دعوة زيلينسكي لقمة جدة العربية.. انحياز أم وساطة؟

الثلاثاء 23 مايو 2023 05:54 ص

في سابقة من نوعها، دعت السعودية- الدولة المستضيفة لقمة جدة العربية- الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لإلقاء كلمة بافتتاحية القمة، بموازاة مع إرسال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رسالة للقمة.

خطوة السعودية منح زيلينسكي إلقاء كلمة أمام الزعماء العرب أثارت نقاشا إعلاميا وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة أنها قد تفهم بأنها انحياز لطرف دون آخر في الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أن مضمون خطاب الرئيس الأوكراني فتح نقاشا من نوع آخر، بعدما عتب على بعض الدول العربية "لغضها الطرف" عن ضم روسيا أراضي من بلاده، دون أن يعبر بالمقابل عن تضامنه مع قضايا الشعب الفلسطيني.

وفي مواجهة الانتقادات الأمريكية لعودة نظام بشار الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بررت السعودية دعوتها لزيلينسكي، برغبتها في “سماع وجهات نظر جميع الأطراف” في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.

وأشارت إلى رسالتي الرئيسين الروسي والصيني شي جين بينغ، الموجهتين إلى القمة، كدلالة على توازنها وعدم انحيازها لأي طرف.

طلب دعم العرب وتجاهل فلسطين

في كلمته بالقمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية في 19 مايو/ أيار الجاري، وجه زيلينسكي عتابا للدول العربية، التي برأيه، غضت الطرف عن ضم روسيا لأجزاء من بلاده.

وقال: "لسوء الحظ، هناك البعض في العالم وهنا من بينكم من يغضون الطرف عن أقفاص (أسرى الحرب) والضم غير القانوني لأراض أوكرانية".

وناشد زيلينسكي الزعماء العرب "لحماية شعبنا والجالية الأوكرانية المسلمة"، في محاولة لاستحضار الروابط الدينية بين العرب ومسلمي أوكرانيا وخاصة أقلية تتار القرم المسلمة المنتشرة في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، دون اعتراف دولي.

وفي محاولة لربط مقاومة بعض الشعوب العربية للاستعمار، قال الرئيس الأوكراني إن بلاده "لن تستسلم ولن تخضع لأي محتل أجنبي”، وأضاف: "نحن مجبرون على مواصلة القتال، ولا أحد يوافق على تسليم أرضه".

غير أن زيلينسكي لم يبد أي تعاطف مع الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، ولم يعتذر عن تصريحاته السابقة التي قال فيها إن "ما تواجهه أوكرانيا حاليا يشبه ما تواجهه إسرائيل"، ما خلف استياء عربيا شعبيا لأنه حول الفلسطينيين من ضحايا إلى جناة.

الرئيس الأوكراني لمح إلى أن النفوذ الروسي في المنطقة يؤثر على مواقف الدول العربية من الحرب في بلاده، ودعاها ضمنيا لاتخاذ مواقف أكثر استقلالية عن موسكو.

وقال: "أنا هنا حتى يتمكن الجميع من معرفة ما يجري بنظرة صادقة، بغض النظر عن مدى صعوبة محاولة الروس التأثير، فلا يزال هناك استقلال".

وفتح زيلينسكي نافذة نحو مستقبل متفائل عندما رحب بالاستثمارات العربية، معربا عن أمله في عودة السياح العرب لرؤية بلاده قريبا “خالية من الاحتلال الروسي”، وفق تعبيره.

وتزامن الخطاب مع الوقت الذي كانت مدينة باخموت الأوكرانية تلفظ آخر أنفاسها، بعد أن قاومت هجوما قادته شركة فاغنر الأمنية الروسية طيلة ثمانية أشهر، قبل أن تعلن الأخيرة سقوط المدينة بعد 24 ساعة من الخطاب.

بوتين يتجاهل حرب أوكرانيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رسالته للقمة العربية، تجنب إثارة موضوع الحرب في أوكرانيا، ولم يستجد دعم العرب، ولم ينتقد حتى دعوتهم لزيلينسكي.

وعلى عكس تجاهل زيلينسكي لقضية فلسطين، ذكّر بوتين القادة العرب بدعم بلاده لحل عادل لها، قائلا: "سنواصل تقديم كل مساعدة ممكنة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

وأبدى الرئيس الروسي حرص بلاده على دعم جهود حل الأزمات في السودان وليبيا واليمن، واعتزامه توسيع التعاون متعدد الأوجه مع الدول العربية.

وشجع ضمنيا الدول العربية على الانخراط في بناء عالم متعدد الأقطاب الذي تقوده روسيا والصين وحلفاؤهما بديلا عن نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقال إن "مواصلة توسيع التعاون متعدد الأوجه بين روسيا والدول العربية سيلبي المصالح المشتركة بشكل كامل، وسيتماشى مع بناء نظام أكثر عدلا وديمقراطية للعلاقات الدولية، يقوم على مبادئ تعدد الأقطاب، والمساواة الحقيقية، واحترام المصالح المشروعة للجميع".

والمفاجئ أن الرد على دعوة الرئيس الأوكراني إلى القمة العربية في جدة، لم يأت من الكرملين أو من الخارجية الروسية أو حتى من سفارتها لدى الرياض، بل جاء من سفارة موسكو في القاهرة.

واستخدمت السفارة الروسية خطابا حادا في انتقاد مشاركة زيلينسكي في قمة جدة، ونشرته السبت في بيان على تويتر، وتداولته وسائل إعلام بينها "سي أن أن" الأمريكية.

وقال البيان: "حضر رئيس نظام كييف النازي، المرتبط بإسرائيل عن طريق روابط الدم، الحدث السياسي العربي الرئيسي، وتجرأ ليس على الكذب بشكل صارخ بشأن جذور وتطور الأزمة الأوكرانية فحسب، بل أيضًا على الإدانة المباشرة للموقف العربي المحايد من هذه الأزمة" على حد قوله.

واعتبر البيان أن هذه المحاولة فشلت في الضغط على الدول العربية (للتخلي عن حيادها) "وهو ما أعلنته بالفعل السعودية كدولة مضيفة للقمة في نهاية فعاليات القمة".

انحياز أم وساطة

دعوة زيلينسكي للقمة جعل الجامعة العربية في قلب تجاذبات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تسعى كييف بدعم من واشنطن لإقناع الدول العربية بدعمها بكل السبل لاستعادة أراضيها المقتطعة، بينما يناسب موسكو موقف الحياد الذي تتبناه دول المنطقة.

غير أن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها السعودية بدعوة رئيس من خارج الجامعة العربية لإلقاء خطاب في بداية القمة، لا يبدو أنها تلقى إجماعا بين أعضائها، حتى وإن لم يصدر أي بيان رسمي يتحفظ عليها.

إذ نقلت ثلاث صحف جزائرية خاصة (الخبر، ولوسوار دالجيري، وليكسبريسون) عن مصادر لم تسمها، أنها “المرة الأولى التي توجه فيها دعوة الحضور إلى رئيس دولة بعينها وليس إلى مسؤولين في منظمات إقليمية ودولية مثلما جرى عليه العرف الدبلوماسي في الدورات السابقة”.

واعتبرت أن دعوة زيلينسكي للقمة “يضرب في الصميم الموقف الحيادي للجامعة العربية من الصراع الأوكراني الروسي ومساعيها السابقة في الوساطة بين الطرفين”، على حد قولها.

ففي أبريل/ نيسان 2022، أرسلت الجامعة العربية وفدا يضم وزراء خارجية مصر والجزائر والأردن والسودان، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إلى كل من موسكو وكييف، لبحث سبل إنهاء الحرب، التي اندلعت في 24 فبراير/ شباط من نفس العام.

لكن السعودية وعلى لسان ولي العهد محمد بن سلمان، أبدت استعدادها "للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا".

وقال ابن سلمان في كلمته أمام القمة العربية: "نجدد تأكيد موقف المملكة الداعم لكل ما يساهم في خفض حدة الأزمة في أوكرانيا".

وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان، من جهته، شدد على تمسك الجامعة بالحياد الإيجابي، وأوضح أن دعوة زيلينسكي لحضور قمة جدة كان من باب “سماع وجهات نظر جميع الأطراف” في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.

وأشار إلى رسالة الرئيس الروسي إلى القمة العربية، في محاولة لإبراز انفتاح الجامعة العربية على سماع وجهة نظر كل طرف.

وقال بن فرحان: "اتخذت الدول العربية منذ بداية الأزمة موقف الحياد، وليس الحياد السلبي، بل الحياد الإيجابي"، وأردف: "كنا منخرطين في فتح الحوار مع الطرفين أملا في أن نستطيع الوصول إلى سبيل يفتح الباب للحل من خلال الحوار".

ورغم كل هذا الجدل الذي أثارته دعوة زيلينسكي، إلا أن البيان الختامي لم يتضمن أي إشارة لحرب أوكرانيا، ما يعكس رغبة الدول العربية في التمسك بـ"الحياد الإيجابي"، وعدم التورط في تجاذبات وصراعات القوى الكبرى، خاصة وأن المنطقة العربية مثخنة بالأزمات.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

أوكرانيا روسيا فلسطين زيلينسكي بوتين قمة جدة البيان الختامي حرب أوكرانيا وساطة أم انحياز صراعات القوى الكبرى المنطقة العربية الحياد الإيجابي