مركز أمريكي يرجح: الطريق مسدود أمام التطبيع الإقليمي مع نظام الأسد

الخميس 9 مارس 2023 06:29 ص

سلطت كارولين دي روز، الباحثة في مركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، الضوء على آثار الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، ومنها اتجاه عديد الدول في الإقليم نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد، مرجحة وصول هذا الاتجاه إلى طريق مسدود في النهاية.

 وذكرت كاورلين، في تقرير نشرته بموقع المركز الأمريكي وترجمه "الخليج الجديد"، أن الجيران الإقليميين سارعوا إلى الاستجابة لأزمة الزلزال، وإرسال الموارد وفرق الإنقاذ والمعدات والمساعدات المالية، وفي خطوة نادرة، سمح النظام السوري للمساعدات الإنسانية بعبور معبرين حدوديين إضافيين. لكن هذه القرارات جاءت مصحوبة بشروط سياسية.

وفي حين سعى نظام بشار الأسد إلى استخدام الدمار كفرصة لضمان تخفيف العقوبات، فإن الدول المجاورة تغرق دمشق بالمكالمات الهاتفية والالتزامات الجديدة والارتباطات رفيعة المستوى، ما يخلق زخمًا أكبر للتطبيع مع سوريا.

ما يريده النظام السوري

وبعد ما يقرب من 12 عامًا على اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وبدعم من القوات الروسية وفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، أعاد الجيش السوري توحيد معظم الأراضي الخاضعة لسيطرته.

بدأت قوات الفرقة الرابعة والجيش السوري في التوغل أكثر في المناطق الجنوبية من السويداء ودرعا، واستعادة السيطرة المحلية وإقامة تواجد أمني.

في شمال شرق البلاد، حيث يبدو الوجود الأمريكي أكثر ترددًا في مواجهة الهجمات التركية المتكررة، قطع النظام خطوات واسعة في ترتيب صفقات أمنية تحت الطاولة مع الأكراد والأتراك، ما وسع وجوده ونفوذه هناك.

وبينما كانت هناك احتجاجات واشتباكات متفرقة مناهضة للحكومة، فإن سجل النظام الممتد لما يقرب من 12 عامًا في قمع جميع أشكال المعارضة قد ضمن البقاء السياسي لعائلة الأسد.

ومع ذلك، ليست كل الأشياء في دمشق مشرقة، فقد أدت العقوبات الدولية والعزلة الدبلوماسية النسبية إلى زيادة الضغط الشديد على الاقتصاد السوري.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، سجلت الليرة السورية مستوى منخفضًا جديدًا عند 7000 مقابل الدولار الأمريكي، بسبب التضخم المتصاعد ونقص الوقود والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور.

وتسيطر الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال الشرقي على أكبر حقول النفط في سوريا، بينما أبطأت إيران شحناتها النفطية إلى البلاد.

ورغم أن العديد من مسؤولي النظام استفادوا شخصيًا من شبكات المحسوبية وتدفقات الإيرادات غير الرسمية مثل تجارة الكبتاجون غير المشروعة، لكن الحكومة لا تزال تسعى إلى التخفيف من وطأة العقوبات.

وأتاحت المأساة الإنسانية لزلزال 6 فبراير/شباط للحكومة السورية فرصة للقيام بذلك. ومع تزايد الطلب على الدعم الإنساني والمالي في المناطق التي يصعب الوصول إليها في الشمال، طالب النظام الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية بالعمل عبر دمشق، وليس حولها، لتعزيز شرعيتها.

وبينما منحت دول مثل الولايات المتحدة إعفاءات تراخيص لمدة 180 يومًا للدول التي تسعى إلى مساعدة السوريين، ألقى النظام باللوم على العقوبات في تفاقم الأزمة الإنسانية.

الاستجابة الإقليمية

وأدى تعامل النظام السوري مع مساعدات الزلزال إلى تسريع عملية التطبيع بين جيرانه العرب. فمنذ عام 2011، فرض جيران سوريا إجراءات عقابية على النظام.، ودعمت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا قوى المعارضة في البلاد، وتم طرد سوريا من جامعة الدول العربية، وسحبت الدول سفاراتها من دمشق، وكانت البلاد معزولة اقتصاديًا وسياسيًا لأكثر من عقد من الزمان حيث امتثلت المنطقة للعقوبات الدولية.

لكن الإحباط ونفاد الصبر نما بين الكثيرين من أن الإجراءات العقابية لم تغير سلوك النظام ولم تعالج الوضع الأمني المتردي في سوريا ولم تساعد على إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

وفي السنوات القليلة الماضية، أصبح بعض جيران سوريا أكثر صراحة بشأن تغيير موقفهم مع النظام، ويجادلون بأن الانخراط في التطبيع معه يمكن أن يؤدي إلى الإصلاح، وموازنة النفوذ الإيراني في البلاد وتحقيق تسوية سياسية في سوريا.

وقبل الزلزال، قادت دول مثل الإمارات العربية المتحدة زمام التطبيع مع نظام الأسد، ودعت المسؤولين السوريين إلى الحوارات الإقليمية، وخففت القيود المفروضة على التأشيرات، وأرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق، والتزمت ببناء محطة للطاقة الشمسية في دمشق، حتى استضافت الأسد نفسه في أبو ظبي.

وكانت مصر من أشد المؤيدين للتطبيع مع النظام السوري، حيث ضغطت مرارًا وتكرارًا على جامعة الدول العربية لإعادة قبوله كعضو والتعامل مع المسؤولين السوريين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأرسل الأردن، الذي يشعر بالقلق من تنامي نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في جنوب سوريا والتوسع المحتمل للاجئين والعنف، مسؤولين على مستوى منخفض للتحدث مع المسؤولين السوريين على هامش المؤتمرات الإقليمية وفتح معبر جابر - نصيب الحدودي مع سوريا.

وحتى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أحد أشد منتقدي نظام الأسد، أشار إلى تغيير رأيه قبل أسابيع فقط من الزلزال.

وعلى أمل إعادة اللاجئين السوريين الذين يُنظر إليهم على أنهم عبء اقتصادي على تركيا قبل الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار، فوض أردوغان كبار المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين لمناقشة التعاون مع نظرائهم السوريين في استهداف وحدات الحماية الشعبية الكردية، التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية، وإقامة مساحة في شمال سوريا لاستضافة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.

وقبل أسابيع فقط، كان التقارب الإقليمي يسير ببطء، حيث كانت الدول الإقليمية تزن فوائد ومخاطر التطبيع الكامل مع دمشق أثناء دراستها لنهج الإمارات العربية المتحدة.

ولكن عندما ضرب الزلزال وواجهت الدول الحاجة إلى التعامل مع نظام الأسد لإدارة المساعدات الإنسانية، فُتحت الأبواب أمام الدول التي تسعى إلى اختبار حدود ومزايا هذا التعامل.

وتعهدت الإمارات بتقديم 50 مليون دولار لمساعدة سوريا وأرسلت فرق إغاثة وإنقاذ، كما أرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق لإجراء مناقشات، وحذت الأردن حذوها، فاستأنفت جهود التطبيع وأرسلت وزير خارجيتها إلى العاصمة السورية يوم 15 فبراير/شباط الماضي لإجراء مناقشات. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قد اتصل بالأسد للمرة الأولى في 7 فبراير/شباط الماضي.

كجزء من الاتحاد البرلماني العربي، سافر برلمانيون من العراق والأردن والأراضي الفلسطينية وليبيا والإمارات ومصر، إلى جانب ممثلين عمانيين ولبنانيين، إلى دمشق للقاء الأسد وكبار المشرعين السوريين. وحتى المملكة العربية السعودية، التي كانت ذات يوم من بين أكثر الدول حذراً بشأن التطبيع مع دمشق، أرسلت طائرات تحمل مساعدات إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام في حلب بعد إرسال المساعدة في البداية فقط إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا.

ترجيح المستقبل

يمثل زلزال فبراير/شباط الماضي فصلًا جديدًا في الحرب السورية، حيث يخلق مساحة للاعبين الإقليميين لاختبار الأجواء من أجل إعادة الانخراط في العلاقة مع نظام الأسد، والفرص الاقتصادية المحتملة، وعودة السوريين إلى وطنهم، وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع المستمر منذ 12 عامًا.

ومع ذلك، لا تزال المشكلات قائمة، فليس هناك ما يضمن تعديل نظام الأسد لسلوكه أو التزامه بالإصلاحات، المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة 2254، والضرورية لإلغاء العقوبات، كما يأمل العديد من جيرانه. وفي حين فتح النظام السوري مؤقتًا سلسلة من نقاط التفتيش الحدودية للسماح لقوافل المساعدات بالمرور، فقد صادر عدة شاحنات وقود كثمن للسماح بمرورها، كما أوقفت قوات الفرقة الرابعة السورية قوافل عند المعابر مثل الطيحه.

واستخدم نظام الأسد هذه الارتباطات للترويج للاعتراف به، مع القليل من الدلائل على أنه تنازل عن مناقشات حول التسوية السياسية في سوريا، أو حول تدابير أمنية أكثر واقعية.

وهناك قيد إضافي على الانخراط في تطبيع للعلاقات مع نظام الأسد، يتمثل في مقاومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل. إذ لا يزال الغرب ملتزمًا بفرض عقوبات على سوريا، ويمارس ضغوطًا على الدول التي تسعى إلى تحسين العلاقات مع دمشق.

ولم ترحب إسرائيل بالتطبيع مع نظام الأسد خوفًا من أن يؤدي التقارب مع سوريا إلى تعزيز الوجود الإيراني الكثيف.

ومن شأن هذه السياسات المتباينة أن توقف التقارب مع النظام السوري في النهاية، ولذا ترجح كاورلين أن تواصل حكومات الشرق الأوسط نهجها عبر التحرك بكامل قوتها إلى الأمام نحو التطبيع مع الأسد، "حتى تصل إلى طريق مسدود".

المصدر | كارولين دي روز | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا زلزال سوريا بشار الأسد الكبتاجون النظام السوري السعودية الإمارات عبدالفتاح السيسي

دول عربية تعرض صفقة على بشار الأسد لإخراجه من عزلته.. هذه تفاصيلها