جيوبوليتيكال فيوتشرز: لهذه الأسباب.. التطبيع السعودي الإيراني مقامرة لن تدوم

الأحد 19 مارس 2023 02:21 م

اعتبر تحليل نشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، أن الدوافع التي قربت بين السعودية وإيران وأوصلتهما لنقطة توقيع اتفاق، برعاية الصين، لإعاد العلاقات بينهما، موجودة ومقدرة، لكنها لا تعني أن التطبيع بين الخصمين اللدودين سيدوم، معتبرا أن الأمر برمته "مجرد مقامرة" من الرياض وطهران.

وقال التحليل، الذي كتبته المحللة البارزة كارولين روز، وترجمه "الخليج الجديد"، إن عدم الاستقرار الداخلي في إيران، والموجة الأخيرة من جهود التطبيع بين الخصوم  السابقين في المنطقة، مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر وإسرائيل، والموت البطيء للاتفاق النووي الإيراني، وعلامات على مزيد من فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، كانت هي البذور التي نمت من خلالها رغبة الرياض وطهران في التقارب مجددا.

التوترات كامنة تحت السطح

لكن التوترات المستمرة منذ عقود لا تزال كامنة تحت السطح؛ مما يجعل التقارب "مقامرة" لكلا البلدين، على حد قول روز.

وتضيف أن كلتا القوتين تعتبران نفسيهما قادة طبيعيين في الشرق الأوسط، من الناحية الجغرافية والأيديولوجية، حيث تعتقدان أنهما مؤهلتان تمامًا لإبراز القوة وتشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية لصالحهم.

تعتبر السعودية نفسها زعيمة العالم العربي السني ولها تأثير كبير على جيرانها الخليجيين والدول العربية السنية الأخرى.

تقع الرياض بين البحر الأحمر والخليج العربي وتحد بلاد الشام، وتتمتع بموقع مركزي.

وأحد أعظم نقاط القوة في السعودية هو نفوذها الأيديولوجي، حيث تعتبر مسقط رأس الإسلام والحرمين الشريفين مكة والمدينة.

ويقترن ذلك بثروة لا حصر لها، مدعومة بالمشهد الغني بالنفط في البلاد، مع ثاني أكبر احتياطيات في العالم.

أما إيران، فهي موطن لأكثر من ثلث المسلمين الشيعة في العالم - وهي هوية متأصلة بعمق في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وقد سعت إيران إلى إضعاف القومية العربية من خلال إدخال المنافسة الطائفية.

وتقول الكاتبة إن الخلافات الأيديولوجية بين السعودية وإيران لعبت دورًا عنيفًا في العراق وسوريا واليمن، حيث قامت طهران ببناء شبكة من الجماعات المسلحة الموالية من خلال الحرس الثوري، أما الرياض، فقد ساعدت خصومها أو تدخلت مباشرة لاحتواء النفوذ الإيراني.

وبينما كانت مواجهة الوجود الإيراني في بلاد الشام على رأس قائمة أولويات السعودية، لم يكن هناك صراع أقرب إلى المركز من الحرب الأهلية اليمنية.

وبمساعدة إيران، صد المتمردون الحوثيون القوات اليمنية المدعومة من الخليج؛ مما أجبر السعودية على تنظيم تحالف من تسع دول والتدخل المباشر، لكن دون رادع.

وفي 2019، شنت إيران ضربات على الأراضي السعودية ومنشآت تخزين النفط التابعة لشركة "أرامكو".

وتضيف الكاتبة أن "مؤتمر الصين السري" لم يكن بأي حال من الأحوال، المحاولة الأولى للتوسط في السلام بين السعودية وإيران، فقد حاولت دول مثل العراق والولايات المتحدة إجراء محادثات لخفض التصعيد الإقليمي، لكن دون نتائج تذكر.

وما يجعل المحاولة في بكين بارزة ليس فقط دور الصين - التي كانت سابقًا جهة فاعلة "محايدة" في المنطقة - ولكن أيضًا الظروف التي جلبت كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات في المقام الأول، وفق الكاتبة.

دوافع التقارب

وقد أدى احتضار الاتفاق النووي وشروع إيران في تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة إلى بدء السعودية واللاعبين الإقليميين الآخرين في استكشاف خيارات أخرى؛ تحسبًا لإيران أكثر خطورة.

نتج عن ذلك موجة من جهود التطبيع الإقليمي بين أعداء سابقين مثل الإمارات وإسرائيل وتركيا وقطر.

وقد حدث التقارب بشكل أساسي على أسس اقتصادية حتى الآن، لكن الهدف الأساسي هو التعاون الأمني في نهاية المطاف ضد قوة إقليمية هائلة: إيران.

ومع ذلك، مع زيادة العسكرة، تزداد احتمالية التصعيد.

وإدراكًا منها أن خطة العمل المشتركة الشاملة تموت، وأن إيران باتت على حافة امتلاك سلاح نووي، سعت السعودية إلى إجراء مناقشات لمحاولة تقليل التوترات الإقليمية.

وأتاحت الاضطرابات المستمرة داخل إيران فرصة للسعودية - والوسطاء الصينيين - لتحقيق اختراق، حيث كشفت الأزمة عن انقسامات سياسية عميقة واستياء من السياسات الاجتماعية والسياسية للبلاد، والتي تفاقمت بسبب الضغط الاقتصادي للعقوبات الدولية، وهي العوامل التي دفعت إيران للجنوح إلى التهدئة والبحث عن مخرج من عزلتها الإقليمية، وكانت الرياض موقعا مثاليا لهذا الأمر، بحسب التحليل.

الجزء الصعب

ووفقا للكاتبة، فإن الجزء الصعب بالموضوع هو قدرة إيران على الوفاء بتعهداتها، بموجب الاتفاق الأخير مع السعودية.

وبحسب ما ورد، وافقت إيران على كبح جماح دعمها للهجمات عبر الحدود على المملكة من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن.

لكن حتى هذه الاتفاقية تحمل مخاطر، حيث يعرف كلا البلدين أن الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران لا تتبع دائمًا توجيهات طهران.

وبينما يمكن لإيران أن تدعي أنها لم تشجع على أي هجوم في المستقبل، فمن غير المرجح أن تأخذ الرياض هذا الكلام على محمل الجد.

وعلى الرغم من أن إيران قد تراجعت عن دعمها لنشاط الحوثيين المتشدد، فمن غير المرجح أن تستجيب لمطالبها بأن تخفف قبضتها على الميليشيات التي تعمل بالوكالة في جميع أنحاء بلاد الشام، وخاصة في لبنان وسوريا والعراق.

هذه القبضة شكلت أحد أعمدة استراتيجية الهلال الشيعي الإيراني، ومكنت إيران من توسيع نفوذها العسكري والأيديولوجي خارج حدودها جغرافياً.

إسرائيل.. الفيل في الغرفة

ثم هناك "الفيل في الغرفة.. إسرائيل"، وهي أحد ألد أعداء إيران الإقليميين، ولن تتقبل التقارب بين طهران والرياض.

وقد حفز الأثر الأمني الأمريكي المنخفض في المنطقة إسرائيل على البدء في صياغة إطار أمني إقليمي جديد، بدءًا من إجراء تعديلات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وغيرها.

وبالنسبة لإسرائيل، كان التطبيع بموجب ما يسمى "اتفاقات إبراهيم" طريقًا لبناء هذا الإطار الأمني الذي سيكون بمثابة تحالف لتقييد إيران ووكلائها.

ولأن الاتفاق السعودي الإيراني الأخير هو أمر سلبي لتل أبيب، فستمارس الأخيرة ضغوطا على أصدقائها الجدد في الخليج للضغط من أجل الحصول على تنازلات كبيرة من إيران، لا سيما فيما يتعلق بدعمها لـ"حزب الله" على طول حدود إسرائيل.

وبخلاف ذلك، ستهدد إسرائيل بإبطاء التقدم في مشاريع البنية التحتية والتجارية والمالية المرتبطة باتفاقية "إبراهيم"، والتي تأمل دول الخليج أن تساعد في تنويع اقتصاداتها.

وبينما تسعى الرياض إلى مزيد من التواصل مع طهران، سيتعين عليها أن تزن الضرر الذي لحق بالعلاقات مع إسرائيل واتفاقات "إبراهيم"، تقول الكاتبة.

ويختتم التحليل بالقول: "وفقًا للجدول الزمني في الصفقة، أمام السعودية وإيران شهران لإثبات التزامهما بالتطبيع، وعلى الرغم من التحول الهائل الذي يمثله التطبيع بين إيران والسعودية، فمن المرجح أن يؤدي عدم الثقة الكامن والمصالح المتباينة إلى إعاقة جهود التطبيع".

المصدر | كارولين روز / جيوبولوتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التقارب السعودي الإيراني التطبيع السعودي الإيراني إيران السعودية

الملك سلمان يدعو الرئيس الإيراني لزيارة السعودية

خسائر متوقعة للسعودية وإيران بعد اتفاق إعادة العلاقات.. وإسرائيل وأمريكا تترقبان للتخريب