اعتبر تحليل نشره موقع "ميدل إيست آي" أن تحول الإمارات إلى مركز رئيسي للشبكات المالية والاقتصادية والجغرافية الاستراتيجية الروسية، لاسيما بعد غزو أوكرانيا، يأتي في إطار سياسة العائلة الحاكمة الإماراتية، وبالتحديد جناح "أبناء فاطمة" الذي ينحدر منهم محمد بن زايد وأخواه طحنون ومنصور، لتوليد القوة في العلاقات الدولية لدولة خليجية تحاول رسم سياسة مختلفة لها بالمنطقة، اعتمادا على شكل العلاقات مع القوى العظمى بالعالم.
ويقول التحليل، الذي كتبه أندرياس كريج، مستشار المخاطر الاسراتيجية أستاذ الدراسات الدفاعية في كينجز كولدج لندن، وترجمه "الخليج الجديد"، إن نهج أبوظبي المرتكز على سياسة الشبكات تجاه روسيا يعرض طريقة جديدة ومبتكرة لإعادة تصميم "فن الحكم" في الإمارات، وهي طريقة تتجاوز مسألة قلق حكام تلك الدولة الخليجية من مخاطر عزل دولتهم من قبل أمريكا والغرب بسبب تعاملها مع روسيا في هذا الوقت الحساس.
ويضيف كريج أنه في العالم اليوم، تحتل الشبكات التي تقوم على تدفق المعلومات والأفراد ورأس المال خارج سيطرة الدولة بالمعنى الكلاسيكي، مكانة مهمة في أسلوب حكم الدول ورسم سياسات قوتها على المسرح الدولي، وهو ما وعاه حكام الإمارات في إطار سعيهم لتشكيل نموذج حكم يبقيهم في إطار قوي بين ممالك خليجية أكثر منهم حجما وثراء، وفقا للمعايير التقليدية.
ويرى التحليل أن الانتشار الواضح لسلطة الإمارات، بعيدًا عن البيروقراطيات المتضخمة والمرتكزة على الدولة والمنظمة هرميًا، منحت "أبناء فاطمة" فرصًا لتنظيم السلطة والنفوذ من خلال الشبكات العامة والخاصة التي يبدو أن عقدها تعمل بشكل مستقل عن الدولة.
فن خلق القوة
تشكل العبارة السابقة مرتكزا لسياسات حكام الإمارات الآن، منذ صعود محمد بن زايد وإخوانه إلى السلطة من "أبناء فاطمة"، حيث أوجدوا نمطا مختلفا من القوة من خلال تفويض الحكم بشكل مدروس لشبكات الوكلاء والوسطاء لتعزيز خفة الحركة والوصول والسيطرة على دائرتهم الداخلية.
ووفق كريج، يسمح فن الحكم القائم على الشبكة في دولة الإمارات لـ"أبناء فاطمة" بالاستفادة بشكل مباشر من الشبكات العالمية الأخرى وربط عقدها بشكل مباشر أو غير مباشر بمركز قوتها في أبوظبي.
وكان لشقيقي محمد بن زايد، منصور وطحنون، دور فعال بشكل خاص في محاولة توجيه تدفق المعلومات والأشخاص ورؤوس الأموال إلى شواطئ الخليج.
كانت روسيا هدفًا خاصًا لبناء شبكات "أبناء فاطمة"، على الأقل منذ أن كانت الأموال الروسية تبحث عن ملاذات آمنة جديدة بعد قرار الكرملين بغزو أوكرانيا.
وعلى غرار الإمارات، تم تفويض فن الحكم الروسي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين إلى أفراد ومؤسسات موثوق بهم ومرتبطين مباشرة بمركز قوة الكرملين.
وبالتالي ليس من المستغرب أن الشبكات الروسية الإماراتية كانت تتكامل بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة، يقول الكاتب.
وقد استخدم منصور وطحنون بن زايد بشكل فعال أدواتهم التنفيذية المختلفة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها لخلق فرص لبناء الشبكات.
وإلى جانب العقد الواضحة في قطاع الطاقة، مثل شركة بترول أبوظبي الوطنية، سهلت العديد من الأدوات المصرفية وصول المقربين من الكرملين إلى الأسواق المالية العالمية عبر الإمارات، بعد أن فرض الغرب عقوبات على روسيا.
ويقول التحليل إنه لطالما عملت إمبراطورية طحنون بن زايد الشاسعة شبه الخاصة، التي يديرها تكنوقراط موثوق بهم، جنبًا إلى جنب مع شبكات منصور المالية، لتشكيل شبكات اقتصادية وتجارية مع روسيا.
وقبل حرب أوكرانيا، كانت هذه الإمبراطورية تسهل دخول الشركات والمجموعات الروسية إلى السوق، بما فيها "فاجنر"، الميليشيا المسلحة المقربة من الكرملين، حيث ثبت أن شركة Kratol Aviation في الإمارات كانت إحدى العقد الرئيسية لشبكة أعمال "فاجنر" في أفريقيا والشرق الأوسط، وأسهمت تلك الشركة في تسهيل تمويل عمليات "فاجنر" في تلك المسارح، وهو ما توصلت إليه المخابرات الأمريكية
ما الذي يحصل عليه "أبناء فاطمة" في المقابل؟
يجيب أندرياس كريج على هذا السؤال، قائلا أبوظبي أصبحت مركزًا لا غنى عنه لمجموعة من العقد في شبكة عالمية واسعة تؤثر في العالم.
وبالنسبة لروسيا، فإن الإمارات، التي تبدو دولة صغيرة، تطورت لتصبح بوابة حاسمة لموسكو للوصول إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلاً عن ملاذ مالي يحافظ من خلاله نظام بوتين على الوصول إلى الأسواق العالمية.
وتخلق هذه الشبكات تبعيات يمكن لأبوظبي استخدامها كرافعة لسياسات حكام الإمارات، حيث لا يستفيدون من روسيا فقط، ولكن يجعلون الشبكات الإماراتية أكثر جاذبية من أي وقت مضى للقوى العظمى الأخرى، مثل الصين والولايات المتحدة.
وفي عالم متعدد الأقطاب، تستخدم أبوظبي النفوذ الذي تكتسبه للمساومة والتوسط في دفع مصالح "أبناء فاطمة" أولاً، وبالتالي المصالح الوطنية للإمارات، كما يقول الكاتب.
ويختم كريج تحليله بالقول: "توفر هذه الشبكات بعد ذلك وسائل مرنة، والأهم من ذلك، طرقا سرية لإدارة الدولة التي حولت أبوظبي من دولة صغيرة سلبية تعتمد بشكل مفرط على الولايات المتحدة، إلى لاعب حازم على المسرح الإقليمي تحتاج القوى العظمى إلى الانخراط معه، سواء كانت تريد أم لا؟".
