هجوم مضاد أم انتحار أوكراني بدون غطاء جوي؟
لم يعد السؤال اليوم عن الهجوم المضاد الأوكراني وجدواه العسكرية، بل: ماذا بعد هذا الهجوم الانتحاري؟
ما الأدوات والآليات التي سيطورها الروس للرد على هذه الهجمات؟ فالمسار الاستراتيجي اليوم بات أكثر اعتمادًا على الفعل ورد الفعل المضاد والمتطور والمعقد.
تواجه القوات الأوكرانية ضربات جوية دقيقة من قبل القوات الروسية وسلاح الجو الروسي الذي يقبع منتظرًا تقدم القوات الأوكرانية خلف السواتر الدفاعية.
يتسم رد فعل روسيا بالهدوء والثقة بالاستراتيجية المتبعة بخلاف دول الناتو المترقبة بقلق نتائج على الأرض لن تأتي بجديد مع تمسك الروس باستراتيجيتهم الدفاعية.
مساعدات أمريكية طارئة ومتأخرة لن تغير نتيجة الهجوم المضاد الاوكراني الذي بات استنزافا واضحة لقوات أوكرانيا المهاجمة التي تفتقد غطاء جويا ودفاعات فاعلة.
الهجوم المضاد الاوكراني لا يهدف لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، فخسائر أوكرانيا كبيرة ما يعني ان الهجوم حاجة نفسية للقوات الأوكرانية والحلفاء في الناتو.
إعلانات أمريكا المتكررة عن مساعدات طارئة هي دعوة لأوكرانيا لمتابعة الهجوم المضاد البائس لإحداث أثر نفسي واضطرابات داخل روسيا تسجل كنصر لأمريكا والناتو وبايدن!
* * *
أعلنت الولايات المتحدة عن مساعدات طارئة يوم اول امس بقيمة تقارب ملياري دولار لتوفير منظومات دفاع جوي للقوات الاوكرانية، تبعها إعلان يوم الثلاثاء عن مساعدات جديدة بقيمة تقارب 350 مليون دولار.
الإعلانات الامريكية المتكررة عن مساعدات يمكن وصفها بالطارئة جاءت متأخرة، ولن تغير نتيجة الهجوم المضاد الاوكراني الذي تحول الى عملية استنزاف واضحة لقوات أوكرانيا المهاجمة التي تفتقد لغطاء جوي او دفاعات فاعلة.
يمكن اعتبار الإعلانات الامريكية المتكررة عن مساعدات طارئة بأنها دعوة لأوكرانيا لمتابعة الهجوم المضاد البائس على أمل إحداث أثر نفسي واضطرابات أو هزة داخل روسيا تسجل كنصر لأمريكا وللناتو ولبايدن شخصيا؛ فيومًا بعد يوم يتحول الهجوم الاوكراني الى استنزاف حقيقي للقوات الاوكرانية التي تُواجَه بضربات جوية دقيقة من قبل القوات الروسية وسلاح الجو الروسي الذي يقبع منتظرًا تقدم القوات الأوكرانية خلف السواتر الدفاعية.
يصعب تخيل نجاح الهجوم الاوكراني في ظل فقدانه لأهم عناصر النجاح ممثلًا بالغطاء الهجومي؛ فالجيش الاوكراني لا يخوض حرب عصابات التي يبدو أنها غير موجودة في قاموسه، بل حربًا نظامية تكشف عن وجود مخططين من الناتو في الظل.
غياب الدفاعات الجوية لا يمكن تعويضه في حالة الهجوم إلا باتباع إستراتيجيات حرب العصابات، وهو التكتيك الذي تفتقده القوات الاوكرانية، فهي لا تخوض حرب عصابات، ولا هي في حالة دفاع تتحصن بانتظار القوات المهاجمة وتناور لتجنب ضرباتها الجوية.
من الواضح الهجوم المضاد الاوكراني لا يهدف لتحقيق أي مكاسب عسكرية على الأرض، فخسائر أوكرانيا كبيرة؛ ما يعني ان الهجوم حاجة نفسية للقوات الاوكرانية والحلفاء في الناتو، وجزء مهم من الحرب النفسية على الكرملين، وخصوصًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ بإحراجه وإظهاره في موقف الدفاع لا الهجوم.
لمواجهة استراتيجية الناتو ظهر بوتين امام وسائل الاعلام متماسكًا وهادئًا؛ إذ أراد إيصال رسالة بأن الأثر النفسي للهجوم لم يتحقق، سواء على الصعيد الشخصي لبوتين أم على صعيد الداخل الروسي الذي يتعرض لحملات إعلامية، وحرب نفسية معقدة.
لكن ما يثير الإعجاب في رد فعل روسيا الهدوء والثقة بالاستراتيجية المتبعة على خلاف الحلفاء في الناتو المنتظرين لنتائج على الأرض، وفي الفضاء النفسي؛ نتائجُ لن تأتي -على الأرجح- بجديد في حال تمسك الروس باستراتيجيتهم الدفاعية.
وبالتالي لم يعد السؤال اليوم عن حملة الربيع الأوكرانية وجدواها العسكرية، بل السؤال الذي بات اليوم: ماذا بعد هجوم الربيع الانتحاري؟
هل يتجه الخصوم الى طاولة المفاوضات في بكين، أم أن الناتو سيبحث عن نصر من نوع آخر قبيل الانتخابات الرئاسية الامريكية تستهدف فيه موسكو بشكل مباشر مجدداً؟
وما هي الأدوات والآليات التي سيطورها الروس بمررو الوقت للرد على هذه الهجمات؟ فالمسار الإستراتيجي اليوم بات أكثر اعتمادًا على الفعل ورد الفعل المضاد والمتطور والمعقد.
*حازم عياد كاتب صحفي وباحث سياسي
