لبنان.. يخسر بـ«الدولار» ويربح بـ«الذهب»

فشل مصرف لبنان في توحيد سعر صرف الليرة «المتعدد»، لكنه نجح بامتياز في توحيد «الدولرة» وتعميمها.

يخسر مصرف لبنان بتدخله مشتريا وبائعا للدولار دون أن يستطيع حماية الليرة من الانهيار، لكنه يربح بالذهب، نتيجة ارتفاع أسعاره العالمية.

استمر تمويل إنفاق الدولة «المهدور» ما أدى لاستنزاف احتياطيه من العملات الأجنبية بما لايقل عن 15 مليار دولار، حتى بلغ أقل من 10 مليارات دولار.

يمتلك لبنان احتياطياً من الذهب يبلغ 287 طناً بما يعادل 10 ملايين أونصة وهو ضمن قائمة أكبر20 دولة في العالم حيازة للذهب، وثاني دولة عربية بعد السعودية.

* * *

عندما أطلق مصرف لبنان «منصة صيرفة» في مايو2021، كان يهدف إلى لجم سعر دولار بيروت الذي كان حينذاك متعدداً إلى خمسة أسعار وبمتوسط 20.000 ليرة، وذلك تمهيداً لتوحيد سعرالصرف بناءً على طلب صندوق النقد الدولي.

لكن بعد مرور نحو سنتين فشلت «منصة صيرفة» في تحقيق هذا الهدف. وبدلاً من أن تحد من انهيار الليرة، سارعت إلى اللحاق بارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز مستوى 100.000 ليرة، ولم تتمكن من مواجهة المضاربين، وهم من كبار الصيارفة وبعض المصارف، وبمشاركة بعض الأحزاب الفاعلة والقادرة على التأثير مالياً.

فشل مصرف لبنان في توحيد سعر صرف الليرة «المتعدد»، لكنه نجح بامتياز في توحيد «الدولرة» وتعميمها. ولم يكتف بذلك بل استمر في تمويل إنفاق الدولة «المهدور»، خلافاً لنصائح صندوق النقد، مما أدى إلى استنزاف احتياطيه من العملات الأجنبية بما لايقل عن 15 مليار دولار، حتى وصل إلى أقل من 10 مليارات دولار.

ويتضح من أرقام ميزانية مصرف لبنان أنه جمع في العام الماضي 5 مليارات دولار من السوق السوداء، وذلك عبر الصيارفة الكبار الذين استفادوا من عمولة تبلغ 3%، لكنه أنفق مقابلها 7 مليارات دولار، ضمنها 3.2 مليار دولار من احتياطيه النقدي.

ومع استمرار عمل «منصة صيرفة» في بيع الدولار بأقل من سعر السوق، استمر استنزاف سيولة الاحتياطي النقدي بنحو 850 مليون دولار خلال الفصل الأول من العام الحالي. وهكذا يخسر مصرف لبنان بتدخله مشترياً وبائعاً للدولار، من دون أن يستطيع حماية الليرة من الانهيار، لكنه في الوقت نفسه يربح بالذهب، وذلك نتيجة ارتفاع أسعاره العالمية.

وقد ربح خلال فترة ثلاثة أشهر ونصف نحو 1.85 مليار دولار،حيث ارتفعت قيمة موجوداته من الذهب من 16.38 ملياردولار في منتصف ديسمبر 2022 إلى 18.23 مليار دولار بنهاية مارس الماضي. ويمتلك لبنان احتياطياً من الذهب يصل نحو 287 طناً بما يعادل 10 ملايين أونصة، وهو ضمن قائمة أكبر20 دولة في العالم، وثاني دولة عربية بعد السعودية.

ولأسباب أمنية، فإن هذه الكمية موزعة بين 6.6 مليون أونصة في خزائن البنك المركزي ببيروت، تحت حماية أمنية مشددة، و3.4 مليون أونصة محفوظة في خزائن محمية في قلعة «فورت نوكس» بالولايات المتحدة الأميركية.

ويعد المعدن الأصفر أهم الملاذات الآمنة في الحروب. ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وتوقع اتساعها لتتحول إلى حرب اقتصادية عالمية يرافقها ارتفاع متواصل في الأسعار، لا يستبعد الخبراء أن يقفز سعر الأونصة إلى 3600 دولار، الأمرالذي يضاعف قيمة «ذهب لبنان» إلى نحو 36 مليار دولار.

لكن يبقى خوف اللبنانيين من عدم قدرة دولتهم على استرداد كمية الذهب المودعة في أميركا، وهو مرهون بطبيعة تطور العلاقات بين بيروت وواشنطن، خصوصاً أن عدة دول لم تفلح في استرداد ذهبها من الولايات المتحدة، بينها هولندا (عام 2015)، وألمانيا (عام 2016)، وتركيا وفنزويلا (عام 2018).

ويكمن ضعف لبنان في أن اتفاقية عقود سندات دَين «اليوروبوند» تتضمن في أحد بنودها قبولَ الخضوع لقوانين محاكم نيويورك لحل أي نزاع بينها وبين الدائنين، حال تخلفها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية.

وبما أن دولة لبنان قد أعلنت رسمياً في مارس 2020 التوقف عن دفع هذا الدين، فإن الدائنين الأجانب يراهنون على صدور قرار قضائي أميركي بتحصيل حقوقهم عبر حجز موجودات الدولة اللبنانية في الخارج، بما فيها كمية الذهب الخاضعة للسيادة الأميركية، والتصرف بها.

وهذا مع العلم بأن قيمة سندات دين «يوروبوند» كانت في حدود 33 مليار دولار، وقد ارتفعت نهاية العام الماضي إلى نحو 41 مليار دولار، نتيجة إضافة قيمة الفوائد المتراكمة عليها، ويعود أكثر من نصفها إلى مؤسسات مالية ومصرفية أجنبية.

*عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية