التعويم الرابع للجنيه.. هل تستبعده مصر أم تنتظر سيولة أجنبية؟

الثلاثاء 6 يونيو 2023 11:08 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

تتصاعد تساؤلات بشأن عدم إقدام مصر على خفض رابع (تعويم) لسعر صرف عملتها الجنيه، وهو إجراء يعتبره البعض  "حتميا" في ظل شح الدولار المزمن وشدة حاجة الحكومة إلى سيولة لسد العجز بين الصادرات والواردات ضمن أزمة اقتصادية حادة ومتفاقمة، وفقا لتقديرات بنكية.

وبينما رجحت تقديرات بنوك أن مصر تنتظر تدفق سيولة أجنبية للإعلان عن خفض جديد لسعر صرف عملتها، ألمح رئيس وزرائها إلى استبعاد احتمال الخفض بقوله إن الجنيه "مُقيم بأقل من قيمته بسبب نقص العملة الصبعة"، بحسب رصد "الخليج الجديد".

ومنذ مارس/ آذار 2022، نفذ البنك المركزي المصري ثلاث عمليات خفض لسعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي من 15.7 جنيها وصولا إلى المستوى الحالي الذي بالغ في البنك الثلاثاء 30.82 جنيها للشراء و30.95 جنيها للبيع، بينما تراوح سعر البيع في السوق السوداء (الموازية) بين 35 و40 جنيها للدولار.

ومع الخفض الجديد المتوقع، يقبل مصريون على شراء الدولار والذهب لحفظ قيمة السيولة المتوفرة لديهم بالجنيه، حيث يعتبرون الدولار والذهب أكثر أمانا مقارنة بشراء شهادات بنكية لن تدرّ أكثر من 22%، في ظل نسبة تضخم تجاوزت الـ30%، بحسب أرقام رسمية.

وبعد نظرة محايدة لمصر حتى ديسمبر/كانون الأول 2022 تحولت إلى "سلبية" في فبراير/شباط الماضي، عمق بنك "كريدي سويس" السويسري، عبر تقرير في الأول من يونيو/ حزيران الجاري، رؤيته السلبية للاقتصاد المصري مع تزايد القلق؛ جراء عدم التقدم في تطبيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، ولاسيما برنامج بيع الأصول العامة وتطبيق سعر مرن للجنيه وتحجيم سيطرة مؤسسات الدولة، ولاسيما الجيش، على الاقتصاد.

وتوقع البنك انخفاضا جديدا لسعر صرف الجنيه بنحو 30%، ليتراوح بين 45 و50 جنيها للدولار خلال 3 أشهر، على أن ينخفض خلال 12 شهرا إلى ما بين 33 و34 جنيها للدولار، بشرط أن تنجح الحكومة في تحقيق تقدم بشأن الإصلاحات.

موارد دولارية

توقعت المجموعة الأمريكية للخدمات المالية للمستثمرين العالميين (سيتي جروب)، عبر تقرير في 15 مايو/ أيار الماضي، تأجيل قرار الخفض الجديد إلى نحو شهرين، ما يعني أنه قد لا يتم خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي 30 يونيو/ حزيران الجاري.

واستبعدت المجموعة أن يلجأ البنك المركزي المصري إلى أي تحرك لخفض قيمة الجنيه، قبل أن تحقق الحكومة تقدما ملحوظا في ملف بيع أصول عامة، حيث تستهدف جمع ملياري دولار العام المالي الحالي ونحو 4.6 مليار دولار في العام المالي المقبل.

لكن المستثمرين يرفضون الشروع بالاستثمار في مصر بينما عملتها في تذبذب مستمر وتراجع في الأسواق الموازية والآجلة، ما أوقف مفاوضات حول استحواذ الصناديق السيادية السعودية والإماراتية والقطرية على شركات عامة مصرية (من بين 32 شركة مطروحة)، إذ تعتبر أنها غير جاذبة للاستثمار في سوق تحيط به المخاطر، ما يهدد بتآكل قيمة الأصول وزيادة التكلفة.

واعتبر لويس كوستا، رئيس استراتيجية وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في المجموعة، أن "خفض الجنيه بشكل حاد قبل نهاية السنة المالية قد يعرقل هدف الحكومة المتمثل في عجز الميزانية بنسبة 6.5% واستقرار ديون البلاد بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي".

كوستا أضاف أن "البنك المركزي المصري سينتظر على الأرجح وصول عائدات السياحة بحوالي 14 مليار دولار، ودخولها في الاقتصاد قبل اتخاذ قرار بشأن الحاجة إلى إعادة تسعير أخرى للجنيه".

عواقب للتأخير

في الاتجاه ذاته، قال بنك الاستثمار الأمريكى "جولدمان ساكس" إن "الحكومة المصرية قد لا تلجأ لخفض الجنيه قبل أن تحرز بعض التقدم فى ملف بيع الأصول لتضمن تدفق سيولة أجنبية، قبل السماح بالمزيد من مرونة سعر الصرف".

وتابع البنك، عبر تقرير في 27 أبريل/ نيسان الماضي، أنه توجد أسباب قد تدفع الحكومة إلى عدم تطبيق سعر صرف أكثر مرونة، منها "عدم جدوى المزيد من التخفيضات في حلّ الاختلالات الخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه بالفعل".

وأردف أن "عدم خفض الجنيه يرجع إلى خطر الدخول في دوامة التضخم وخفض العملة، إذ من المتوقع أن يفاقم حدوث المزيد من الضعف في أسعار الصرف الضغوط التضخمية المرتفعة بالفعل، وهو في حد ذاته أمر غير مرغوب فيه لصانعي السياسة المصريين".

لكن البنك استدرك قائلا إنه "على الرغم من امتلاك الحكومة عددا من الأسباب لعدم خفض الجنيه، بينها أنه بالفعل مُقيم بأقل من قيمته، إلا أنه توجد عواقب للتأخر فى القرار، فتأجيله يجعل من الصعب تجنب خفض حاد فى قيمة الجنيه".

واعتبر أن "الأكثر من ذلك هى ضغوط صندوق النقد الدولى للتحول إلى سعر صرف أكثر مرونة والتى ستؤثر على القرار، خاصة مع استكمال المراجعة الأولى ضمن برنامج التسهيل الممدد والتى تبدو مٌعلقة جزئيا على حدوث ذلك".

ونقلا عن مصادر، قالت وكالة بلومبرج الأمريكية، منتصف أبريل/ نيسان الماضي، إن الصندوق ينتظر مزيد من مرونة سعر الصرف وتحقيق تقدم فى ملف بيع الأصول العامة للبدء فى إجراءات المراجعة الأولى للاقتصاد وصرف الشريحة الثانية من قرض مصر البالغ 3 مليارات دولار والممتد لـ46 شهرا.

الدين الخارجي

ووفقا لكالي ديفيس، الخبيرة الاقتصادية في "أكسفورد إيكونوميكس أفريكا"، فإنه "إذا كانت مصر غير قادرة على جذب تدفقات مثلا من دول مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد وغيرهما من المقرضين، فستبحث أولا فرض قيود أكثر صرامة على العملات الأجنبية قبل النظر في إعادة هيكلة الدين العام الخارجي".

وأضافت كالي، ضمن تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي (Al Monitor)، أن "الوضع مقلق، لكن لدينا ثقة أكبر في أن خيارات تجنب التخلف عن السداد في مصر ستنجح في العامين المقبلين، غير أنه بعد 2025 نرى أن المخاطر تظل مرتفعة".

وبنسبة 5.5%، ارتفع الدين العام الخارجي لمصر خلال الربع الأخير من العام الماضي ليصل إلى 162.9 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، مقابل 154.9 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي، وفقا لبيانات حكومية في 2 أبريل/ نيسان الماضي.

وقال الصحفي مارك إسبانيول، في تقرير "المونيتور"، إن مخصصات الديون في مشروع ميزانية مصر للسنة المالية 2023/2024 تثير مخاوف داخل وخارج البلاد بشأن جدول السداد الوشيك وصراع القاهرة لتأمين أموال خارجية، مع تطلع إلى إغاثة استثمارية خليجية مقابل الاستحواذ على بنوك أو شركات.

وأوضح أن المشروع، الذي كشفت عنه الحكومة في 9 مايو/ أيار الماضي، يضع أكثر من نصف المخصصات لخدمة الدين، ويتوقع الحصول على نحو نصف إجمالي الإيرادات من مزيد من الديون، وقد أعربت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى في العالم وبنوك الاستثمار الكبرى عن مخاوفها بشأن قدرة مصر على الوفاء بالتزامات الديون الخارجية.

القيمة الحقيقية

مقابل الأحاديث المتصاعدة عن ضرورة خفض رابع للجنيه، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي منتصف مايو/ أيار الماضي، إن "الجنيه مُقدّر بأقل من قيمته بسبب نقص العملة الصعبة، إذ يؤدي هذا إلى المبالغة في تقدير العملة".

وبشأن رؤيته لحل أزمة تراجع قيمة الجنيه، اعتبر مدبولي أن "ضخ الاستثمارات سيوفر العملة الصعبة للبلاد، ومن ثم لن تحدث أزمة في الدولار وسيبدأ تقييم الجنيه بقيمته الحقيقية".

وعادة ما يرجع المسؤولون المصريون أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة، ومن ارتفاع نسبة التضخم، إلى تداعيات كل من وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط الثاني 2022.

ومن خانة الآحاد قفز التضخم في مصر إلى خانة العشرات بعد خفض المتتالي للجنيه، ووصول التضخم السنوي في أبريل/نيسان الماضي إلى 30.6% مقارنة بـ32.7% في مارس/آذار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر.

ومنذ الربع الأول من 2022، تعاني مصر من إحدى أكبر أزمات العملة الأجنبية في تاريخ البلاد، في أعقاب خروج استثمارات أجنبية من سوق الدين بالعملة المحلية (أموال ساخنة)، بما قُدر آنذاك بـ21 مليار دولار، وبالتزامن مع بدء ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية لكبح التخضم في الولايات المتحدة.

ومصر هي ثاني أكبر بلد مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وتعمل على تنفيذ خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من الصندوق مع وصول فجوتها التمويلية إلى 17 مليار دولار، في ظل ضغوط على الجنيه، وهو خامس أسوأ العملات أداءً العام الماضي.

  كلمات مفتاحية

مصر الجنيه تعويم اقتصاد سيولة أجنبية اقتصاد الخليج

الرياض والقاهرة تبحثان أزمة شح السيولة الأجنبية في مصر

جولدمان ساكس: مصر تحتاج 5 مليارات دولار لتحقيق سعر صرف موحد ومنظم

فوائد عديدة لتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد.. فهل تفعلها مصر؟

ضغوط متزايدة على سعر الجنيه.. هل تتجه مصر إلى تعويم جديد؟

تعويم جديد.. بلومبرج: صندوق النقد ينتظر انتهاء "دراما الانتخابات" في مصر

بلومبرج: التعويم أبرز تحركات السيسي الحاسمة بعد الانتخابات لانتشال اقتصاد مصر