شراكات تكتيكية مع الصين وروسيا.. خيار الخليج الأمثل للتوازن في النظام الدولي الجديد

الأربعاء 17 مايو 2023 01:53 م

"الخيار الخليجي الأنسب حالياً هو عقد شراكات تكتيكية محدودة مع القوى الدولية الصاعدة، مع المحافظة في الوقت نفسه على العلاقة الاستراتيجية بالولايات المتحدة، وإدارة حالة من التوزان تضمن نجاح العلاقة مع الأطراف الدولية المتنافسة، مع العمل الاستراتيجي لبناء قوة ذاتية".

هكذا دعا تحليل موقف لمركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، دول الخليج، مشيرا إلى أنه في هذا الإطار لن يكون لدى الولايات المتحدة مبرراً لدفع شركائها في الخليج للمفاضلة بينها وبين الصين وروسيا، لأن هذا الخيار قد لا يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية الاستراتيجية.

ويلفت إلى أن البدائل الاقتصادية الأمريكية باتت محدودة مقارنة بالصين، وهذا ما يضطر واشنطن للتماهي مع الخيارات الخليجية.

ويشير التقرير، إلى أن النظام الدولي يمر بفترة مفصلية أشبه ما تكون بالمرحلة الانتقالية، قد تؤدي إلى تغير شكله الحالي من الواحدية، إلى شكل آخر يقترب من التعددية القطبية.

وفي ظل هذه التغيرات تبقى دول الخليج في حالة من التقرب والاستعداد لنتائج هذه الأحداث، مع الموازنة في خيارات التعامل بين النظام الدولي الحالي والقوى الصاعدة.

أهمية الخليج

وتتمتع منطقة الخليج بأهمية سياسية كبيرة، وقد عُرفت سابقاً بأنها الطريق الحيوي للبريطانيين والشريان الذي يربط بين أوروبا وآسيا براً وبحراً وجواً، كما تقع على الحدود ما بين المنطقة العربية والفارسية، وتعد مركزاً للمشرق العربي، وتشرف على مجموعة مائية كبيرة من المحيطات والبحار والممرات البحرية، وتتوسط الخطوط البحرية الرئيسة، وتستقل بأهم دور العبادة.

ويتميز الخليج كذلك بتعدد المصادر الطبيعية والمعدنية وتنوع المناخ، كما ترتبط أهمية دول الخليج بمضيق هرمز الذي يعد أهم المضائق المائية العالمية، وهو خاضع لقواعد المرور الدولية، بإشراف إقليمي عماني إيراني.

هذه الأهمية وفق التحليل، جعلت من دول الخليج ساحة تنافس دولي في الماضي، بين البريطانيين والفرنسيين، ثم في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ومؤخراً بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، حيث لا يمكن لأي قوة كبرى أن يكون لها حضور دولي بارز ما لم يكن لها نفوذ في هذه المنطقة.

كما تعد منطقة الخليج أكبر منتج للنفط، وتمتلك أكبر مخزون احتياطي للنفط والغاز، وتضم عدداً من الموانئ ومحطات الوقود لوسائل النقل الكبرى كالطائرات والسفن والمركبات الدولية، وتحظى بأهمية اقتصادية متعددة، لا سيما بعد إعلان الرؤى التنموية، 2030 السعودية والإماراتية والقطرية، و2035 الكويتية، و2040 العمانية.

وتعتمد هذه الرؤى التحول الذكي في إدارة الدولة، وبناء المدن الذكية، التي ستكون بحاجة للتوسع في الاقتصاد الرقمي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات النانوية، والحوسبة الكمومية (الكوانتية)، وتحليل محتوى البيانات العملاقة، والحوسبة السحابية، وهي فرص تجعل من الخليج محل جذب للاستثمارات الدولية، وخصوصاً الصين، كونها أصبحت شريكًا مأمونًا لدول الخليج بعد سنوات التجريب التي مرت بها، وخصوصًا في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية والسلع والخدمات.

كل هذا يعزز حالة التنافس الكبير بينها وبين الولايات المتحدة التي ظلت لسنوات تحتكر الفرص الاقتصادية الخليجية.

قوة سياسية وأمنية

ونظراً للأهمية السياسية والاقتصادية لدول الخليج، فإنها تعد كذلك ساحة للصراع الدولي، ومركزًا لتحديد المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، وسابقاً كانت فكرة تأمين المنطقة من الأفكار التي تبناها النظام الدولي، وحشد لها كافة الإمكانات، تحت مظلة تأمين النفط باعتبارها سلعة استراتيجية للأمن والسلم العالميين، وفقًا لمبدأ جيمي كارتر (الرئيس الأمريكي 1977- 1981) الذي يجيز للولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في المنطقة.

ومع تقليص الولايات المتحدة قوتها العسكرية في الخليج، والتراجع الأمريكي عن موقفهم المؤيد للسعودية في اليمن، والتلويح بفتح المساءلة تجاه عدد من الملفات الخاصة بالمملكة، يتضح أن مستوى ثقة دول الخليج ولا سيما المملكة بالإدارة الأمريكية شهد تراجعاً.

إذا تنظر الرياض بأنها من أكبر حلفاء واشنطن في المنطقة، وأن المحافظة على أمن المنطقة هو في الأساس محافظة على الأمن والسلم الدولي، وأن السعودية أسهمت في التمكين السياسي والعسكري والاقتصادي لأمريكا، وترى أن هذه الجهود يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ووفق التحليل، فإن دول الخليج تفضل التعددية القطبية بدلاً من هيمنة القطب الواحد، وذلك لأن انفراد القطب الواحد لم يخدم الاستقرار العالمي السياسي والاقتصادي، وفَرَض حالة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ويضيف: "كما يبدو أنَّ الحضور الصيني والروسي يمثل أحد هذه النوافذ"، لافتا إلى أن ذلك يطع الخليج أمام ثلاثة خيارات للتعاطي مع هذه المتغيرات.

شراكة شاملة

ويتلخص الخيار الأول في الشراكات الاستراتيجية الشاملة مع القوى الصاعدة، وهو ما يتطلب مضي دول الخليج في عقد شراكات استراتيجية شاملة سياسية وأمنية واقتصادية مع الصين وروسيا، مع المحافظة على العلاقة الاستراتيجية بالولايات المتحدة.

ويقول التقرير: "تفضل الصين وروسيا التعامل مع دول الخليج دون التدخل في شؤونهم الداخلية مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الدافع يمثل إغراء لدول الخليج، حيث يوفر هذا الخيار نوعاً من الاستقلالية لدول الخليج في تبني مواقف خاصة بعيداً عن ضغط الأطراف الدولية".

ويشير إلى أن المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية للصين تجاوزت البحث عن المصلحة الصينية الخاصة إلى إشراك الدول في المنفعة، بينما توصف الولايات المتحدة بأنها تأخذ أكثر مما تعطي.

ورغم أن هذا الخيار مطروح، حسب التقرير، إلا أنه يواجه جملة من التحديات، منها: صعوبة إقناع الولايات المتحدة بجدوى الشراكات الاستراتيجية الشاملة مع روسيا والصين، مع احتمالية تعثر علاقة دول الخليج بواشنطن، خصوصاً أنَّ روسيا خصم تاريخي للولايات المتحدة، والصين منافس صاعد، وأي شراكة مع هذه القوى الصاعدة قد تُحسب توجهاً بديلاً وليس موازياً.

من هذه التحديات، أن الصين وروسيا لا تمتلكان الإمكانيات والقدرات والقواعد العسكرية في الخليج لتعويض حالة التراجع الأمريكي، ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بجزء كبير من قواتها في المنطقة، وتتمتع بخبرة استراتيجية في إدارة أزمات المنطقة، وتبرر تقليص قوتها العسكرية بأنه تكتيك مرحلي.

كما أن الوعي الخليجي مرتبط بالنموذج الغربي الأمريكي والبريطاني، في السياسية والتعليم والاقتصاد والإعلام، وأي شراكة استراتيجية بقوى أخرى ستجد وقتاً كبيراً في استيعابها.

وتبقى العلاقة الروسية والصينية مع إيران محل نخوف لدى دول الخليج، خصوصاً أن طهران تلقت دعماً سياسياً روسياً وصينياً في تطوير برنامجها النووي.

شراكة تكتيكية

أما الخيار الثاني، حسب التقرير، فهو دخول دول الخليج في شراكات تكتيكية محدودة مع القوى الصاعدة، لا ترقى إلى المستوى الاستراتيجي الشامل، في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، مع المحافظة في الوقت نفسه على العلاقة الاستراتيجية بواشنطن.

وتكمن فرص هذا الخيار، في تَفَهُّم روسيا والصين للشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، وتفهم أمريكا للعلاقة الاقتصادية الخليجية الصينية، باعتبار واشنطن نفسها تربطها علاقة اقتصادية ببكين.

كما يتيح هذا الخيار الفصل بين المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية، والتخفف من الابتزاز الغربي.

ويضيف التقرير: "يمكن أن يمثل هذا الخيار فرصة لدول الخليج في إدارة حالة من إدارة التواصل بين الولايات المتحدة وبين روسيا والصين وغيرها من المشاريع الإقليمية، وهذا الأمر يعزز أكثر من المكانة الخليجية، خصوصاً بعد نجاح قطر في إدارة الاتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة، ونجاح سلطنة عمان في إبرام عدة صفقات بين الولايات المتحدة وإيران".

ويعلق التقرير على هذا الخيار بالقول: "يبدو أنَّ هذا الخيار هو الآمن على مدى العشر السنوات المقبلة، خصوصاً وأن الولايات المتحدة ستبقى حاضرة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً كأحد الأقطاب الفاعلين".

لكن هذا الخيار، حسب التقرير، يواجه عدة تحديات على رأسها الحسابات الأمريكية الدقيقة، فـ"التعامل الخليجي مع روسيا والصين قد يأتي بنتائج غير متوقعة، خصوصاً مع التوجه السعودي نحو التصنيع العسكري وتطوير البرنامج النووي".

قطب عربي موحد

بينما يخلص الخيار الثالث، في توسيع التحالفات العربية لبناء قطب إقليمي، إذ يفترض هذا الخيار أن تسعى دول الخليج لتذويب الخلافات البينية، وتوسيع التحالفات لبناء قوة ذاتية، ووحدة عربية شاملة.

وتتلخص دوافع هذا الخيار في مقومات المنطقة السياسية وموقعها الجغرافي الهام، الذي تستطيع أن تتحول من خلاله من ساحة للتنافس الدولي إلى متحكم بعملية التنافس، والقدرات الاقتصادية والنفطية الخليجية التي تتيح لدول الخليج تحويلها إلى أوراق ضغط بطريقة غير مباشرة.

وهذا الخيار، حسب التقرير، ربما يبدو بعيداً على المدى المنظور، لكنه مقبول على المدى الاستراتيجي، إذ قد تتيح عملية التوازن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المستقلة، من خلال الاستفادة من المتاحات وإتقان لعبة التوازنات في تحقيق المكاسب.

وهذا الخيار على طموحه، لكنه يواجه تحديات عدة، أبرزها حالة عدم الاستقرار التي تعيشها عدد من الدول العربية، والصراع السياسي والعسكري والضعف الاقتصادي، والتخبط العربي وتشتت الأهداف الأمر الذي يؤثر على أي توجه داخلي لبناء قوة ذاتية.

كما يواجه الثغرات السياسية والأمنية التي سمحت بحضور المشاريع الدولية والإقليمية، فضلا عن السعي الغربي لعرقلة المشاريع العربية الصاعدة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج الصين أمريكا روسيا شراكات

أعلى مسؤول روسي يزور الصين منذ حرب أوكرانيا.. وتوقعات بإقرار اتفاقيات مهمة

إمكانات وقيود التعاون الروسي الصيني في الشرق الأوسط

بين موسكو والشرق الأوسط.. هل تدفع واشنطن ثمن عزلتها الذاتية؟

جغرافيا سياسية جديدة في غرب آسيا.. فهل حان الوقت لنظام أمني إقليمي؟