استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن انقسامات المجتمعات والأمم

الأربعاء 31 مايو 2023 03:04 ص

تلك الانقسامات

في العالم العربي تبقى الانقسامات مكبوتةً في ظل الاستبداد أو تتحوّل إلى حرب أهلية إذا تراخت قبضته.

شعوب ومجتمعات منقسمةً على ذاتها وقد يصل هذا الانقسام حد النزاع المسلح والحروب الأهلية، كما يحصل في منطقتنا العربية.

رغم أن الناس تصبح أقلّ تسامحا باستمرار الاختلافات لكن يبقى احتمال لجوئهم إلى القوة لحل الخلافات أقلّ لوجود مؤسسات وطرق للتعبير.

استقطابات عميقة تهدّد النسيج الاجتماعي والتماسك السياسي، بدءا بأكثر النظم الديمقراطية رسوخا إلى أكثرها استبدادا سواء كانت علمانيّة أو ثيوقراطية.

في أميركا تتعمّق الانقسامات منذ مطلع التسعينيات بين فئات يمينية بيضاء تتراجع أوضاعها وتخشى الهجرة واللجوء وبين فئات اجتماعية تناضل ضد عنصريةٍ متأصلةٍ.

في تركيا بدا الانقسام للوهلة الأولى أيديولوجيا ومتمركزا حول هوية البلد (إسلامية أو علمانية) إلا أن الانتخابات كان في حقيقة الأمر بشأن بقاء الرئيس أردوغان أو رحيله.

تبدأ الانقسامات بصراع على توزيع السلطة والثروة والخلاف بشأن سياسات اقتصادية اجتماعية والتمثيل السياسي واللجوء والهجرة وتحدّيات التعدد الثقافي والإثني والطائفي والقبلي.

بلغ انقسام إسرائيل ذروته بسعي اليمين الديني والقومي إخضاع القضاء لأجندته وردّ فعل الطرف الآخر واحتجاجات واسعة دفعت نتنياهو للتراجع بعد وصول الانقسام للجيش والأمن.

* * *

لطالما كانت الانقسامات والاستقطابات سمةً بارزةً من سمات النظام الدولي وتفاعلاته، لكنها باتت أيضا السمة الغالبة داخل الدول والمجتمعات، وتهدّد بتحوّلها اليوم إلى مصدر الصراع الأول في مناطق عديدة!

فحيثما نظرت تجد الشعوب والمجتمعات منقسمةً على ذاتها، وقد يصل هذا الانقسام إلى حد النزاع المسلح والحروب الأهلية، كما يحصل في منطقتنا العربية، مثلا.

أسباب الانقسام، بعد أن تراجع دور الأيديولوجيا، وإنْ كانت تحضر بلبوس وأشكال مختلفة أحيانا (إسلامي - علماني، محافظ - ليبرالي)، متعدّدة تبدأ بالصراع على توزيع السلطة والثروة، حيث يحتدم الخلاف بشأن السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، والتمثيل السياسي، وصولا إلى مسائل اللجوء والهجرة والتحدّيات التي يفرضها التعدد الثقافي والإثني في مجتمعاتٍ حديثة، أو التنوّع المذهبي والطائفي والقبلي في مجتمعات تقليدية، مرورًا بالانقسام حول شكل نظام الحكم (ملكي - جمهوري أو رئاسي - برلماني)، وحتى حول شخصيات قادة وزعماء، يتحوّلون بحضورهم الطاغي إلى موضع انقسام عميق في مجتمعاتهم، كما هو الحال في أميركا (ترامب) وإسرائيل (نتنياهو).

ويكاد لا يخلو مجتمع اليوم من انقسامات، واستقطابات، عميقة تهدّد نسيجه الاجتماعي وتماسكه السياسي، بدءا بأكثر النظم الديمقراطية عراقةً في العالم (الولايات المتحدة مثلا) وصولا إلى أكثرها استبدادا، سواء كانت علمانيّة التوجّه (الصين) أو ثيوقراطية (إيران) وما بينهما من نظم هجينة.

بضع حالات بدت لافتة في الفترة الأخيرة لجهة عمق انقساماتها الأهلية، أبرزها أميركا، إسرائيل، إيران، وتركيا. ففي أميركا تتعمّق الانقسامات الحزبية والمجتمعية منذ مطلع التسعينيات (رئاسة بيل كلينتون) بين فئات يمينية بيضاء، تتدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية باستمرار، وباتت تخشى من تحوّلها إلى أقليةٍ نتيجة موجات الهجرة واللجوء المتنامية، وبين بقية الفئات الاجتماعية (الملوّنة في غالبيتها) التي تناضل ضد عنصريةٍ متأصلةٍ في المجتمع، وتسعى من أجل فرص متكافئة.

وقد اشتدّ الانقسام مع وصول أول أميركي من أصول غير بيضاء الى رئاسة الولايات المتحدة (باراك أوباما) وردّة الفعل التي تمثلت ببروز ظاهرة ترامب والقاعدة التي تسندها من دعاة تفوّق العرق الأبيض. وقد بات هذا الانقسام يهدّد فعليا تماسك المجتمع الأميركي ومستقبل الديمقراطية فيه مع تضاؤل قدرة الطرفين على التعايش.

في إسرائيل يبرز الانقسام جليا بين معسكر اليمين المتطرّف الذي يشمل أتباع الصهيونية الدينية واليمين الفاشي من جهة والقوى العلمانية (اشتراكية ثم ليبرالية) التي مثلت أغلبية في إسرائيل خلال العقود الأولى لقيامها.

وقد بلغ الانقسام ذروته في محاولات اليمين الديني والقومي إخضاع القضاء لأجندته، وردّة الفعل التي حصلت من الطرف الآخر، وتمثّلت في الاحتجاجات الواسعة التي دفعت رئيس الوزراء نتنياهو إلى التراجع، بعد أن أخذ الانقسام أبعادا خطرة بوصوله إلى الجيش وأجهزة الأمن.

في إيران، تزداد الهوة بين نظام أحادي مغتربٍ عن مجتمعه، يعتمد في بقائه على أجهزة الأمن والقاعدة الاجتماعية المرتبطة بها اقتصاديا، ومجتمع تعدّدي متعلم، اعتادت طبقاته الوسطى الانفتاح على الخارج والتفاعل معه.

يظهر هذا الانقسام بوضوح في الاحتجاجات المتكرّرة التي تشهدها البلاد حول قضايا متنوعة، اقتصادية واجتماعية، وفي هجرة العقول الإيرانية، حيث تسجّل إيران أعلى نسبة نزيف أدمغة في العالم (في إيران مثلا 1.6 طبيب لكل ألف من السكان في حين أن الحد الأدنى بحسب منظمة الصحة العالمية 2.5 طبيب لكل ألف من السكان).

في تركيا، برز الانقسام عميقا في الانتخابات أخيرا بين تحالف "الجمهور" الحاكم وتحالف "الأمة" المعارض. ورغم أن الانقسام بدا للوهلة الأولى أيديولوجيا ومتمركزا حول هوية البلد (إسلامية أو علمانية)، إلا أن الانتخابات كان في حقيقة الأمر بشأن بقاء الرئيس أردوغان أو رحيله، حيث توزّع المحافظون والقوميون والعلمانيون والأكراد وغيرهم من ألوان الطيف السياسي التركي على المعسكرين، وكانت المرارة واضحة في معركةٍ انتخابيةٍ لم تشهد تركيا مثيلا في استقطابها.

ورغم أن الناس تصبح أقلّ تسامحا باستمرار مع الاختلافات، إلا أنه وفي كل الحالات التي سقناها تبقى احتمالية لجوئهم إلى القوة لحل الخلافات أقلّ لوجود مؤسسات وطرق للتعبير.

في العالم العربي، للأسف، إما أن تبقى الانقسامات مكبوتةً في ظل الاستبداد أو تتحوّل إلى حرب أهلية إذا تراخت قبضته.

*د. مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أميركا إسرائيل إيران انقسام استقطاب حرب أهلية اليمين الديني السلطة والثروة تفوق العرق الأبيض