وثائق: بريطانيا وفرنسا خططتا للتحكم في قناة السويس حتى بعد التأميم

الأحد 2 أبريل 2023 08:29 ص

كشفت وثائق أن الحكومة البريطانية أعدت خطة سرية بالتعاون مع فرنسا، للتحكم في الممر الملاحي لقناة السويس، عن طريق تحالف شركات غربية، حيث لم يكن لدى الغرب نية لتسليم القناة كاملة إلى السيادة المصرية.

وحسب "اتفاقية القسطنطينية" الموقعة عام 1888، كان من المفترض أن تنتقل السيادة على الممر الملاحي الدولي إلى مصر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1968، الذي هو نهاية الـ99 عاما، مدة امتياز شركة قناة السويس.

لكن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، فاجأ الغرب في سياق خلافات مصرية غربية بشأن تمويل السد العالي، بتأميم الشركة في 26 يوليو/تموز 1956، ما أدى إلى ما بات يعرف تاريخيا بـ"أزمة السويس"، التي كانت بداية تقلص نفوذ بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط.

الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها مؤخرا، كشفت أن البريطانيين توقعوا أزمة التأميم حتى قبل ثورة 23 يوليو/تموز 1952، وتولي عبدالناصر السلطة، ومن ثم بدأوا في وضع خطتهم.

وأظهرت أن بريطانيا وفرنسا بحثتا وضع بدائل لشركة قناة السويس، من بينها تشكيل تحالف "كونسورتيوم" من شركات الشحن الغربية، وإنشاء هيئة يتمتع فيها الأجانب بنفوذ هائل لإدارة القناة.

وكشفت الوثائق أن السير فرانسيس فيرنر وايلي، ممثل الحكومة البريطانية في الشركة، نبه حكومته في فبراير/شباط 1952، إلى "احتمال تسريع إجراءات تمصير أو تأميم القناة".

وكانت مصر وبريطانيا، في ذلك الوقت، بصدد بدء مفاوضات بشأن جلاء القوات البريطانية المحتلة عن منطقة القناة.

وفي تقريره عن "قناة السويس والمفاوضات المرتقبة مع مصر"، لفت وايلي انتباه حكومته إلى أنه "لو ذهبت القوات البريطانية ولم تحل محلها قوة دولية، فإن أسوأ المخاوف على الشركة سوف تتحقق".

وفضلا عن أهمية الممر المائي للملاحة العالمية، اهتمت بريطانيا بشركة القناة منذ عام 1874، عندما اشترت حكومتها بزعامة بنيامين دزرائيلي 44% من أسهمها، هي نصيب الخديوي إسماعيل، واعتبرت التقارير البريطانية هذا "استثمارا مربحا للغاية".

وفي تقرير آخر إلى وزارة الخارجية، استعرض لورد موريس هانكي مدير الشؤون التجارية في شركة قناة السويس، ما اعتبره أسبابا تبرر عدم تسليم الشركة والقناة للمصريين حتى بعد انقضاء فترة الامتياز القانونية.

وترجع أهمية تقرير هانكي إلى أنه كان مقربا من الزعيم البريطاني ونستون تشرشل ومعروفا بدفاعه القوي عن دور شركة قناة السويس والوجود العسكري الإنجليزي في مصر.

ونقل اللورد عمن وصفه بمسؤول فرنسي رفيع المستوى قوله: "كقوة تملك الأرض (التي تقع فيها قناة السويس)، تعتبر مصر نفسها هي السيدة القيمة الوحيدة المنوط بها أن تنظم استخدام الطريق البحري، وتقرر حسب تصورها وإدراكها للمصلحة العامة، منع هذه السفينة أو تلك".

وبناء على هذا خلص اللورد إلى أنه "في هذه الظروف، لا يمكن تسليم قناة السويس إلى مصر الآن. وما لم يعدِّل المصريون أساليبهم، قد يكون التسليم مستحيلا أيضا في عام 1968".

وعبر عن مخاوف قوية بشأن التأثيرات السلبية على قناة السويس في حالة اندلاع اضطرابات نتيجة عدم استقرار الحكم في مصر، الأمر الذي يستدعي الاستعداد لأي تطورات.

وفي لندن، أعد فريق خبراء بريطاني تقريرا عن الشركة للجنة القناة في مجلس الوزراء، قال فيه إن "طيبعتها وملكيتها الأجنبية وأرباحها الكبيرة التي حققتها خلال سنوات، تجعلها هدفا واضحا وجاذبا للسياسيين القوميين (المصريين)".

وأبدى التقرير، الذي حمل عنوان "مستقبل قناة السويس وشركة قناة السويس"، شكوكا في نوايا المصريين في حال انسحاب القوات البريطانية من القناة في إطار تسوية قد تسفر عنها المفاوضات بين القاهرة ولندن.

وتوقع أن يواصل المصريون تطبيق معاهدة الامتياز حتى عام 1968، غير أنه رجح أنها "سوف تعاني أكثر من أي وقت مضى من غياب أي دعم دولي لتطبيقها"، مشيرا إلى أنه ليس للشركة ضمان دولي باعتبارها مصرية شكلا.

وبحث الخبراء بدائل عدة شملت إضافة نص يتعلق بقناة السويس وشركتها في أي تسوية بين مصر وبريطانيا، وإنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط لحماية القناة والشركة، وتدخل حلف شمال الأطلسي "ناتو" لتوفير الحماية، وفصل منطقة القناة عن مصر، ووضع القناة تحت سيطرة الأمم المتحدة.

غير أن الآراء اتفقت على أن هذه الخيارات غير قابلة للتطبيق لأسباب تتعلق برفض المصريين "لأنها تمس كرامتهم وسمعتهم"، وأخرى تتعلق بصعوبة إقناع دول العالم الأخرى بتأييدها.

وطُرح مشروع بديل يقضى بتشكيل "تحالف شركات كونسرتيوم، من القوى البحرية الأساسية المعنية بالقناة، وهي المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا وهولندا وإيطاليا والنرويج".

وقال الخبراء إن الكونسرتيوم المقترح سوف "يملأ إلى حد ما الفراغ الناتج عن انسحاب القوات البريطانية، لأنه سوف يتولى رسميا مراقبة حرية القناة" بعيدا عن التحكم المصري.

في الوقت نفسه، قبلت بريطانيا اقتراحا فرنسيا لعقد مؤتمر سري للقوى الست، "لدراسة إجراءات طارئة للحفاظ على القناة مفتوحة في حال حدوث أي انهيار لخدمات قناة السويس نتيجة عمل ما من جانب الحكومة المصرية، أو توقف العمالة المصرية عن العمل".

وكان أمل البريطانيين هو أنه "لو عقد اللقاء المقترح، ربما يمكن تشجيعه على أن يتطور إلى الكونسرتيوم"، البريطاني المأمول.

وظلت اتصالات بريطانيا مستمرة مع الدول المعنية، بما فيها الولايات المتحدة، حتى قيام ثورة الضباط الأحرار على النظام الملكي في مصر، وحينها أخذت المفاوضات مع بريطانيا بشأن الجلاء عن منطقة القناة منحى آخر.

وفي يوليو/تموز 1953، كثفت لندن وفرنسا الضغوط على الولايات المتحدة لعقد "المؤتمر السري" في أقرب وقت ممكن.

وتكشف وثائق مجلس الوزراء البريطاني، أن واشنطن "أوضحت بجلاء أنها غير مستعدة للمشاركة، بسبب إمكانية إثارة ردود فعل عنيفة من جانب المصريين إذا سمعوا به، وربما يُفاقم هذا المخاطرَ التي يهدف المؤتمر إلى مواجهتها".

واعتبر البريطانيون أن في الموقف الأمريكي "ممناعة في ممارسة ضغوط على مصر"، ولم يقبلوا ولا الفرنسيون اقتراح واشنطن.

وقررت اللجنة، تنفيذا لتوصية وزير الخارجية، أن "بريطانيا ستكون سعيدة بالدعم الأمريكي، لكن لا يجب أن نحجم عن اتباع هذا النهج (الضغط الجماعي على مصر) إذا امتنع الأمريكيون".

ولاحقا، تقرر أن "خطة تشكيل الكونسرتيوم هي الضمانة الوحيدة لفترة ما بعد انتهاء معاهدة 1888"، إلا أن البريطانيين رأوا "ضرورة مشاركة الولايات المتحدة كي يشارك الآخرون".

وانتهوا إلى أنه "لا يمكن الاعتماد على الفرنسيين للمضي في المشروع، رغم أن لهم مصلحة خاصة في القناة، لكنهم مرعوبون للغاية من المشاركة في خصومتنا مع مصر".

وفي وقت ظل البريطانيون يواصلون مساعي إقناع الأمريكيين بتغيير موقفهم، ناقشت وزارات الخارجية والنقل والمالية البريطانية مشروعا متكاملا طرحه وايلي استعدادا لفترة ما بعد انتهاء اتفاق امتياز شركة القناة في موعده القانوني أو إنهاء مصر للاتفاق قبل الموعد.

وكان المشروع "خطة لإنشاء منظمة لخلافة شركة قناة السويس، بهدف محاولة طمأنة حساسيات مصر الوطنية التي هي طبيعية، وأن تضمن كفاءة حركة الشحن العالمية ليس فقط بالتشغيل اليومي الفعال لقناة السويس بأقل تكلفة عملية، ولكن بالتوسع العاجل السريع في المرافق البحرية القائمة لتلبية المتطلبات المتزايدة دائما للتجارة البحرية العالمية".

لكنه وخلال عرض الفكرة وبلورتها، صَدم عبدالناصر بريطانيا والدول الغربية، بإعلانه يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 أن مصر تستعد بالفعل للسيطرة على القناة، عندما ينتهي اتفاق الامتياز عام 1968.

وأكد أنه "يريد تجنب أخطاء الماضي"، وقال كلمته الشهيرة: "في الماضي كانت مصر تنتمي إلى القناة، لكنه من الآن فصاعدا، سوف تنتمي القناة إلى مصر".

وتوقعت الحكومة البريطانية أن تتصل الحكومة المصرية بشركة قناة السويس أوائل عام 1955 "لتقديم مطالب مختلفة تهدف إلى تمكين المصريين من اكتساب بعض الخبرة في إدارتها".

وقالت الحكومة البريطانية، في اجتماع بعد خطاب عبدالناصر: "حتى لو لم يُعترض الادعاء المصري بشأن الملكية، فإنه من الضروري الاحتفاظ بالصفة الدولية لتشغيلها (القناة)".

ورأت في الاجتماع: "بينما قد يكون معظم العاملين في الشركة بعد عام 1968، مصريين، فإنه من المرجح تماما أنه ستكون هناك حاجة إلى المساعدة الأجنبية في شغل بعض المناصب الإدارية والفنية لو أريد الحفاظ على مستوى الكفاءة".

وبناء على هذا، تقرر أن تُوجه السياسة البريطانية نحو "تأكيد الضمان سواء الآن أو ما بعد 1968: حرية الملاحة في القناة، والكفاءة في إدارتها، وتشغيلها بأقل مستوى ممكن من رسوم المرور".

وفي هذا السياق انتهت الحكومة إلى "افتراض أن مصر سوف تتخلى عن أي من حقوقها القانونية ليس واقعيا"، في ضوء إعلان عبدالناصر عن النوايا المصرية، حيث كان هذا جزءا من مشروع وايلي الأساسي بشأن الهيئة القانونية التي اقترحها.

وفي 18 يونيو/حزيران 1956 خرج آخر جندي بريطاني من القاعدة البريطانية في قناة السويس، تطبيقا لاتفاقية الجلاء الموقعة في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، التي نصت على احترام حرية الملاحة في القناة وفقا لاتفاقية القسطنطينية، وإقرار بريطانيا بأن القناة جزء لا يتجزأ من مصر.

غير أن لندن واصلت الحشد لدعم مشروع مشاركة المصريين في التحكم في القناة، وظلت على اتصال مع واشنطن وممثلي شركات الشحن الغربية الكبرى، ونجحت بالفعل في تنظيم مؤتمرات لبلورة صيغة نهائية للخطة.

لكن عبدالناصر أمم، بعد توليه الرئاسة، شركة قناة السويس عام 1956 في سياق خلافات مصرية غربية بشأن تمويل السد العالي، لتبدأ أزمة السويس الشهيرة.

((7))

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

مصر قناة السويس بريطانيا وثائق فرنسا تأميم القناة

هل تكون خصخصة قناة السويس حلا للأزمة الاقتصادية في مصر؟