عقيدة ترامب وبايدن السياسية.. ماذا فعلت بالشرق الأوسط؟

الأحد 26 مارس 2023 07:46 ص

يبدو أن جميع رؤساء الولايات المتحدة يحتاجون إلى "عقيدة" لسياستهم الخارجية، وقد اشتهر الرئيس جيمس مونرو ببدء هذا الاتجاه عام 1823، وتبعه كثيرون آخرون مثل ترومان، وأيزنهاور، ونيكسون، وريجان، وكارتر، وبوش، وأوباما، على سبيل المثال لا الحصر على خطاه.

يتناول مقال تشارلز دن في "المركز العربي واشنطن العاصمة" مبادئ الرؤساء الأمريكان التي عادة ما تتضمن إعلانًا لمبادئ عليا، وفي كثير من الأحيان، تحذيرًا ضمنيًا من العمل العسكري، عند الضرورة، للدفاع عن المصالح الأمريكية.

ويشير المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن هناك حديثا اليوم عن ظهور "مبدأ بايدن"، وقد تم تعريفه على نطاق واسع على أنه ضرورة ممارسة القيادة الأمريكية في الصراع بين الديمقراطية والسلطوية وهو صراع يتم خوضه بشكل أساسي على أسس أيديولوجية، ولكن في بعض الأحيان في ساحات القتال الفعلية.

"عقيدة بايدن" تعني شيئًا على المسرح العالمي وشيئًا آخر في الشرق الأوسط، عند تطبيقها على النضال العالمي الأوسع ضد تقدم الاستبداد والقمع، فإن مبدأ بايدن في الشرق الأوسط لا يعيد ابتكار نهج الولايات المتحدة في المنطقة بقدر ما يعزز تركيزه التقليدي على القضايا الأمنية والالتزامات العسكرية، ومبيعات الأسلحة، بينما يتجاهل إلى حد كبير المشكلات التي تبدو مستعصية على الحل مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب الأهلية المزعزعة للاستقرار في سوريا، وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة بدرجة مقلقة.

ويضيف الكاتب أن إدارة بايدن قد استعارت أكثر من بضع صفحات من كتاب قواعد اللعبة الذي مارسه ترامب، ويمكن تلخيص "عقيدة ترامب" بأنها "أمريكا أولاً"، أو كما وصفتها استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 بشكل أكثر أناقة بـ"الواقعية المبدئية".

وبالرغم من التغييرات الكبيرة في الخطاب وبعض التعديلات السياسية على نهج سلفه، قد يُطلق على عقيدة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط بشكل أكثر دقة عقيدة ترامب وبايدن.

وفقا للمقال تنبثق عقيدة بايدن بعد فترة وجيزة من تولي إدارة بايدن منصبه في عام 2021، حيث أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن نهج الرئيس للشؤون العالمية مع التعهد بوضع "حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية".

وكان الهدف من النهج الجديد، جزئيًا، هو التمييز بين بايدن وسلفه، الذي قلل بشكل عام من حقوق الإنسان في سياسته الخارجية وصادق الحكام المستبدين، بمن في ذلك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي المثير للجدل.

وتهدف "عقيدة بايدن" إلى إحياء الديمقراطية كنموذج للحكم الرشيد القادر على "الدفاع عن الحرية ودعم الحقوق العالمية، واحترام سيادة القانون، ومعاملة كل شخص بكرامة"، على حد تعبير بايدن نفسه. وقد تم تصميم القمة الثانية للديمقراطية، المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا الشهر، لبناء زخم عالمي لمعالجة "التحديات الناشئة للديمقراطية" في جميع أنحاء العالم.

وقد تم شرح عقيدة بايدن في الشرق الأوسط في خطاب ألقاه في حفل توزيع جوائز رفيق الحريري الافتتاحي للمجلس الأطلسي في فبراير/شباط 2023، حيث أوضح بريت ماكجورك، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط كيف أن "عقيدة بايدن توجه الآن الانخراط الأمريكي في المنطقة"، وقد أوضح الرئيس عناصره الرئيسية في اجتماعه مع دول مجلس التعاون الخليجي+3 في جدة، في يوليو/تموز 2022.

عقيدة بايدن

وترتكز عقيدة بايدن على 5 مبادئ إيضاحية: الشراكة، والردع، والدبلوماسية، والتكامل، والقيم.

ويضيف المقال أن نهجه يركز على "توسيع وتعميق اتفاقيات إبراهيم، أو الأشكال الجديدة مثل منتدى النقب. ويضم المنتدى، الذي سمي باسم قمة الصحراء التي استضافتها إسرائيل في مارس/آذار 022 ، الموقعين الرئيسيين الأربعة على اتفاقيات إبراهيم، بالإضافة إلى مصر والولايات المتحدة، ويشتمل على إطار عمل لمجموعات العمل المصممة لبناء العلاقات العربية الإسرائيلية في المجال الدبلوماسي والاقتصادي والأمني، مع استمرار العمل الموازي في الاتصالات الدبلوماسية الثنائية بين الطرفين.

وينقل المقال ما قاله ماكجورك عن مبدأ الردع وهو يعني أن "الولايات المتحدة لن تسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر، ولن تتسامح مع جهود أي دولة للسيطرة على دولة أخرى أو على المنطقة من خلال التعزيزات العسكرية والتوغلات، أو التهديدات".

ويُلزم مبدأ الدبلوماسية الولايات المتحدة بـ "تقليل التوترات حيثما أمكن ذلك، وبتخفيف التصعيد وإنهاء النزاعات حيثما كان ذلك ممكنًا من خلال الدبلوماسية".

أما المبدأ الرابع، فهو التكامل، وهو مشابه لمفهوم "الشراكة"، الذي يتضمن جهود الولايات المتحدة لتعزيز "الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية بين شركاء الولايات المتحدة".

والمبدأ الخامس، وهو القيم ويتضمن تعزيز "حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة".

ويرى المقال أن المبادئ الخمسة لعقيدة بايدن في الشرق الأوسط معقولة بما فيه الكفاية، وتعكس بشكل قاطع استراتيجية الإدارة لتشجيع الأطراف الإقليمية على العمل معًا للتعامل مع مشاكلهم الخاصة حتى تتمكن الولايات المتحدة من تكريس المزيد من وقتها واهتمامها في أماكن أخرى.

وقد أسفرت الجهود الدبلوماسية الأمريكية عن بعض النتائج المهمة، بما في ذلك التحسينات في العلاقات بين دول الخليج في أعقاب الجهود التي تقودها السعودية لعزل قطر، واتفاقية الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ووقف إطلاق النار في اليمن، بوساطة جزئية من خلال الدبلوماسية الأمريكية.

من نواحٍ عديدة، كان التركيز على حل المشكلات التعاوني والمشاركة الدبلوماسية متأخرًا ومرحبًا به. ومع ذلك، قد لا يكون النهج الجديد المفترض والمبين في عقيدة بايدن جديدًا على الإطلاق.

ويشير المقال إلى أن الأمن الإقليمي لا يزال هو اسم اللعبة من الناحية العملية، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت عقيدة بايدن تحرك سياسة الولايات المتحدة في المنطقة بشكل أقرب إلى هدفها المتمثل في التكامل الإقليمي واسع النطاق الذي يتطلب مشاركة أقل من الولايات المتحدة.

إن العلاقات التجارية بين الدول العربية وإسرائيل أحد الأهداف الرئيسية للإدارة وهي آخذة في الارتفاع. لكن الكثير من هذا يحدث بشكل ثنائي بين إسرائيل وشركائها، بتشجيع أو بدون تشجيع من واشنطن، ودون أخذ الحقوق الفلسطينية في الاعتبار.

ويضيف المقال أن المشاريع المشتركة لا تزال افتراضية إلى حد كبير، وإذا كانت الجهود التعاونية لمعالجة هذه القضايا لا تزال في مهدها، فإن التعاون الأمني والعسكري ليس كذلك. في الواقع، هذا هو الدافع الرئيسي لعقيدة بايدن والعمود الفقري لمعظم مبادئه التصريحية.

ففي خطابه، سلط ماكجورك الضوء على أن "200 تدريب عسكري وحوار استراتيجي" وما شابه ذلك جرت حتى الآن، بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة لإقامة "هيكل دفاع جوي وبحري متكامل في المنطقة" وما وصفه ماكجورك باعتباره "أكبر تمرين عسكري مشترك على الإطلاق في ذلك الجزء من العالم" هي من بين أنشطة الردع الأخرى، والتدريبات، والجهود الدبلوماسية ذات الصلة.

ويتم تعزيز العنصر الأمني في عقيدة بايدن من خلال عشرات المليارات من الدولارات في مبيعات الأسلحة الأمريكية المستمرة إلى المنطقة وتجارة الأسلحة المزدهرة بين إسرائيل وشركائها العرب.

ويعتقد الكاتب أن المجال الأمني الذي يتشكل الآن قد يكون بالفعل علامة على فجر "شرق أوسط جديد". ولكن كما هو الحال في الشرق الأوسط "القديم"، سيُطلب من الولايات المتحدة بذل مساعي هائلة من الجهود الدبلوماسية والعسكرية للربط بين خصومها القدامى وإنجاح الأمر برمته.

في الواقع، يشير عمق واتساع نطاق الالتزامات الأمنية التي تدرسها الولايات المتحدة في المنطقة، على الصعيدين الثنائي والجماعي، بقوة إلى أن واشنطن في طريقها لتصبح أكثر رسوخًا في القضايا الأمنية في المنطقة وليس أقل، كما ورد في الحديث السابق عن بدء "التحول إلى آسيا" والابتعاد عن الشرق الأوسط وسط حقائق استراتيجية جديدة.

ويعتقد الكاتب أن طلب السعودية المُعلن عنه للحصول على ضمانات أمنية أمريكية كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذا مُنِح، فسيمثل توسعًا كبيرًا في الالتزامات العسكرية الأمريكية ويربط الولايات المتحدة بشكل أكثر إحكامًا بالمنطقة، في ما سيكون أوضح إشارة حتى الآن نية واشنطن أن تظل الجهة الخارجية الأقوى والأكثر نفوذاً في المنطقة.

فلسطين وسوريا

ويرى الكاتب أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يفتقر إلى الإلحاح وأن أكثر ما يلفت الانتباه في تطبيق عقيدة بايدن في الشرق الأوسط ليس التركيز التقليدي على القضايا الأمنية، ولكن التخلي الواضح عن الجهود المبذولة لحل اثنين من أخطر الصراعات وأكثرها زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب الأهلية في سوريا.

وقد قادت إدارة ترامب الطريق، حيث تخلت عن العناصر الأساسية التقليدية لسياسة الولايات المتحدة التي كانت تهدف إلى تجنب الحكم المسبق على القضايا الرئيسية في اتفاق الوضع النهائي التفاوضي بين إسرائيل وفلسطين.

ويشير الكاتب إلى أن إدارة بايدن قامت بإجراء تصحيحات طفيفة فقط على المسار لهذه المجموعة من السياسات. وأعادت المساعدة للفلسطينيين وعيّنت هادي عمرو، الباحث السابق في معهد بروكينجز، ممثلاً خاصًا للشؤون الفلسطينية، وسفيرًا غير مقيم لدى الفلسطينيين. لكن العناصر الأخرى لسياسة ترامب لا تزال هي السارية.

لم تؤيد إدارة بايدن "خطة السلام" لترامب ولم تتبعها، لكنها لم تقدم أي بديل أيضًا. وبدلاً من ذلك، تبنت بحرارة اتفاقيات إبراهيم، ووضعتها أساسا لسياستها في الشرق الأوسط وجوهرا لعقيدة بايدن في المنطقة.

أظهرت الإدارة القليل من الرغبة في لعب دور نشط في إعادة تنشيط عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، واكتفت بتيسير الاجتماعات الطارئة بين الحين والآخر لإدارة العنف في القدس والضفة الغربية المحتلة.

ولا يستغرب الكاتب من أن تكون الإدارة راضية عن تقدم رؤيتها للتكامل الإقليمي دون النظر إلى الفلسطينيين. فلم تتم دعوة السلطة الفلسطينية إلى قمة منتدى النقب العام الماضي، وأعرب بعض المراقبين داخل الإدارة وخارجها عن أملهم في إيجاد وسيلة لاستخدام منتدى النقب واتفاقات إبراهيم على نطاق أوسع لتحسين آفاق الحوار الإسرائيلي الفلسطيني.

ولكن يبدو أن النظر في القضية الفلسطينية في هذا الإطار يركز إلى حد كبير على ما يمكن القيام به لمساعدة الضفة الغربية اقتصاديًا دون معالجة حتى أبسط المطالب السياسية الفلسطينية. وهذا التكتيك هو في الأساس إعادة للمقاربة الأمريكية لعملية السلام في التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، والتي فشلت في أن تؤدي إلى فلسطين أكثر ازدهارًا أو اتفاقية الوضع النهائي.

وفيما يخص سوريا فقد سقطت عن قائمة أولويات الولايات المتحدة. وفي حين أن العقوبات الأمريكية والأوروبية على نظام الأسد لا تزال سارية المفعول، فإن الولايات المتحدة لم تفعل الكثير للضغط من أجل التوصل إلى حل منذ نهاية ولاية أوباما الثانية في عام 2017. وحافظت إدارة بايدن على وجود أمريكي صغير في سوريا يركز بشكل أساسي على مواجهة تهديد من "الدولة الإسلامية" المزعومة، ولكن بخلاف ذلك تجاهلت القضية إلى حد كبير، حتى مع استمرار روسيا وإيران في تعزيز مواقفهما في البلاد، ما يشكل تهديدًا متزايدًا للاستقرار الإقليمي ونفوذ الولايات المتحدة ومصالحها. في غضون ذلك، بدأ القادة العرب عملية إعادة تأهيل الأسد ونظامه.

ويعتقد الكاتب أن هذا يعد مؤشرا مقلقا للغاية لسياسة أمريكية تهدف إلى مواجهة الاستبداد العالمي وردع التحديات العسكرية للنظام الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

هنا مرة أخرى، يبدو أن بايدن يسير على خطى ترامب، الذي تعرضت سياسته تجاه سوريا لانتقادات على نطاق واسع.

القيم

وبخصوص مبدأ القيم  تبدو الإستراتيجية الأمريكية الحالية مرة أخرى سلبية بشكل غريب. وقد تم تجاهل الشرق الأوسط إلى حد كبير خلال "قمة الديمقراطية" التي عقدتها الإدارة في ديسمبر/كانون الأول 2021. ومنذ ذلك الحين، أعطى تركيز بايدن على أوكرانيا وأسواق الطاقة أهمية كبيرة في الحفاظ على استقرار الأمور في الشرق الأوسط، وذلك جزئيًا من خلال تجنب الحديث القاسي مع المنطقة.

ومن الناحية العملية، لا تعيد سياسة الإدارة تصور مشاركة الولايات المتحدة وأهدافها في المنطقة بقدر ما تعزز السياسات القائمة، خاصة تلك التي تركز على القضايا الأمنية والتعاون العسكري، ما يزيد من ترسيخ الولايات المتحدة في السياسة والمشاكل في المنطقة.

إن عدم الرغبة في إنهاء الصراعات المريرة في سوريا خاصة في فلسطين يتجاهل اثنين من أهم مصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. والتراجع عن حقوق الإنسان والديمقراطية لصالح "التكامل الإقليمي" لا يقوض جهود الإدارة لمواجهة الاستبداد العالمي فحسب، ولكنه يتيح لقادة المنطقة معرفة أنه يمكنهم استخدام اتفاقيات إبراهيم كدرع للإفلات من العقاب.

بالرغم من بعض النجاحات التي لا يمكن إنكارها ولكنها مقيدة للغاية، فإن عقيدة بايدن قلصت نطاق السياسة الأمريكية في المنطقة بعدة طرق مهمة، بدلاً من توسيعه. قد تكون هذه أنباء سارة للكثيرين في المنطقة بعد عقود من الحرب، لكنها في النهاية قد لا تخدم مصالح واشنطن أو مصالح شعوب الشرق الأوسط.

المصدر | تشارلز دبليو دن | المركز العربي واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بايدن ترامب الشرق الأوسط اسرائيل

ترامب يلوم بايدن على اتفاق السعودية وإيران (فيديو)

الشرق الأوسط الجديد.. الفائزون والخاسرون من الحراك الجاري في المنطقة

رؤية أمريكية: التنافس مع الصين في الشرق الأوسط مهم لرفاهية الولايات المتحدة

صحيفة عبرية: إحباط أمريكي من فشل مساعي إبعاد حلفائها عن روسيا

سياسة خيالية.. هكذا يتعامل بايدن مع الشرق الأوسط

هل تخلع الولايات المتحدة قفازاتها في الشرق الأوسط؟

بايدن والشرق الأوسط.. سياسة السير بحذر على الرمال المتحركة

فورين بوليسي: خطة بايدن الجديدة للشرق الأوسط لا تحمل جديدا