الأمن الغذائي وشبح التضخم والمديونية

الاستعداد لأزمة غذاء عالمية يتطلب خطط للتخفيف من وطأتها قبل ان تحولها لديون بفوائد عالية تفاقم التضخم والانهيار الاقتصادي.

الدول العربية الفقيرة مطالبة بتحسين مناعتها السياسية أمام التضخم والمديونية وضغوط تتجاذبُها قوى متصارعة دوليًا فالعام المقبل لن يكون أفضل من سابقه.

تحذير أممي من تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي بعد تعطل سلاسل الإمداد وتغير المناخ وكورونا، وتشديد الأوضاع المالية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وحرب أوكرانيا ما ينذر بأزمة غذاء عالمية.

*   *   *

حذر بيان مشترك لرؤساء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة التجارة العالمية بشأن أزمة الغذاء والأمن الغذائي العالمي خلال اجتماع مسؤوليها في 8 شباط/ فبراير الحالي، من ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الامن الغذائي بعد اجتماع تعطل سلاسل الإمداد، وتغير المناخ، وأزمة جائحة كورونا، وتشديد الأوضاع المالية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والحرب في أوكرانيا في مدى زمني قصير منذراً بأزمة غذاء عالمية.

إذ أشار المجتمعون في بيانهم الى تقرير برنامج الأغذية العالمي الذي لفت الى معاناة 349 مليون شخص في 79 بلدا من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وارتفاع معدل انتشار سوء التغذية في ظل توقعات بانخفاض الإمدادات الغذائية العالمية إلى أدنى مستوى لها في 3 سنوات في 2022/2023.

وأشار المجتمعون الى ان ثمة حاجة ملحة بشكل خاص في 24 بلدا اعتبرتها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي بؤرا للجوع للدعم، منها 16 بلدا في أفريقيا التي تراجعت قدرتها على تحمل تكلفة الأسمدة منذ أزمة الغذاء في 2007/2008، مما ادى إلى انخفاض إنتاج المواد الغذائية، وتأثر صغار المزارعين أكثر من غيرهم.

كما اشاروا الى انخفاض إنتاج الأرز في عام 2022 الذي تعد أفريقيا أكبر مستورد له في العالم، مقترنًا باحتمالات انخفاض المخزونات، في حين أنفقت البلدان أكثر من 710 مليارات دولار على تدابير الحماية الاجتماعية التي تغطي مليار شخص استجابة لتضخم أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة، لم يتم إنفاق سوى 4.3 مليارات دولار منها في البلدان منخفضة الدخل، مقابل 507.6 مليارات دولار في البلدان مرتفعة الدخل.

الأرقام والتوقعات تشير الى ازمة يُتوقع ان تتفاقم؛ بفعل تراجع القدرة الإنتاجية لأوكرانيا التي فاقت خسائرها في البنية التحتية والصناعية والزراعية والبشرية المنتجة التريليون دولار، علما ان اوكرانيا تحتلّ: المركز الأول عالمياً في صادرات دوار الشمس وزيته، الخامس عالميّاً في تصدير القمح، الرابع في إنتاج الشّعير، الخامس في إنتاج الذرة، غير أن تراجع قدراتها الإنتاجية بات حقيقة أشار لها تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بعد تسعة أشهر من الحرب؛ بحيث أُجبرت 40% من الاسر الريفية على تقليص الأنشطة الزراعية، أو التخلي عنها، علما ان الأسر الريفية تنتج حوالي 32 في المائة من الإنتاج الزراعي الى جانب الشركات، وفقا لمسح أصدرته (الفاو).

أزمة الغذاء لا تقتصر على الإنتاج، بل على سلاسل التوريد والتصدير وارتفاع اسعار النقل والاسمدة والعقوبات الدولية والحروب التجارية المستعرة في مجال التمويل والإنتاج والتوزيع، والذي عمدت العديد من الدول إلى الاستعداد له، فروسيا على استعداد لأزمة غذاء؛ إذ رفعت انتاجها الزراعي، في حين عمدت الصين الى طرح خطة جديدة لتطوير قطاع الريف الصيني لمواجهة التحدي القادم، لتبقى الدول الفقيرة رهينة بتقلبات الاسواق والصراعات الدولية والعقوبات المتبادلة والحروب التجارية المتوقعة التي تقف على رسها الولايات المتحدة وكندا واستراليا و ودول لاتحاد الاوروبي على رأسها فرنسا، الى جانب روسيا والصين.

ختامًا..

الاستعداد لأزمة غذاء عالمية يتطلب طرح خطط وطنية للتخفيف من وطأتها قبل ان تتحول الى ديون بفوائد عالية تقود الى مزيد من التضخم، والانهيار الاقتصادي في العديد من الدول، خاصة العربية الفقيرة التي باتت مطالبة بإستراتيجية تحسن مناعتها السياسية أمام شبح التضخم والمديونية، وضغوط تتجاذبُها فيه القوى المتصارعة دوليًا، فالعام المقبل لن يكون بأفضل من الذي سبقه.

*حازم عياد كاتب صحفي في العلاقات الدولية