مناورة "حزب الله".. طمأنة للداخل اللبناني وتحذير للمحتل الإسرائيلي

الثلاثاء 23 مايو 2023 09:25 ص

عبر مناورته العسكرية في جنوبي لبنان، بعث "حزب الله" حزمة رسائل بعضها إلى الداخل اللبناني لطمأنته والبعض الآخر إلى إسرائيل لتحذيرها من محاولة اختبار "المقاومة" وتأكيد إصراره على استعادة المناطق المحتلة وأنه بات مستعدا للانتقال من الدفاع إلى الهجوم البري، مع تشديد على "وحدة الجبهات" مع فلسطين، بحسب محليين سياسيين.

وقبل أيام من الذكرى الـ23 لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو/أيار 2000، نفذ "حزب الله" (حليفة إيران) الأحد مناورة عسكرية في بلدة عرمتي على بعد 20 كيلومترا من "الخط الأزرق" الفاصل بين لبنان وإسرائيل.

المناورة أُقيمت تحت اسم "سنعبر"، وبحضور لافت لوسائل إعلام محلية ودولية، وشارك فيها 200 من عناصر الحزب استخدموا أسلحة حية وثقيلة واستعرضوا راجمات صواريخ، فضلا عن محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال الإسرائيلي عبر تفجير الجدار الفاصل.

وندد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمناورة، محاولا على ما يبدو تحريض الداخل اللبناني على "حزب الله" بقوله إنها "تتحدى في المقام الأول الحكومة والدولة اللبنانيتين والتزاماتهما". وحظيت المناورة بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي اعتبرت أنها موجهة إلى إسرائيل.

وبحسب محللين وتقديرات مراكز أبحاث إسرائيلية فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ انتهاء حرب لبنان الثانية عام 2006، فضلت عدم المواجهة مع "حزب الله"، مما أدى إلى امتلاكه ترسانة عسكرية ونحو 200 ألف صاروخ.

ثبات وجاهزية

ووفقا لمسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف فإن المناورة "عينة بسيطة عن قدرات المقاومة الحقيقية، في إطار توجيه رسالة إلى العدو الصهيوني عن جاهزية المقاومة لردع العدوان والدفاع عن لبنان".

لكن منتقدين داخل لبنان اعتبروا المناورة دليلا على ضعف الدولة اللبنانية أمام ترسانة أسلحة "حزب الله"، التي عادة ما يقول المنتقدون إنها موجهة إلى الداخل لتحقيق مكاسب سياسية، مجددين اتهامهم لـ"حزب الله" بالمسؤولية عن استمرار الفراغ الرئاسي منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إنه "إذا كان حزب الله يعتقد أن هذه المناورة بإمكانها أن تزيد من حظوظ مرشحه الرئاسي (سليمان فرنجية)، فهو مخطئ تماما".

واعتبر جعجع المناورة "تصرف أرعن لن يتضرّر منه سوى لبنان وآمال شعبه في قيام دولة فعلية تخفف من عذاباته، ولن يؤثر سلبا إلا على بعض أجواء الانفراجات التي سادت المنطقة العربية أخيرا، وبالتالي المناورة لن تستفيد منها إلا إسرائيل".

وعلى المنتقدين رد نائب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم قائلا، في تصريح صحفي، إن "من يعيق انتخاب الرئيس هو اختلاف بعض الكتل على تقاسم المغانم". وسبق وأن قال مسؤولون في "حزب الله" إنهم يريدون رئيسا لا يطعن المقاومة.

ومؤكدا ما ذهب إليه عفيف، شدد قاسم على أن المناورة تحمل رسالة "ثبات حقق الانتصارات وجهوزية رادعة ومتأهبة لوقت التحرير، وعلى الكيان الإسرائيلي والعالم الداعم له أن يعرف تماما أن مقاومة حزب الله ليست مقاومة عابرة، بل هي متجذرة في الأرض".

وحدة الساحات

وإضافة إلى جاهزية المقاومة، يبدو أن المناورة تحمل رسالة أخرى، إذ جاءت بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان إلى بيروت وفي ظل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والسعودية، بموجب اتفاق بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي.

في ظل تلك المعطيات، وبحسب مراقبين، ربما تؤكد طهران عبر مناورة حليفها اللبناني أن المصالحة السعودية الإيرانية لا تفرض أي قيود على "المقاومة اللبنانية"، لاسيما وأن كل من إيران وإسرائيل تعتبر الدولة الأخرى العدو الأول لها.

وبجانب استمرار احتلالها لأراضٍ جنوبي لبنان، تخشى إسرائيل من "وحدة الساحات" في المقاومة ضدها، والتي تحدث عنها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، بمعنى استعداد المقاومة لفتح جبهة الجنوب أو لاستخدام الأراضي اللبنانية في إطلاق صواريخ على شمالي إسرائيل كما حصل قبل فترة قصيرة.

ومن موقع المناورة، قال رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" هاشم صفي الدين إن الحزب اليوم "قوة ممتدة ومحور كامل سيبقى يتطور من غزة والضفة والداخل (الفلسطيني) المحتل ولبنان، انطلاقا من إيران"، متوجها إلى إسرائيل بالقول "صواريخنا الدقيقة ستضرب قلب كيانكم وتفكيك الجبهات بات خيالا".

"سنعبر"

ووفقا للكاتب والمحلل السياسي ماهر الخطيب فإن المناورة تحمل ثلاثة مؤشرات: "الأول تمثل في محاكاة سيناريو اقتحام مستوطنة إسرائيلية، وهو ما كان الحزب يهدد به في السنوات الماضية، ما يعني أنه على المستوى العملي انتقل من التركيز على الخطط الدفاعية، التي هي أساس العمل المقاوم، إلى العمل على الخطط الهجومية".

والمؤشر الثاني، بحسب الخطيب"، هو "اقتحام عناصر من الحزب جدار اصطناعي يحاكي ذلك الذي يقيمه الجانب الإسرائيلي على الحدود، في إشارة إلى أن أي معركة مقبلة لن يقتصر مسرحها على الأراضي اللبنانية".

أما المؤشر الأخير فـ"كان الكشف عن جزء مما لديه (حزب الله) على مستوى المسيّرات المسلحة، حيث استُخدمت إحداها في عملية (محاكاة) اقتحام المستعمرة، بعد أن بات هذا النوع من الأسلحة يكتسب أهمية بالغة في المعارك العسكرية".

مفاجأة الموسم

متفقا مع الخطيب بشأن رسائل المناورة، قال الكاتب الفلسطيني حامد أبو العز إن "المقاومة أصبحت جاهزة للتغلغل في العمق الإسرائيلي هذه المرة.. علينا أن نقرأ عنوان هذه المناورات عشرّات المرات كي نفهم دلالات استخدامه".

وأردف: "أطلق الحزب اسم "سنعبر" على هذه المناورات، وإذا ما ربطنا بين العنوان والأسلحة التي تم عرضها سيتضح لنا جميعا بأن حزب الله يستعد لمرحلة الهجوم البري، واختار الحزب المناطق التي حررها قبل 23 عاما لتكون محلا لتنفيذ المناورات العسكرية، إذا فنقطة البداية للحرب المقبلة ستكون من هنا من “عسكارة العروش” لتنتهي في القدس".

وزاد أبو العز بأن "الأسلحة مخصصة لضرب دروع ودبابات العدو أثناء عملية الاقتحام البري، وراجمات الصواريخ هي تحدي آخر لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية "مقلاع داوود" و"القبة الحديدية"، وهذا ما ركز عليه محللو القناة 12 الإسرائيلية".

واعتبر أن "حزب الله لم يستخدم الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى ولم يستخدم الطائرات المسيرة الانتحارية ذات الصناعة المحلية لإن هذه الأسلحة هي مفاجأة الموسم سيتم عرضها واستخدامها في ساحة المعركة وحسب".

كما قال أبو العز إن المناورة وجهت رسالة طمأنة إلى الداخل اللبناني بأن "سلاحنا ومقاتلونا موجهون للعدو الصهيوني وليس لفرض أي معادلات أو احتكاكات داخلية، كما يفعل الطرف المقابل (كمثال حزب القوات اللبنانية)، التي هددت بأن لديها 15 ألف جندي مقاتل مستعدة لتوظيفهم في الداخل اللبناني".

توازن الرعب

وبحسب المحلل السياسي القريب من "حزب الله" وسيم بزي فإنه "المناورة جاءت لتكريس توازن الرعب مع إسرائيل، التي تخشى من قوة حزب الله وقدرته على تدمير منصات النفط والغاز لديها".

وأضاف أن المناورة تهدف إلى "تكريس سياسة الردع بوجه إسرائيل في التوقيت والشكل بعد الهجوم (الإسرائيلي) العنيف على غزة (استمر 5 أيام وانتهى في 12 مايو/ أيار الجاري)، ومنع العدو من المس بقواعد الاشتباك".

وتابع بزي أن "حزب الله" يسعى إلى "لجم إسرائيل عن الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي (في فلسطين) انطلاقا من وحدة الساحات وترابطها".

كما اعتبر أن المناورة ترمي إلى "قطع الطريق على أي مغامرة محتملة لإسرائيل كما فعلت مع الجهاد في فلسطين، وهي أيضا رسالة طمأنة لقاعدة حزب الله الشعبية التي تفاعلت بقوة مع المناورة"، على حد قوله.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان إسرائيل مناورة حزب الله الاحتلال رسائل

منشورات إسرائيلية تحذر اللبنانيين من اختراق الحدود

إسرائيل تحذر حزب الله من ارتكاب أي خطيئة تؤدي بالمنطقة لحرب كبيرة

4 سيناريوهات للتصعيد بين إسرائيل وإيران وحزب الله.. تعرف عليها