الصراع في السودان.. وساطات متتالية دون جدوى (إطار)

السبت 29 أبريل 2023 07:58 ص

تتكاثف الضغوط الدولية والإقليمية على طرفي القتال في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع لتثبيت وقف دائم لإطلاق النار، والالتزام بتنفيذ الهدنة على الأرض، لمنع انزلاق الأوضاع في البلاد إلى الأسوأ.

في المقابل، يصعد طرفا النزاع من المواجهات العسكرية على الأرض، وسط تباين في موقفي القائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بشأن عملية التفاوض.

ومنذ 15 أبريل/نيسان الجاري، تشهد عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما تسبب في مقتل المئات وإصابة ونزوح عشرات آلاف الأشخاص إلى الدول المجاورة، وإجلاء الرعايا الأجانب من كافة أنحاء السودان.

ومنذ الساعات الأولى للاشتباكات، ظهرت مبادرات ووساطات من جهات إقليمية، جماعية وثنائية وفردية، غير أن أيا منها لم تتضح ملامحها النهائية، ولا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من التشاور مع طرفي الصراع.

وظهرت تصريحات متباينة تشير إلى رغبة كل من مصر وجنوب السودان والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل، بالدخول في عملية وساطة وطرح مبادرات للتهدئة ووقف إطلاق النار.

كما أن جامعة الدول العربية بدأت تلوّح بدور جديد لها في الأزمة السودانية التي نأت عن الانخراط فيها بجدية منذ سنوات لأسباب تتعلق بارتباكها السياسي أو عدم استعداد دوائر أفريقية لمشاركة عربية في الأزمة.

ويلعب كذلك الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيجاد" دورا مهما سعيا لفرض وقف دائم لإطلاق النار وإجبار الطرفين على الحوار.

تأتي هذه الوساطات، وسط دعوات أممية متكررة صدر أغلبها على لسان مبعوث المنظمة الدولية للسودان فولكر بيرتس، باستضافة دول المنطقة المهمة للبرهان وحميدتي، من أجل التوسط بينهما.

وأضاف بيرتس، في تصريحاته، أن "الأمم المتحدة تتواصل مع أطراف الصراع، ولكننا بحاجة لآلية واضحة لمراقبة التزام الجانبين باتفاق وقف إطلاق النار".

وشدد المبعوث الأممي على أن الجهة التي ترفض الاستجابة للحوار "ستكون معزولة دوليا" حتى لو انتصرت في هذه الحرب.

لكن هذه الوساطات تواجه مسألة توزيع السلطة والثروة، ومسألة تحرير العلاقة بين المكونين المدني والعسكري، ومسألة توفير المساعدات الإغاثية والإنسانية في أعقاب أزمة أمن غذائي متنامية قبيل وأثناء الاقتتال الجاري، وأخيراً قضية نزع السلاح والتسريح.

كما تأتي عملية إعادة الإدماج بالنسبة لقوات الدعم السريع بعد أن عدّها البرهان "ميليشيا مُتمرّدة"، وذلك لترسيخ جيش وطني سوداني موحد يحتكر وحده القوة ويكون منوطاً به أمن وسلامة البلاد من المخاطر التي تتهددها من الداخل أو الخارج على حد سواء، من أبرز ملفات الوساطة.

في هذا التقرير، يستعرض "الخليج الجديد" جانبا من هذه المبادرات وأبرز ما تضمنته:

مبادرة القوى المدنية الداخلية

منذ الساعات الأولى للصراع، تدخلت قوى الحرية والتغيير لقيادة وساطة لهدنة دائمة من الطرفين، وسط أنباء متأرجحة بين "تفاعل إيجابي" مع دعوات وقف القتال تارة، وتعنت من الجانبين تارة أخرى.

وتستهدف المبادرة وقف إطلاق نار دائم، ثم الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، ولا سيما أن الطرفين أنهكا خلال أسبوعي الحرب، في ظل استياء شعبي واضح.

ويتصاعد دور المبادرة المدنية الداخلية مع تزايد الضغط الشعبي من أجل خفض التصعيد ووقف الاقتتال.

كما وقّعت الأحزاب السياسية الرئيسية والفصائل المسلحة، ولجان المقاومة الشعبية على بيان تأسيس "الجبهة المدنية" لإيقاف الحرب، واستعادة المسار المدني الديمقراطي في البلاد.

ويدعو الموقعون إلى إيقاف فوري للحرب، وإسكات صوت البنادق، والسعي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية للمواطنين في المناطق المتأثرة بالحرب.

وشدد البيان التأسيسي على استعادة الانتقال المدني الشامل، والخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الإصلاح الأمني والعسكري لتأسيس جيش مهني واحد عبر الحوار السلمي.

ولاحقا، أعلن حركة جيش تحرير السودان، تحريك قوة عسكرية للفصل بين الطرفين المتحاربين في البلاد.

وقال رئيس الحركة مني أركو مناوي، عبر حسابه على "تويتر" إنه "مع تصاعد المواجهات المسلحة في الخرطوم وامتدادها إلى عدد من المناطق، خاصة دارفور، تواصل قيادات الحركات المسلحة وقرروا تحريك قوة عسكرية مشتركة للفصل بين المتحاربين بالتعاون مع السلطات المحلية، وذلك منعا لتوسع دائرة الانفلات"، وفق تعبيره.

المبادرة المصرية الجنوب سودانية

أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا مع رئيس جنوب السودان سلفا كير، عقب اندلاع القتال لتنسيق المواقف والتعاون لوقف إطلاق النار، قبل أن يطرحا وساطة مشتركة لوقف إطلاق النار.

لكن التنسيق بينهما لم تظهر له معالم واضحة، وفق مراقبين، وبدأت جوبا تتحرك بوتيرة سريعة منفردة أو عبر "إيجاد".

ويقول مراقبون إن جوبا تعرضت لضغوط إقليمية ودولية متباينة لوقف التعاون مع القاهرة، أو على الأقل عدم التمادي فيه، خوفا من خلق مجال لدور عربي ظل غائبا فترة طويلة عن السودان.

وطلب سلفا كير من الرجلين المتصارعين التقابل "وجها لوجه" في مكان غير معلوم، "وإذا لم يتمكنا فعليهما إرسال ممثليهما للاجتماع وجها لوجه".

المبادرتان الإثيوبية والكينية

قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، إنه أجرى محادثات هاتفية مع البرهان وحميدتي، تناولت تسوية الخلافات وديا، وتحقيق الاستقرار في السودان.

كما اقترح الرئيس الكيني ويليام روتو، استضافة عملية الوساطة بين طرفي النزاع، وقال إنّ بلاده "لديها سجل حافل في تسهيل إعادة السلام وحل النزاعات السياسية في المنطقة بشكل فعال".

وأضاف أنّ كينيا تعتقد اعتقادًا راسخًا أنّ الحل التفاوضي السلمي في المتناول في السودان، وناشد "إيجاد" والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لـ"حشد تحالف دولي فعال لدعم برنامج شامل لاستعادة السلام في السودان".

المبادرة التركية

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده مستعدة للتعاون مع الأمم المتحدة لدعوة الأطراف السودانية إلى محادثات سلام وحل خلافاتهم.

المبادرة الإسرائيلية

اقترحت إسرائيل استضافة محادثات بين البرهان وحميدتي لوقف إطلاق النار.

وقالت على لسان وزير خارجيتها إيلي كوهين، إن إسرائيل تعمل منذ اندلاع القتال في السودان، عبر قنوات مختلفة، من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار.

وكان موقع "أكسيوس" قال في وقت سابق إن الإدارة الأمريكية اطلعت على المقترح الإسرائيلي بشأن الوساطة، وإن إسرائيل نسقت جهودها معها، ومع دول في المنطقة منها الإمارات.

المبادرة الرباعية

تقدمت الآلية الرباعية التي تضم السعودية وأمريكا وبريطانيا والإمارات، بمبادراة عدة لوقف إطلاق النار وتمديد الهدنة بين المتصارعين، نجحت في بعضها.

وأجرى قادة ومسوؤلون في هذه الدول عدة اتصالات خلال الأيام الماضية، بين طرفي الصراع، لتأكيد أهمية عودة الأوضاع إلى طبيعتها.

كما كان للسعودية دور كبير في إجلاء رعايا عدة دول أجنبية من بورتسودان، إلى ميناء جدة على البحر الأحمر.

مبادرة "إيجاد" والاتحاد الأفريقي

طرحت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا "إيجاد" مبادرة "لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة السوادنية.

واقترحت المبادرة استضافة محادثات مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

كما أنها تخطط إلى إرسال رؤساء 3 دول أفريقية إلى السودان في أقرب وقت ممكن لإجراء مصالحة بين طرفي الصراع هناك.

في سياق متصل، دعا آزالي عثماني رئيس دولة جزر القمر والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، كُلا من البرهان وحميدتي لوقف القتال وبدء المفاوضات فورا للوصول إلى حل سلمي للأزمة الراهنة.

وحثّ الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي على دعم جهود الاتحاد لإعادة السلام والاستقرار إلى السودان.

وفي أحدث مواقف الطرفين حول التفاوض، قال البرهان إنه لا يمكن الجلوس مع من وصفه بقائد المليشيا (حميدتي)، لأنه يقود تمردا يجب حسمه.

ونقلت القوات المسلحة السودانية عن البرهان قوله، إنه لا مجال لهذه الميليشيا إلا الزوال، عبر التفاوض في كيفية استيعابها داخل القوات المسلحة أو قتالها من الشعب السوداني كافة، بحسب تعبيره.

وأضاف أنه لا يمكن لما سماها "ميليشيا قبلية" -في إشارة إلى قوات الدعم السريع- أن تتحدث عن الديمقراطية والتحول المدني، مشيرا إلى أن من وصفهم بالمتمردين يتخذون المواطنين دروعا بشرية، وأكد أن الجيش يسيطر على كل السودان عدا بؤر قليلة في دارفور سيتم حسمها قريبا، بحسب قوله.

واعتبر البرهان أن محاولات ربط القوات المسلحة وقيادتها بالنظام السابق أضحت "ممجوجة" ولا تفوت على فطنة الشعب، وأكد أن القوات المسلحة يمكنها حسم المعركة في وقت قصير جدا، لكنها تعمل على الحفاظ على البنية التحتية وحماية المدنيين.

وبالمقابل، قال حميدتي إنه مستعد لإجراء مفاوضات مع البرهان، بشرط أن يتوقف القتال أولا.

وأضاف حميدتي في لقاء صحفي، أنه يتطلع إلى تشكيل حكومة مدنية بالكامل اليوم قبل غد، على حد تعبيره.

وأكد أنه ليست لديه خلافات مع البرهان لكنه يعتبره "خائنا" لأنه أعاد أنصار الرئيس السابق عمر البشير إلى الحكومة، مشيرا إلى إن من وصفهم بقادة الجبهة الإسلامية الراديكالية هم من يقودون البرهان، على حد وصفه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان اشتباكات السودان البرهان حميدتي وساطة وقف إطلاق النار هدنة

أطباء السودان: 411 قتيلا مدنيا منذ اندلاع الاشتباكات

كيف يؤثر الصراع في السودان على جيرانه؟

جيبوتي: نسعى لبدء وساطة فاعلة بين الجيش السوداني والدعم السريع