خطاب من الثكنة العسكرية.. قيس سعيد يهدد خصومه بعد ضربة الانتخابات

الخميس 2 فبراير 2023 02:11 م

لا يستطيع كثير من المراقبين والمحللين في تونس منع أنفسهم من التفكير في طبيعة تحركات رئيس البلاد "قيس سعيد" خلال الساعات الماضية، وهي الساعات التي تلت إعلان رئيس هيئة الانتخابات في تونس "فاروق بوعسكر" عن نسبة الإقبال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي لم تتجاوز 11.40%، ما يعني أن قرابة 90% من الناخبين التونسيين قاطعوا تلك الانتخابات.

ورغم أن المعارضة وبعض المراقبين اعتبروا هذا مؤشرا سلبيا من الشارع تجاه "سعيد"، فإن الأخير اختار "الهروب إلى الأمام"، حسب مراقبين، عبر طريقين: الأول، محاولة تحويل الهزيمة إلى نصر لما يروج له، والثاني هو اللجوء إلى القوة العسكرية والأمنية.

وما أعطى زخما لاندفاع "قيس سعيد" في رد فعله، هو تدحرج كرة الثلج ضده، واستثمار المعارضة التونسية لمسألة مقاطعة المواطنين للانتخابات، لمطالبة الرئيس بالاعتراف بالفشل في معالجة الملف الاقتصادي، ما تسبب في استمرار خيبة أمل الجمهور، والاتجاه نحو انتخابات رئاسية مبكرة.

أيضا جاء التوتر الكبير بين "سعيد" والاتحاد التونسي للشغل، وهو القوة الوازنة في البلاد، على خلفية سوء الأداء الاقتصادي للسلطة، ليضيف بعدا جديدا سرع من خطوات الرئيس التونسي للاندفاع إلى الأمام.

تحويل الهزيمة إلى نصر

الطريق الأول بدا واضحا في تصريحات الرئيس التونسي خلال لقائه رئيسة الحكومة "نجلاء بودن"، الثلاثاء، عندما اعتبر أن نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية تؤكد عدم ثقة التونسيين بالبرلمان.

هنا يرى المراقبون أن "سعيد" تحرك سريعا إلى ما يفترض أنها نقطة سلبية في مسيرته بإحجام الناخبين بشكل شبه تام عن أول استحقاق يدعو له، ليحولها إلى إيجابية، عبر الزعم بأن مقاطعة الجماهير للانتخابات بمثابة تأييد له وليس معارضة أو احتجاجا سياسيا على أسلوبه في إدارة البلاد.

"سعيد" قال، خلال لقاء "بودن"، إن الأرقام لابد أن تقرأ بشكل مختلف و90% من التونسيين لم يشاركوا في التصويت رغم تغيير طريقة الاقتراع، ما يعني أن البرلمان لم يعد يعني لهم شيئا.

وأضاف أن "أهم شيء هو احترام المواعيد والمحطات الانتخابية"، لافتا إلى أن ما وصفه بالعمق الشعبي الداعم له أكبر من العمق الشعبي للمعارضة، التي اتهمها بارتكاب خيانة عظمى بحق الشعب التونسي.

وتابع "سعيّد" أن السنوات الـ10 الأخيرة، جعلت البرلمان مؤسسة داخل الدولة عبثت بها، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة جاءت عكس ما كان يحلم به التونسيون، وجدّد رئيس تونس تمسكه بالدولة وبمؤسساتها.


ولكي يكتمل المشهد، أكمل "سعيد" تصريحاته بشن هجوم على المعارضة، وهي التي اعتقدت أنها سجلت هدفا في مرماه، بعد تردي الإقبال الجماهيري بالانتخابات التي حرص "سعيد" على الحشد لها، حيث طالبته بالاعتراف بالفشل والاتجاه نحو انتخابات رئاسية مبكرة. لكن "قيس سعيد" مضى في اتهام المعارضة بالخيانة العظمى للشعب التونسي.

وتعلق صحيفة "نيوروك تايمز" على الأمر، قائلة إن هذه الواقعة تشير إلى أن "سعيد" لا يخجل من ازدائه للبرلمان.

وأشارت إلى أن النقاد والمحللين يقولون إن "سعيد" سقط في حالة من عدم الاستقرار.

ونسبت إلى "يوسف الشريف" المحلل السياسي الذي يدير مراكز كولومبيا العالمية في تونس القول إن هذا "يؤكد أنه لا يرى سوى القليل من الاهتمام بالديمقراطية البرلمانية".

الاحتماء بالعسكر

في هذا المحور، أقدم "قيس سعيد" على سلوك أكثر من طريق، الأول كان قراره بتمديد حالة الطوارئ في البلاد حتى نهاية العام الجاري 2023.

وفي عددها الصادر الثلاثاء، نشرت الجريدة الرسمية (الرائد الرسمي) أمرا رئاسيا جاء فيه: "تمدد حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية التونسية ابتداء من 31 يناير/كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2023".

وتمنح حالة الطوارئ وزارة الداخلية صلاحيات استثنائية بينها منع الاجتماعات وحظر التجوال وتفتيش المحلات ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.

وهذه الصلاحيات تُطبق دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء؛ ما يثير انتقادات محلية ودولية متزايدة.

وتبدي قوى معارضة في تونس تخوفات من إساءة استخدام حالة الطوارئ ضد الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ "سعيد" فرضها في 25 يوليو/تموز 2021؛ ما أحدث أزمة سياسية مستمرة زادت من تداعيات أخرى اقتصادية.

ومن بين هذه الإجراءات حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو/تموز 2022.

الطريق الثاني، تمثل في الزيارة التي أجراها "قيس سعيد" إلى ثكنة العوينة التابعة لقوات الحرس الوطني (تتبع وزارة الداخلية) في تونس العاصمة، الثلاثاء.

كان المشهد ذا دلالة، حينما حرص "سعيد" على الجلوس وسط قيادات القوات ليلقي خطابا من داخل "الثكنة العسكرية" مهددا المعارضة بالمحاسبة، ومكررا الاتهامات ضدها بالخيانة والتآمر ضد البلاد.

وخلال ذلك الخطاب، دعا "قيس سعيد" قيادات الحرس الوطني إلى "التصدي لمن تآمر على الدولة"، مشددا على أنه "لا يمكن أن يُترك أعداء الدولة وأعداء الوطن خارج المساءلة".

وقرأ مراقبون خطاب "سعيد"، من داخل الثكنة العسكرية، لـلاسيما طلبه صراحة من قيادات الحرس الوطني بالتصدي لـ"المتآمرين"، على أنه محاولة صريحة للجوء مجددا إلى المعالجة الأمنية للأزمة السياسية، في ضوء كونه لا يمتلك مرتكزا سياسيا داعما مثل حزب سياسي، كما أنه ليس أحد أبناء المؤسسة العسكرية.

ثمة رسالة أخرى من "سعيد" قد تكون موجهة إلى الشارع هذه المرة، للرد على عزوفه عن الصندوق الانتخابي الذي دعا إليه، مفادها: "إذا لم تأتوا إلى الصندوق، فأنا مستعد للتمترس بالقوة الصلبة في البلاد وإمضاء ما أرى عبرها".

اتحاد الشغل

وبشكل متواز، يزيد الاحتقان بين "قيس سعيد" والاتحاد التونسي العام للشغل، الذي يرى أن مساندته لـ"سعيد" بعد إجراءاته منذ منتصف 2021 لم تقدم جديدا لصالح التونسيين الذين يتألمون اقتصاديا، علاوة على تحفظه على توسيع "سعيد" سلطاته، واستحداث نظام سياسي جديد بشكل أحادي.

وكان اعتقال السلطات التونسية أحد المسؤولين النقابيين، ليل الثلاثاء/الأربعاء، بسبب إضراب في محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، إشارة واضحة على تزايد هذا التوتر.

واعتقلت الشرطة "أنيس الكعبي" الكاتب العام لنقابة الطرق السريعة من بيته في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، بسب دوره في إضراب محطات تحصيل الرسوم.

وقد يؤدي الاعتقال إلى تفاقم التوترات المتزايدة بين "سعيد" والنقابة، التي بات موقفها أكثر قوة أمام سياسية الرئيس.

وندد اتحاد الشغل باعتقال المسؤول النقابي، وحذر في بيان من استهداف الحقوق والحريات النقابية قائلا إن الاعتقال جاء بعد تحريض الرئيس في خطاب له ضد حرية العمل النقابي والحق في الاحتجاجات.

ودعا الاتحاد، النقابيين والهياكل والقطاعات إلى التعبئة والاستعداد للدفاع عن الحق النقابي والحريات العامة والفردية بكل الأشكال النضالية.

واستخدم الاتحاد صاحب التأثير القوي لغة أشد حدة ضد "سعيد"، وتعهد أمينه العام "نورالدين الطبوبي" باكتساح الشوارع رفضا للأجندة الاقتصادية والسياسية.

((5))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد تونس الحرس الوطني الاتحاد التونسي للشغل الانتخابات التونسية الطوارئ

اتهامات وجدل وعتاب.. "كعكة إيرانية" تجمع الغنوشي ووزيرين تونسيين

يوسف ندا لـ"الخليج الجديد": سعيد مجرد أداة والجيش التونسي هو الجهة الحقيقية خلف الانقلاب

اعتقالات تونس.. إحباط لتآمر على الدولة أم تعزيز لقبضة الرئيس؟

إيكونوميست: قيس سعيّد يتبنى نظرية "الاستبدال العظيم" لشغل التونسيين عن إخفاقاته