فيضان دبلوماسية وتهدئة بالشرق الأوسط.. هل يعالج دوافع الصراعات أم يزيدها اشتعالا؟

السبت 3 يونيو 2023 12:34 م

يشهد الشرق الأوسط فيضًا ملحوظًا من الدبلوماسية وخفض التصعيد والتطبيع، بعد عقود من التصعيد والحرب بالوكالة، وهو اتجاه يستحق الثناء، حيث تحتاج المنطقة إلى تحمل مسؤولية مصيرها على المدى الطويل ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية للعقود القادمة، لكن تلك الموجة الدبلوماسية يجب أن تكون انطلاق للقيام بالعمل الجاد المتمثل في معالجة الدوافع الحقيقية طويلة المدى للصراع في المنطقة.

ما سبق كان خلاصة تحليل نشره "معهد الشرق الأوسط" كتبه مديره التنفيذي بول سالم، وترجمه "الخليج الجديد"، متسائلا: "ما الذي يجب فعله حتى يكون هذا الزخم الإيجابي لخفض التصعيد هو المرحلة الأولى من مجموعة أكثر جدوى من الارتباطات لبناء سلام وتكامل إقليمي أكثر ديمومة؟".

يتحدث التحليل عن هذه الموجة الدبلوماسية، التي كانت أبرز ملامحها هو ما يعرف بـ"اتفاقيات إبراهيم" لتطبيع العلاقات بين دول الاحتلال الإسرائيلي ودول خليجية وعربية، وكذلك المصالحة الخليجية التي أنهت أسوأ أزمة تصعيد في تلك المنطقة تمثلت في مقاطعة قطر وحصارها من 3 من جيرانها الخليجيين، ومشاركة من مصر، مرورا بالاتفاق بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات، ويبدو أنه لن ينتهي بإعادة التطبيع بين الدول العربية ونظام بشار الأسد في سوريا.

أسباب موجة خفض التصعيد

هذه هي ملامح حملات خفض التصعيد التي كان سببها الأول، بحسب الكاتب، تزايد الثقة بالنفس لدى الدول الرئيسية في الشرق الأوسط وقادتها، وإدراكهم أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة أو قادرة على حل مشاكلهم بدلا منهم.

أما السبب الثاني وراء ما يحدث هو التحول الكبير الذي طرأ على سلوك السعودية، كأكبر قوة إقليمية الآن، من الثقة المفرطة المبكرة في القدرة على المواجهة، في اليمن ضد الحوثيين المدعومين بقوة من إيران، وضد قطر، إلى تحول سريع بنفس القدر نحو التفاوض وخفض التصعيد.

السبب الثالث، كما يقول التحليل، هو وصول قادة المنطقة لقناعات مفادها أن مقاربات تصعيد الصراع مع الخصوم، أو مجرد عزلهم وعدم التعامل معهم، لم تثمر؛ وعليه فما الضرر من محاولة سلوك طريق ثالث من المشاركة والتفاوض؟

نتيجة اتفاقيات إبراهيم على الأرض

ويتساءل الكاتب عن إمكانية تحول موجة الدبلوماسية تلك إلى أساس لمعالجة الدوافع الحقيقية  للصراعات، أم أنها ستظل فقط مجرد مسكنات.

ففي ملف التطبيع، والذي بدأ بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وأعقبه انضمام دول أخرى، لم تؤد التحركات الدبلوماسية خلاله إلى إحداث أي تقدم في الحلبة الإسرائيلية الفلسطينية.

فبالكاد بعد 3 سنوات من الاتفاقات، تمتلك إسرائيل الآن أكثر الحكومات يمينية في تاريخها، وتتخذ إجراءات أكثر عدوانية ضد الفلسطينيين، تماما كما فعلت مع مصر بعد اتفاقية السلام، حيث تم تحييد الجيش المصري عسكريا لتتفرغ إسرائيل لقضم أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية، لا سيما بالضفة الغربية.

ويقول الكاتب إنه لكي تساهم الاتفاقيات في السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة، يجب على كلا الجانبين في الاتفاقات، وكذلك الولايات المتحدة والقوى العظمى الأخرى، استخدام العلاقات والديناميكيات الجديدة التي تم إنشاؤها من قبلهم لتشكيل مسار قابل للتطبيق إلى الأمام من أجل يتعايش الإسرائيليون والفلسطينيون في الأمن، واحترام الذات، والازدهار، سواء كان ذلك في شكل من أشكال حل الدولتين، أو شكل من أشكال حل الدولة الواحدة اللامركزي وثنائي القومية، على حد قوله.

التقارب السعودي الإيراني

أما بالنسبة للتقارب الذي حدث مؤخرا بين السعودية وإيران، فمن المنتظر أن يؤدي لتقليل التنافسات الجيوسياسية بين البلدين والتي أفرزت عنفا على أسس طائفية في المنطقة، لا سيما في لبنان والعراق واليمن.

ولكن، كما هو الحال في "اتفاقيات إبراهيم"، فإن التقارب السعودي الإيراني يمكن أن يجعل القادة في طهران يقرؤون الأمر على أنه إثبات لعقود من التدخل وبناء الميليشيات في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والتشجيع على مضاعفة هذه الاستراتيجية، وإذعان إقليمي بشأن القمع الوحشي لشعوبهم في الداخل ، ودافع لمضاعفة هذا القمع أيضًا.

إنها قراءة خاطئة، كما يقول الكاتب، لكنها قد تكون موجودة، بدلا من قراءة إيجابية مفادها أن هناك طريقًا بديلًا للمضي قدمًا مع العالم العربي، طريق لا يبنى على الشك والخوف، بل على التعاون المتبادل من أجل الاستقرار.

ويطالب الكاتب السعودية بالضغط، باستخدام تفاعلاتها الأخيرة مع إيران، لإقناع طهران بأن التصعيد النووي والطائفي لن يكون في مصلحة أحد، وبدء مناقشات جادة حول كيفية إنهاء الحروب الأهلية، وحل الميليشيات - بالوكالة أو غير ذلك - وبناء دول شاملة ومستقرة.

التطبيع مع الأسد

هنا يتحدث الكاتب عن نفس المفارقة، وهي القراءة الخاطئة من النظام السوري للتحرك العربي لإعادة تأهيله، حيث استند التحرك العربي على فرضية الطريق الثالث، بعدما فشلت محاولات هزيمة النظام أو تغيير سلوكه من خلال الصراع أو العزلة.

هنا تأتي القراءة الخاطئة المحتملة من بشار الأسد، حيث قد يستنتج أن سياسة مقاومة أي تسوية سياسية واستخدام الوحشية الشديدة ضد شعبه قد أتت ثمارها ويجب أن تظل ركيزة من ركائزه المحلية.

قد يظن النظام أيضا أن تعزيز تجارة المخدرات من خلال الإنتاج الضخم للكبتاجون وتصديره إلى الدول العربية المجاورة كان من بين أنجح استراتيجياته ويجب أن يظل جزءًا من نفوذه الإقليمي.

أخيرًا، يمكن للنظام أن يستنتج أن الحلفاء الذين اختارهم - إيران وروسيا - يتم إعادة تأهيلهم الآن في المنطقة أيضًا، وبالتالي يجب أن يظلوا معهم.

ويقول الكاتب إن هذه القناعات تتناقض تماما مع ما يأمل الدبلوماسيون العرب تحقيقه من خلال التعامل مع نظام الأسد، حيث يريدون قمع إنتاج وتجارة المخدرات، وإحياء عملية سياسية داخلية، وإطلاق سراح المعتقلين وتقليل وحشية النظام، لكن لا يبدو أن هناك ضوءا في نهاية النفق.

المصدر | بول سالم | معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاقيات أبراهام إعادة تأهيل الأسد التقارب السعودي الإيراني المصالحة الخليجية خفض التصعيد

تحليل: محمد بن سلمان يتجه إلى تهدئة التوترات بعد سنوات من الحرب