عواصم عربية منذ الزلزال.. إعادة إعمار متسارعة للعلاقات مع الأسد

الثلاثاء 28 فبراير 2023 10:31 ص

ما إن ضرب الزلزال المدمر سوريا، في 6 فبراير/ شباط الجاري، حتى بدأ مسؤولون عرب يتوافدون بوتيرة مكثفة على دمشق في "زيارات تضامنية" تسّرِع من عملية إعادة إعمار العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

الأسد كان يعاني من عزلة عربية شبه تامة منذ أن قررت جامعة الدول العربية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، تعليق عضوية سوريا؛ جراء اعتماده الخيار العسكري لقمع احتجاجات شعبية مناهضة له اندلعت في مارس/ آذار من العام ذاته للمطالبة بتداول سلمي للسلطة.

ومنذ أشهر، شرعت دول عربية في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، عبر اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري.

لكن يبدو، وفق التطورات، أن هذا المسار بدأ يتسارع بشكل كبير منذ الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا، وأودى بحياة عشرات آلاف الأشخاص في البلدين وخلَّف دمارا ماديا واسعا.

رسالة السيسي

حاملا ما اعتبرتها الخارجية المصرية "رسالة تضامن عقب كارثة الزلزال"، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري دمشق الإثنين للمرة الأولى لوزير خارجية مصري منذ 2011.

شكري سلم الأسد رسالة من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي (لم يُكشف عن محتواها)، وشدد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوري فيصل المقداد على أن "العلاقات التي تربط بين الشعبين (المصري والسوري) قوية وراسخة".

وضمن زيارات التضامن، زار شكري في اليوم نفسه تركيا التي تبذل هي ومصر جهودا مكثفة منذ فترة لإعادة تطبيع كامل لعلاقات مشتركة تضررت منذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي صيف 2013.

وفد برلماني

والأحد، زار عدد من رؤساء البرلمانات العرب دمشق، في خطوة قالوا إنها للتعبير عن دعمم دولهم لسوريا بعد كارثة الزلزال.

والتقى الوفد مع الأسد، قبل أن يحضر جلسة لمجلس الشعب السوري. وضم الوفد كلا من رئيس البرلمان الإماراتي صقر غباش، والمصري حنفي الجبالي، والأردني أحمد الصفدي.

كما ضم الوفد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، والليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، وعضو مجلس النواب اللبناني أيوب حميد، وممثل عن مجلس الشورى العماني.

زيارة مسقط

وفي زيارة مفاجئة للكثيرين، هبطت  طائرة الأسد بمسقط في 21 فبراير/ شباط الجاري، وأجرى مباحثات مع سلطان عمان هيثم بن طارق.

سلطان عمان، وخلال الاجتماع مع الأسد، جدد "تعازيه ومواساته الصادقة لفخامة الرئيس الضيف وللشعب السوري الشقيق في ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب بلاده وجمهورية تركيا"، وفق وكالة الأنباء العمانية.

فيما شكر الأسد، بحسب الرئاسة السورية، السلطان وحكومته وشعبه على المساعدات الإغاثية، وشدد على أن "الشكر الأكبر هو لوقوف عُمان إلى جانب سوريا خلال الحرب الإرهابية عليها"، على حد قوله.

اعتراض الدوحة

ووفق البروفيسور البريطاني أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الأمنية بكلية "كينجز لندن"، فإن زيارة الأسد المفاجئة لمسقط هي نتيجة للاجتماع العربي في أبوظبي يوم 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث جرى الاتفاق على "دفع التطبيع مع نظام الأسد".

وقمة أبوظبي جمعت كلا من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وسلطان عمان،وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وملك الأردن عبدالله الثاني، ورئيس مصر.

ومتحدثا عن التطبيع، قال كريغ، وهو أيضا زميل في معهد كينجز لدراسات الشرق الأوسط، إن "قطر عارضت هذه الخطوة بشدة خلال الاجتماع السداسي".

تلميح سعودي

وخلال جلسة حوارية على هامش "مؤتمر ميونخ للأمن" في 18 فبراير/ شباط الجاري، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إنه يوجد "إجماع عربي على أن الوضع الراهن في سوريا يجب ألا يستمر"، وعلى ضرورة "إيجاد توجه مختلف" إزاء ذلك.

وتابع: "هذا التوجه لم نتوصل له بعد"، مشددا على "أهمية معالجة الجانب الإنساني في سوريا ووجود مسار واضح مع دمشق بشأنه". وهي تصريحات اعتبر مراقبيون أنها تلميح إلى قرب تحرك الرياض نحو نظام الأسد.

وتلك التصريحات تتوافق مع إعلان بن فرحان، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن  الرياض "تعمل مع شركائها لإيجاد طريقة للتعامل مع حكومة (النظام السوري) دمشق بطريقة تقدم تحركات ملموسة نحو حل سياسي".

وبعد الزلزال، سارعت السعودية إلى تقديم مساعدات إغاثية إلى مناطق واقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وهبطت طائرات إغاثية سعودية في دمشق للمرة الأولى منذ 2011.

تأكيد إماراتي

وفي 12 فبراير/ شباط الجاري، زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان دمشق والتقى الأسد، لكنها الزيارة الثالثة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

ومبكرا، بدأت أبوظبي، التي تنتهج سياسة خارجية براجماتية، تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، الذي زار العاصمة الإماراتية في مارس/آذار 2022 في زيارة كانت الأولى له إلى دولة عربية منذ 2011.

وقبل 3 أعوام، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، ودعت أكثر من مرة إلى عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية.

تونس ولبنان والبحرين

وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، تلقى الأسد اتصالا هاتفيا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.

وبعد أيام عن الزلزال، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد قراراه رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا. وهي خطوة ربما تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الأسد.

وقال سعيّد، الذي قطعت بلاده العلاقات مع دمشق قبل 10 سنوات، إن قضية النظام السوري شأن داخلي، والسفير يُعتمد لدى الدولة وليس النظام.

فيما نقل وفد وزاري لبناني مكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أي دولة أو جهة.

وهذا أول وفد وزاري رسمي لبناني يزور دمشق منذ اندلاع النزاع 2011، بينما توجه إليها في السابق وزراء لبنانيون بمبادرات شخصية، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة في بيروت قد اتبعت سياسة "النأي بالنفس" عن النزاع في سوريا.

"رئيس عربي عادي"

مع تلك الزيارات والتصريحات يبدو أن الأسد "يستغل كارثة الزلزال لتسريع حركة كسر عزلته الإقليمية والعربية"، وذلك "عقب حملته الوحشية على شعبه بعد انتفاضة عام 2011"، ضمن صراع أودى بحياة نصف مليون شخص على الأقل وشرد 13 مليون شخص داخل وخارج البلاد، بحسب الصحفي إليس جيفوري، في تحليل نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

ومتفقا مع جيفوري، ذهب جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لـ"جلف ستيت أناليتيكس" وهي شركة استشارية بواشنطن للمخاطر الجيوسياسية، إلى أن "دبلوماسية الزلزال" سرَّعت مشاركة المزيد من حكومات الشرق الأوسط في التعامل مع الأسد كأنه "رئيس عربي عادي".

وأردف كافيرو، بحسب تحليل الموقع البريطاني، أن المزيد من الدول العربية سعت إلى تسريع ذوبان الجليد مع النظام السوري، بذريعة تقديم الدعم بعد الزلزال، مشيرا إلى أول اتصال بين السيسي والأسد، وأول زيارة لوزير خارجية الأردن أيمن الصفدي  لدمشق منذ 2011، إلى جانب طائرات الإغاثة السعودية والإماراتية المحملة بالمساعدات.

وخلال التفاوض بشأن كيفية دخول تلك المساعدات وغيرها، "نجح الأسد جزئيا في استغلال الزلزال لإعادة ترسيخ مكانته كمحاور شرعي وحيد"، وفق سهيل الغازي، باحث سوري، في تحليل نشره موقع "أتلانتك كاونسل".

لكن يبدو أن إعادة إعمار العلاقات مع المزيد من العواصم العربية ليس الهدف الأكبر بالنسبة للأسد. وبحسب ماورو بريمافيرا، باحث في الجامعة الكاثوليكية بميلانو، فإن الأسد ينتظر "الجائزة الكبرى"، وهي عودته إلى جامعة الدول العربية، وفق تحليل "ميل إيست آي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا الزلزال علاقات تطبيع بشار الأسد

سفير أمريكي: سببان لعدم تقيد الخليج بسياسة واشنطن في أوكرانيا وسوريا

ناشونال إنترست: استراتيجية الأسد لاستعادة نفوذه تمر عبر لبنان