علي شمخاني وتطهير "الحرس القديم".. ديناميكية قوة متغيرة على أعلى مستوى

الجمعة 9 يونيو 2023 06:38 ص

يعتبر علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني على نطاق واسع ركيزة من ركائز المؤسسة الإيرانية. وتتوازى مسيرة شمخاني المهنية مع تاريخ إيران المعاصر. فقد حارب ضد الشاه خلال السبعينات، ودافع عن البلاد ضد صدام حسين، وشغل سلسلة من المناصب العليا في الحكومة الإيرانية، وبلغت ذروتها بتعيينه لقيادة مجلس الأمن القومي في عام 2013.

يتناول مقال رضا برشيزاده في "منتدى الخليج الدولي" الذي ترجمه "الخليج الجديد" دور علي شمخاني الذي أشرف على توسيع النفوذ الإيراني في الخارج وكان يعتبر لاعباً رئيسياً في قطاع الأمن حتى 22 مايو/أيار الماضي، عندما تم فصله فجأة من منصبه بناءً على طلب المرشد الأعلى علي خامنئي.

وبالنظر إلى النجاح الاستراتيجي المذهل الذي حققه شمخاني في تحقيق السلام مع السعودية، فإن الإطاحة به كانت بمثابة صدمة لكثير من المراقبين. في أبريل/نيسان الماضي مثّل شمخاني طهران في المفاوضات التي توسطت فيها بكين مع الرياض والتي أدت إلى ذوبان الجليد في الحرب الباردة طويلة الأمد بين البلدين. ولكن بالنسبة لأولئك المطلعين على عمليات الدائرة المقربة من خامنئي، فإن استبدال شمخاني كان نتيجة حتمية، محسوبة قبل سنوات كجزء من إعادة هيكلة عامة على أعلى مستويات النظام.

يشير المقال إلى أن شمخاني شغل منصب وزير الدفاع لفترتين خلال رئاسة محمد خاتمي من 1997 إلى 2005. وفي 2013، تم تعيينه أمينًا لمجلس الأمن القومي، وهو المنصب الذي شغله حتى إقالته غير المتوقعة. خلال فترة توليه رئاسة مجلس الأمن القومي التي امتدت لعقد من الزمان، كان شمخاني مسؤولاً عن بعض القرارات الإستراتيجية الأكثر أهمية للنظام الإيراني. لقد كان القوة الدافعة وراء التدخل الإيراني في الحرب الأهلية السورية، حيث قام بتسريع المساعدة للديكتاتور السوري بشار الأسد عندما كان نظامه على وشك الانهيار في عامي 2013 و2014. وفي العراق لمواجهة صعود تنظيم "الدولة" منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبالرغم من أن مكتبه لم يشارك بشكل مباشر في المفاوضات النووية، فقد لعب شمخاني دورًا في المناقشات كمستشار للمرشد الأعلى. اشتكت مصادر مقربة من الرئيس روحاني، الذي أشرف على المحادثات خلال رئاسته من 2013 إلى 2021، لاحقًا من أن شمخاني حاول مرارًا تخريبها. وقد تم إدراجه من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2020 بسبب أنشطته الخبيثة.

أكبري

ويشير المقال إلى أن بداية نزول شمخاني عن السلطة جاءت في عام 2019 بعد القبض على علي رضا أكبري، نائب شمخاني السابق خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع والمستشار المقرب في السنوات التالية، بتهمة التجسس لصالح بريطانيا. ووفقا للقضية القانونية المرفوعة ضده، قدم أكبري معلومات أمنية ونووية حساسة للموساد الإسرائيلي وجهاز إم آي 6 البريطاني مقابل المال والجنسية البريطانية.

وبالرغم من اعتقاله في إيران عام 2009، فقد أطلق سراحه بكفالة وغادر البلاد وعاش في أوروبا معظم العقد التالي. في عام 2019، استدرج شمخاني نفسه أكبري للعودة إلى إيران. عند وصوله، تم اعتقاله واستجوابه وتعذيبه بشكل متكرر من قبل الحرس الثوري الإيراني. وبعد تحقيق دام عدة سنوات، حوكم وأدين في محكمة مغلقة في عام 2022 وأُعدم في يناير/كانون الثاني 2023.

وبالرغم من أن عائلة أكبري نفت التهم الموجهة إليه، فقد تم إثباتها إلى حد كبير من قبل المحققين مع صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير حصري. وبحسب السلطات الإيرانية، فإن المعلومات التي يُزعم أن أكبري باعها للبريطانيين استُخدمت لتخريب المنشآت النووية الإيرانية واستهداف علماء نوويين للاغتيال. وقالت مصادر إن أكبري ذكر أثناء استجوابه اسم شمخاني كمصدر استخبارات، ورطته حتى لو عن غير قصد في التسريب الأمني الكارثي. في الواقع، خلال فترة تولي شمخاني منصب المسؤول الأمني الأعلى في إيران، عانى البرنامج النووي الإيراني من انتكاسات وتسريبات أمنية.

ويضيف التقرير أن التفجيرات غير المبررة وعمليات التخريب الغامضة في المواقع النووية والصاروخية في جميع أنحاء إيران - التي يُعتقد عادةً أنها من صنع إسرائيل- قلصت بشدة جهود النظام للتحديثات العسكرية السريعة.

على نفس المنوال، فقدت إيران عددًا من كبار علماءها في المجال النووي والصواريخ لعمليات اغتيال معقدة لم يكن من الممكن تنفيذها إلا بمعرفة وخبرة داخلية كبيرة تعمل داخل حدود إيران. ربما كان الفشل الأكثر هو نهجه غير الحاسم في البداية تجاه الاحتجاجات المناهضة للنظام على مستوى البلاد والتي بدأت كرد فعل لمقتل مهسا أميني على يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ففي الأيام الأولى للاحتجاجات، ورد أن شمخاني اشتبك مع الرئيس رئيسي ووزير الداخلية أحمد وحيدي، قائد سابق في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بشأن ما اعتبره سوء إدارة للاضطرابات من خلال الاستخدام المفرط للقوة. وبقيامه بذلك، اصطدم شمخاني بالمؤسسة الأمنية الإيرانية المتحصنة بجنون العظمة، والتي كانت تبحث بالفعل عن ذريعة لطرده وسط الغضب من علاقاته مع أكبري.

ويعتقد الكاتب أنه بالرغم من أن خامنئي عيّن على الفور شمخاني في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو مجموعة من كبار المسؤولين مكلفين بتقديم المشورة للمرشد الأعلى، فإن المنصب رمزي ولا يحمل أي سلطة حقيقية؛ في غضون بضع سنوات، إن لم يكن أشهر، من المؤكد أن شمخاني سيتم دفعه بحزم وبشكل دائم إلى التقاعد.

ماذا بعد؟

على المدى القصير، من المرجح أن يؤدي رحيل شمخاني إلى تعقيد جهود التطبيع الإيرانية مع السعودية والعالم العربي الأوسع. بالرغم من أن شمخاني لم يكن مرتبطًا بوزارة الخارجية الإيرانية، إلا أن خلفيته جعلته دبلوماسيًا مثاليًا للعرب. كما أنه أصل عربي ينحدر من محافظة خوزستان جنوب إيران، على ساحل الخليج والمجاور للعراق.

ووفقا للمقال كعربي داخل الجمهورية الإسلامية، أضاف شمخاني مصداقية إلى مزاعم إيران بالتسامح العرقي وأظهر أن العرب الإيرانيين الذين قبلوا نظام حكم النظام يمكن أن يرتقيوا إلى مواقع القوة والنفوذ.

ويضيف المقال أنه خلال الفترة التي قضاها في الحكومة، طور شمخاني علاقات ودية مع العديد من نظرائه في الخليج، وحصل على وسام عبد العزيز من قبل الملك فهد في السعودية في عام 2004 وهو وسام يتحدث عن التقدير المتبادل الذي تلقاه من قادة الدول العربية المجاورة.

ويعتقد الكاتب أنه بالرغم من أن الحكومة الإيرانية قد أعربت عن اهتمامها بتهدئة التوترات مع جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن غياب شمخاني سيجعل من الواضح أنه من الصعب تحقيق انفراج دائم. في الصورة الأكبر، فإن الإطاحة بشمخاني هي جزء من نمط يقوم فيه خامنئي وغيره من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى بتطهير أعضاء "الحرس القديم" الذين يعتبرونهم غير موالين بما فيه الكفاية.

ولعل الاتهام الشائع هو أن رجال الدولة الأكبر سناً، بما في ذلك العديد من جنرالات الحرس الثوري الإيراني، أصبحوا فاسدين ومرتاحين من خلال استغلالهم لمزايا المنصب وفقدوا حماسهم الثوري. وقد أدى هذا الافتقار إلى الحماسة الأيديولوجية، كما يُزعم، إلى قيام العديد منهم بالبحث عن مواءمات مع أعداء إيران - أو، في حالة أكبري، التعامل مع وكالات استخبارات أجنبية معادية.

على هذا النحو أصبح الحرس القديم عبئًا على الدولة وتحول إلى عقبة أمام تحقيق المثل الثورية، وبالتالي يجب إزالته واستبداله بشخصيات "غير ملوثة". ومن الواضح أن الجنرال علي أكبر أحمديان، خليفة شمخاني في مجلس الأمن القومي، يمكن اعتباره من قدامى المحاربين في الحرب الإيرانية العراقية، وكان قائدًا لقوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني من عام 1997 إلى عام 2000، وشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري الإيراني من عام 2000 إلى عام 2007، وقاد المركز الاستراتيجي للحرس الثوري منذ عام 2007.

ويُنظر إلى التاريخ العسكري الذي أبعده ظاهريًا عن إغراءات السياسة وسمح له بالحفاظ على نقائه الأيديولوجي على أنه رصيد له في السياق الحالي لسياسات القوة في طهران. كما أن تعيينه هو مؤشر على اعتماد خامنئي المتزايد على الأمن والقوات العسكرية الإيرانية للبقاء في سيطرته على الدولة المضطربة بشكل متزايد والأخطر من ذلك، سيطرة الحرس الثوري الإيراني على المؤسسات الحكومية الرئيسية في إيران وتعزيزها.

المصدر | رضا برشيزاده | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران شمخاني خامنئي أكبري