التقارب السعودي الإيراني.. كسر للجمود ومخاوف قد تعيد الخلاف

الأحد 19 مارس 2023 04:53 م

في اختراق كبير، وقّعت السعودية وإيران في 10 مارس/آذار 2023، اتفاقية لاستعادة علاقتهما الدبلوماسية، والتي قطعت في عام 2016 بعد أن تعرضت سفارة المملكة في طهران والقنصلية في مشهد للحرق والنهب من قبل متظاهرين ضد إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي نمر النمر.

وقد اتفق البلدان على احترام سيادة الطرف الآخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. كما اتفقا على تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني التي وقعاها في عام 2001، والتعاون في مجالات أخرى مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار وغيرها.

يرى مقال براسانتا كومار برادهان في موقع معهد "مانوهار باريكار" للدراسات الدفاعية، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أنه بالنسبة للسعودية، فإن تدخلها العسكري في اليمن لم يحقق النتيجة المرجوة من إخراج الحوثيين من العاصمة صنعاء بل كان استنزافا لاقتصادها؛ لذلك تريد الرياض حلاً مقبولاً وخروجاً مشرفاً من الحرب في اليمن.

ومنذ عام 2015، واجهت السعودية عددًا كبيرًا من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار من قبل الحوثيين، والتي برزت كتحدٍ بالغ الأهمية للأمن القومي للمملكة.

ويضيف الكاتب أنه من خلال توقيع اتفاقية مع إيران لإعادة الحياة إلى طبيعتها، تأمل المملكة في حماية الحدود والبنية التحتية الحيوية من هجمات الحوثيين.

ويشير أيضا أنه لتحقيق الأهداف التي وضعوها أمام أنفسهم في إطار الرؤية السعودية 2030، فإن السلام طويل الأمد مع إيران ضروري.

ويمثل الاشتباك العسكري المطول في اليمن عائقًا أمام تحقيق هذه الأهداف؛ لذلك فإن الاتفاق مع إيران هو خطوة عملية للسعودية على صعيد أمنها القومي وتنميتها الاقتصادية.

ومن خلال استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، ستحاول إيران إنهاء العزلة المتزايدة التي تواجهها في المنطقة وخارجها. ويتوقع أن تتلقى دعمًا من دول المنطقة بشأن قضيتها النووية.

ومن شأن اتفاق مع السعودية أن يساعد في تعزيز علاقاتها مع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي أيضًا، ولا سيما البحرين والإمارات.

وسيأتي الاتفاق كإغاثة فورية للحكومة الإيرانية التي واجهت احتجاجات في الأشهر الأخيرة.

انعكاسات الاتفاق

وفقا للكاتب، إذا تم تنفيذ الاتفاق بالكامل، فإن لديه القدرة على تحسين الوضع في اليمن بشكل كبير. ويمكن أن يؤدي انتهاء العملية العسكرية السعودية وضبط النفس من جانب الحوثيين إلى الحد بشكل كبير من العنف المسلح. كما يمكنها تحسين الوضع الإنساني ومساعدة البلاد على إعادة بناء اقتصادها.

ويمكن أن تتحسن بيئة الأمن البحري في المناطق المجاورة لها في المياه المحيطة بالخليج والبحر الأحمر نتيجة للتعاون المتزايد بين البلدين.

قد لا يتحسن الوضع في بلدان مثل سوريا ولبنان والعراق قريبًا؛ فإيران لها اليد العليا فيها، وقد بنت جمهورها على مدى عقود من المشاركة السياسية والاقتصادية. من ناحية أخرى، لا تتمتع السعودية بنفس الميزة في هذه الدول.

يتوقع الكاتب أن يكون للاتفاق انعكاسات على العلاقات الأمريكية السعودية، على الرغم من أنهما شريكان استراتيجيان، والمملكة حليف إقليمي مهم للولايات المتحدة في غرب آسيا، إلا أن تطبيع العلاقات مع إيران في وقت لا تزال فيه محادثات فيينا النووية غير حاسمة، يشير إلى طريق صعب أمام علاقتهما الثنائية.

إلى جانب ذلك، تأتي الاتفاقية بالصين إلى منطقة الخليج كعنصر فاعل مهتم بالأمن الإقليمي وكمنافس جيوسياسي للولايات المتحدة، وهو ما يعد ازدراءً سعوديا لواشنطن.

في حين أن الولايات المتحدة قد تبنت تقليديًا سياسة فرق تسد وحرضت دولة ضد أخرى، فقد نجحت الصين، من خلال الوساطة، في الجمع بين السعودية وإيران معًا.

وتعتزم الصين تشكيل تصور المجتمع الدولي حول صورتها ودورها كلاعب محايد وخيّر في منطقة الخليج المضطربة.

سيكون للتقارب السعودي الإيراني، وفقا للباحث، تأثير على العلاقة بين إسرائيل والسعودية، فبالرغم من عدم وجود علاقة دبلوماسية رسمية، أجريا محادثات غير مباشرة في الآونة الأخيرة. وفي أعقاب اتفاقات "أبراهام" التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، هناك الكثير من التكهنات حول انضمام الرياض أيضا.

لكن الكاتب يرى أن إعادة العلاقات مع إيران جاءت بمثابة صدمة شديدة للطموحات الإسرائيلية. ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باللوم على فشل السياسة الإقليمية للرئيس جو بايدن وسياسات الحكومتين السابقتين ليائير لابيد ونفتالي بينيت في نجاح الاتفاق.

ولكن لا تزال علاقة إسرائيل مع دول الخليج العربية صعبة مع استمرار تطور الجغرافيا السياسية الإقليمية أسرع مما كان متوقعا.

الوساطة الصينية

تحدث الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تغييرًا مهمًا بالوضع الراهن في الجغرافيا السياسية الإقليمية في غرب آسيا.

فالصين، كوسيط، كانت مقبولة من السعودية وإيران، حيث يتمتع كلا البلدين بعلاقة قوية معها، وقد دعمت بكين طهران في عدد من القضايا؛ بما في ذلك القضية النووية.

وفي عام 2021، وقعت الدولتان اتفاقية شاملة طويلة الأجل لمدة 25 عامًا تعهدت بموجبها الصين باستثمار حوالي 400 مليار دولار أمريكي في إيران بقطاعات مختلفة. كما تحدت العقوبات الأمريكية واستمرت في شراء النفط من طهران، وكان هناك تبادل منتظم للزيارات بين البلدين على أعلى المستويات.

كما أقامت السعودية علاقة اقتصادية قوية مع الصين، والقدرة على الحفاظ على وجودها في منطقة الخليج التي تهيمن عليها الولايات المتحدة ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي للصين.

التحديات

بالرغم من التفاؤل الذي أبدته كل من إيران والسعودية، يعتقد الكاتب أنه لا يزال هناك عدد من التحديات أمامهما. أولا، إلى أي مدى يمكن لطهران معالجة وتخفيف حساسيات المملكة والمخاوف بشأن الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي، يظل سؤالًا كبيرًا.

ثانيًا، سيعتمد الكثير أيضًا على نجاح الاتفاق لتوفير درع حماية للسعودية من هجمات الحوثيين. ثالثًا، تخشى إيران من المدى الذي ستساعده الاتفاقية في إنهاء عزلتها وتسهيل محادثات فيينا النووية ورفع العقوبات المفروضة عليها.

إذا لم تتم معالجة المخاوف الرئيسية لكلا البلدين بعد تنفيذ الاتفاقية، فهناك احتمال أن يعود الوضع إلى المربع الأول.

كخلاصة؛ يعد الاتفاق خطوة إيجابية لكسر الجمود، لكن الكثير يعتمد على الحفاظ على الزخم الذي تم اكتسابه نتيجة للمحادثات.

من السهل نسبيًا الحفاظ على التعاون بشأن القضايا غير المثيرة للجدل مثل التجارة الثنائية والاستثمار والثقافة وما إلى ذلك، لكن إقامة تعاون في المسائل الأمنية سيستغرق وقتًا ويتطلب مزيدًا من المفاوضات والثقة بينهما.

المصدر | براسانتا كومار برادهان / معهد مانوهار باريكار للدراسات الدفاعية/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الصين اليمن الاتفاق الإيراني السعودي

خسائر متوقعة للسعودية وإيران بعد اتفاق إعادة العلاقات.. وإسرائيل وأمريكا تترقبان للتخريب

الرياضة في قلب السياسة بين السعودية وإيران.. كيف؟