لم يعد ملك العملات.. دويتش فيله: لماذا تتراجع هيمنة الدولار في الشرق الأوسط؟

الأحد 21 مايو 2023 11:19 ص

اعتبر تقرير نشره موقع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشة فيله" أن هيمنة الدولار تتراجع بشكل متسارع في أنحاء العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط.

ودلل التقرير، الذي كتبته كاثرين شاير، وترجمه "الخليج الجديد"، على الأمر بعدة شواهد، أحدثها هو قرار الحكومة العراقية بحظر استخدام الدولار الأمريكي في إجراء المعاملات الشخصية والتجارية في البلاد، ما شكل صدمة في سوق السيارات والعقارات، فالعراقيون يقومون منذ سنوات بإتمام عمليات الشراء باهظة الثمن باستخدام الدولار، بعد تراجع كبير للدينار.

وبدأ مسؤولون كبار في عدد من دول المنطقة بإطلاق تصريحات تفيد بأن هيمنة الدولار قد تتلاشى.

تصريحات من قادة المنطقة

ففي مطلع العام الجاري، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن بلاده "منفتحة" على بيع النفط بعملات أخرى غير الدولار، بما في ذلك اليورو واليوان.

فيما أعلنت الإمارات أنها تجري مُحادثات مبكرة مع الهند لتجارة السلع غير النفطية بالروبية الهندية.

وسبق ذلك إعلان القاهرة العام الماضي عن خططها لإصدار  سندات باليوان الصيني في أعقاب إصدار سندات بالين الياباني.

وقد تزامن ذلك مع ما أبدته مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين عن رغبتها في الانضمام إلى دول مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، فيما قالت موسكو إن اللقاء المقبل للتحالف في يونيو/حزيران سوف يناقش إنشاء منظومة عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء.

ومنذ عام 2021، كانت الإمارات مشاركة في مشروع تجريبي يديره "بنك التسويات الدولية" بشأن استخدام العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية في إتمام المدفوعات بين الدول بما يشمل الابتعاد عن الدولار، وكانت تايلاند وهونج كونج والصين من بين الدول المشاركة في المشروع.

وقد أدى ذلك إلى إذكاء التكهنات حول تراجع قوة الدولار، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان: "هل باتت هيمنة الدولار مهددة؟" فيما قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إنه يتعين على العالم  "الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب"، وفق ما تشير إليه الكاتبة.

بدورها، ذكرت وكالة "بلومبرج" الشهر الماضي أن "إلغاء الدولرة يحدث بوتيرة مذهلة"، مشيرة إلى أن الدولار بات يشكل الآن حوالي 58% من الاحتياطيات العالمية للعملات، في حين بلغت عام 2001 نسبة 73%، بينما كانت آواخر سبعينات القرن الماضي تبلغ نسبة 85%.

ورغم ذلك، يؤكد الخبراء أن الابتعاد عن الدولار يسير بوتيرة بطيئة نسبيا ،على النقيض مما تشير إليه التقارير الصحفية.

الدولار في الخليج

وترى الكاتبة أن الدولار في الخليج لم يفقد رونقه بعد، حيث يعود ارتباط مبيعات الخليج النفطية بالدولار إلى سبعينات القرن الماضي، حيث أقامت دول المنطقة شراكة مع الولايات المتحدة. بما يعني ضمان الولايات المتحدة أمن الخليج مقابل تصدير السعودية والإمارات النفط بالدور. وقد ربطت معظم دول الخليج عملاتها بالدولار باستثناء الكويت.

ويشير حسن الحسن، الباحث في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، إلى أن "أحد أكبر مؤشرات التحول الحقيقي بعيدا عن الدولار، يتمثل في فك ارتباط العملات بالدولار، لكن هذا لم يحدث حتى الآن".

بدوره، يقول دانيال مكدويل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز في نيويورك، إن حديث المسؤولين العرب عن تلاشي قوة الدولار في الشرق الأوسط مازال عبارة عن "تصريحات".

وقال، في مقابلة مع "دويتشه فيله": "الإدلاء بتصريحات أمر سهل، لكن تنفيذ ذلك هو المحك، فبالنسبة للدول المنتجة للنفط مثل السعودية، مثل هذه التصريحات ليست سوى وسيلة لجذب انتباه الولايات المتحدة، إذ قد يدفع مغازلة الصين إلى جعل الساسة في البيت الأبيض يولون اهتماما أكبر بمصالح دول الخليج".

لكن مكدويل لا يستبعد احتمال تلاشى هيمنة الدولار في مقبل الأيام، قائلا: "تنهار جميع الإمبراطوريات في نهاية المطاف، لكن في الوقت الحالي مثل هذا الحديث رمزي وسياسي فضلا عن أن أي تغيير نراه لا يزال هامشيا وبطيئا."

أسباب تراجع الدولار

ووفقا لخبراء، فإن الرغبة في البحث عن عملات أخرى غير الدولار في الشرق الأوسط يعود إلى سبين: الأول يتمثل الأول في حرب أوكرانيا. وفي ذلك، قال مكدويل إن العقوبات احتلت حيزا كبيرا من المناقشات، مضيفا: "كلما استخدمت الولايات المتحدة الدولار كسلاح خارجي، تحرك خصومها نحو إتمام الأنشطة الاقتصادية بعملات أخرى".

بدوره، قال الحسن إن "الكثير من الأموال الروسية تمر في الوقت الحالي عبر دول في الشرق الأوسط وآسيا، فيما يُنظر إلى هذه الدول باعتبارها دولا اختارت عدم الامتثال للعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا أو رفضت تطبيقها".

بيد أنه في حالة تشديد العقوبات على روسيا بما يشمل اللجوء إلى خيار "العقوبات الثانوية"، فإن هذه الدول ستواجه صعوبات أكبر في تجنبها، إذ سوف تُفرض العقوبات الثانوية على الأطراف الثالثة سواء أكانت دولا أم شركات، وهو ما يزيد من صعوبة الالتفاف على العقوبات الغربية على موسكو.

وفي هذا السياق، قال ماكدويل إن "الحكومات التي تشعر بالقلق إزاء العقوبات الأمريكية تفكر بشكل متزايد في كيفية المضي قدما في هذا المسار حتى لو لم تبد أي استعداد حتى الآن حيال إجراء تحول جذري بعيدا عن الدولار".

وكشف الحسن عن السبب الثاني وراء رغبة دول المنطقة في الابتعاد عن الدولار، قائلا: "أعتقد أن هناك إحساسا يشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تحاول إعادة صياغة قواعد سوق النفط العالمية لاستهداف المصالح الروسية، وهو ما يمثل تهديدا استراتيجيا للسعودية".

العقوبات على روسيا

بدورها، قالت ماريا دمرتزيس، أستاذة السياسة الاقتصادية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إنه في ظل استمرار العقوبات على روسيا، فإن الحديث عن الابتعاد عن الدولار سيتعاظم، لكنها أقرت بأن الأمر لن يحدث بين عشية وضحاها.

وأضافت: "إذا كانت الهند ترغب في إتمام صفقة مع تشيلي، فإنها سوف تقوم بذلك عن طريق الدولار، لكن ليس السبب ينحصر في إمكانية تسعير أي منتج بالدولار، بل يشمل ذلك استخدام البنية التحتية للدولار الأمريكي لتسوية الصفقة وهو ما يمثل الإجراء القانوني لنقل أموال من حساب إلى  حساب آخر".

وأوضحت أن "هذا الأمر توفره الولايات المتحدة منذ عقود، ما يعني أن أي بديل عن الدولار ستكون له آثار قانونية وإدارية ضخمة، فعلى سبيل المثال، لا تعترف تشيلي بالإطار القانوني للروبية الهندية ما يعني أن الوصول إلى مرحلة تشهد استقرارا للمصرفين المركزيين في كلا البلدين لا زال بعيد المنال".

وأشارت دمرتزيس إلى حقيقة مفادها أن قيام الولايات المتحدة وأوروبا بتجميد الأصول الاحتياطية للبنك المركزي الروسي الخاضعة لولاياتهما القضائية، قد أدى إلى استخدام البنوك المركزية كسلاح وهو ما أضر بالنظام المالي الدولي.

المصدر | كاثرين شاير | دويتش فيله - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدولار هيمنة الدولار العقوبات على روسيا الدولرة سلة العملات العقوبات الأمريكية

رغم محاولات تقويضه.. الدولار لا يزال ملكا على اقتصاد العالم

دول الخليج تراقب الحراك العالمي ضد الدولار.. ومجبرة للتجاوب معه احتياطيا

في 2023.. ضعف البترودولار يبشر بنظام نقدي عالمي أكثر لامركزية

تعامل الإمارات والهند بالدرهم والروبية.. ماذا يعني؟

بالذهب و3 مفاهيم أمريكية مدمرة.. البريكس تتحدى هيمنة الدولار