بدون إذن مسبق من العملاء.

ويتابع أن "الالتزام الضريبي والشمول المالي الذي تطبقه وزارة المالية، يسمح لموظفي الضرائب بتتبع كل أموال المستثمرين التي يضعونها في البنوك وأصول الشركات ومعرفة المساهمين، ويسمح بالحجز على الأموال من قبل مصلحة الضرائب على الأرصدة".

ويشير إلى أن "القانون يتيح للموظفين السيطرة على قنوات المعلومات التي لدى البنوك وهيئة الاستثمار في الداخل، بينما لا تتمكن الدولة من تتبع استثمارات مواطنيها في الشركات الدولية، التي شكلها بعض رجال الأعمال في الخليج والخارج، للابتعاد عن سيطرة الدولة، رغم ممارستهم أعمالهم بالسوق المحلية".

ويحذر "النحاس" من خطورة استهداف بعض الدول العربية لرجال أعمال، يضعون استثماراتهم في مصر، طلباً للأمان الاقتصادي والسياسي، بينما يمنح مشروع القانون هذه الدول سلطة تتبع هذه الأموال في مصر، عبر وزارة المالية، بما يعني قدرتها على التحكم في الأموال القادمة للبلاد، ودفع مستثمرين بعينهم للخروج من السوق المصرية، إذا ما رغبت في توجيه اقتصاد الدولة إلى جهة غير مؤاتية لأهوائهم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ضرائب سرية حسابات مالية مصر

بين مؤيد ومعارض.. كيف تفاعل المصريون مع قرار السيسي زيادة حد الإعفاء الضريبي؟