هل تؤثر زيارة تبون إلى روسيا على علاقات الجزائر مع الغرب؟

الخميس 15 يونيو 2023 07:04 م

تؤكد زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للعاصمة موسكو وتوقيعه  إعلان شراكة إستراتيجية واسعة بين البلدين، حسم الدولة الافريقية لخيارها الاستراتيجي في الانخراط الكامل ضمن قطب الشرق، والذي تمثله روسيا والصين، والابتعاد عن المحور الغربي، والذي كان يمثله الثقل الفرنسي السياسي والاقتصادي في الجزائر، وتجاوز الأخيرة للمواقف الغربية القلقة بشأن علاقتها المتزايدة مع روسيا.

يأتي ذلك في وقت تحوم فيه الشكوك حول زيارة الرئيس الجزائري المبرمجة إلى باريس، بعد تجدد التوتر بين البلدين، حيث ‏تأجلت إلى النصف الثاني من الشهر الجاري، بعد أن ‏كانت مقررة في مايو/أيار الماضي.

بينما أشار مصدر من الرئاسة الفرنسية إلى وجود محادثات بين الطرفين لإيجاد تاريخ ملائم لهذه الزيارة، ما يؤشر على أنها لن تتمّ في موعدها.

واصطدمت التحضيرات لزيارة تبون إلى باريس بعقبة جديدة عقب تصويت نواب حزب الرئيس الفرنسي بالبرلمان الأوروبي يوم 11 مايو/أيار الماضي، على لائحة تنتقد وضع حقوق الإنسان في البلد العربي، مخلفة غضبا في الجزائر، فيما بدأت وسائل إعلام فرنسية الحديث عن تأجيل آخر لزيارة تبون.

وبالعاصمة موسكو، وفي مستهل لقاء بين تبون ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين في الكرملين، وصف الرئيس الروسي العلاقات بين البلدين بـ"ذات إستراتيجية خاصة"، في وقت قال الرئيس الجزائري إن الأوضاع الدولية لا تؤثر على صداقة الجزائر مع روسيا.

ووقع الرئيسان الروسي والجزائري "إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة" بين البلدين، واتفاقية للتعاون في مجال استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

يقول الدبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت، إن هذه الزيارة التي تأجلت أكثر من مرة، تأتي في سياق محلي وإقليمي ودولي له أكثر من دلالة.

ويضيف: "هذه الزيارة كان من المفترض أن تتم قبل نهاية العام الماضي، ولكنها لم تتم بسبب رفض غربي بالأساس.. وهي تأتي الآن بعد أن استجابت للشروط الغربية تحديدا، وفي مقدمتها فتح الجزائر للشركات الأوروبية، وخصوصا منها المتخصصة في التنقيب عن النفط الصخري المرفوض داخليا، وأيضا تنويع مصادر السلاح الجزائري ليشمل السلاح الغربي بعد أن كانت الجزائر تعتمد أساسا على السلاح الروسي".

ويتابع زيتوت: "أما داخليا فهي زيارة شكلية هدفها إعطاء انطباع بأن النظام الجزائري لم يتخل عن علاقاته مع روسيا، لا سيما أن هناك نبرة شعبية معادية لأوكرانيا بالنظر إلى علاقتها بالغرب، ومناصرة لروسيا".

وأعلنت الجزائر الخميس قبول روسيا وساطة تبون في نزاعها القائم مع أوكرانيا، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء الجزائرية (رسمية)، مضيفة أن تبون أكد لبوتين أن هذه الثقة "ستكون في محلها".

ويذكر الدبلوماسي الجزائري السابق، أن "توقيت الزيارة خاطئ من الناحية الإقليمية، إذ إنها تأتي ردا على النظام المغربي الذي  يعزز علاقاته المرفوضة شعبيا مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتزامن مع مناورات الأسد الإفريقي التي تجري بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية".

ويضيف: "النظام الجزائري يريد الرد على الاستقواء المغربي بإسرائيل وبالغرب بالذهاب إلى أصدقائه الروس، لكنه للأسف يذهب لهم في الزمن الخطأ، فروسيا غريقة في أوكرانيا وهي تعاني الأمرين، بل إنها تستورد السلاح من كوريا الشمالية وإيران وغيرهما من الدول"، وفق تعبيره.

إلا أن مراقبين، يقولون إن خطوات تبون خلال زيارته إلى موسكو "محسوبة"، وإنه حريص على عدم إثارة غضب الأمريكيين بتأجيل الخوض في الصفقة العسكرية التي جرى الحديث عنها في وقت سابق.

ويشير المراقبون إلى أن الجزائر تريد ألّا تتّخذ زيارة تبون إلى موسكو بعدا استعراضيا ودعائيا، وذلك خوفا من توتير العلاقات مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، ولأجل ذلك هناك حذر جزائري من الحديث عن الصفقة العسكرية خلال الزيارة.

وأفاد مصدر جزائري مطلع، بأن مخرجات الزيارة ستكون خالية من أي صفقة عسكرية عكس ما تردد سابقا، وذلك لاعتبارات متعددة، أبرزها تخوّف الجزائر من الضغوط الغربية، إضافة إلى صعوبة الحصول على الصفقة عمليّا، حيث يقوم الروس في الظرف الحالي بتأمين السلاح والذخيرة للحرب في أوكرانيا، فضلا عن تعقيدات الدفع في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي قد تتسع لتطال الجزائر.

وأضاف المصدر، أن "هناك فواتير روسية متراكمة على عاتق الجزائر تقدر بنحو ملياري دولار، تسعى موسكو لتحصيلها بشتى الطرق للمساعدة في تمويل خزينتها، غير أن الحصار المصرفي المضروب على موسكو أعاق عملية تسوية الجزائر للفواتير الروسية".

في المقابل، تسعى الجزائر لإقناع الغرب بأنها ماضية في تخفيف تعاملاتها مع موسكو، لكنها في الوقت نفسه تحاول إقناع الروس بأنها في صفّهم، وهذا التناقض لا تقبل به موسكو كما لن يقبل به الغرب، وخاصة واشنطن التي تلوّح في وجه النظام الجزائري بقانون “مكافحة أعداء أميركا عن طريق العقوبات” (كاتسا) الذي أقره الكونغرس في عام 2017.

واتهمت دوائر أمريكية مؤثرة، من بينها نواب في الكونجرس، الجزائر، بأنها ستموّل حرب روسيا في أوكرانيا في حال مضت في إنجاز صفقة عسكرية مع روسيا بقيمة 7 مليارات دولار، وقد بدأ المسؤولون الجزائريون البحث عن مخارج لهذه الأزمة.

وتعد الجزائر واحدة من الدول القليلة التي لم تندد بالغزو الروسي لأوكرانيا واختارت الامتناع عن التصويت في كل الجلسات التي عقدتها الأمم المتحدة، ومقابل تأكيداتها الرسمية أنها لا تنحاز لأيّ طرف في الحرب، فهناك إشارات متعددة بيّنت تقارباً جزائرياً-روسياً.

ومن هذه الإشارات انتقاد مصادر تحدثت لصحف جزائرية، حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي في القمة العربية، وعدم لقاء الجزائر بأيّ مسؤول أوكراني منذ بدء الحرب، فضلاً عن مشاركة الجزائر وروسيا للموقف ذاته في الملف السوري، وخصوصا دعم حكومة دمشق.

لكن المحلل السياسي والمحاضر في جامعة باريس خطار أبو دياب، لا يرى أن الجزائر ابتعدت عن المعسكر الغربي، وأنها تحاول إبقاء علاقة متوازنة مع الجميع، لكن مع ميل أكبر نحو الصين وروسيا.

ويضيف أن الجزائر لا تزال تحافظ على علاقات مع أوكرانيا ومع الغرب عموماً، وأنها شكلت بديلاً عن الغاز الروسي لعدد من الدول الأوروبية، لكن "قد تكون الزيارة رسالة من الجزائر بأن لديها هي الأخرى حلفاء، وذلك في سياق علاقتها المتوترة مع المغرب الذي تقارب مؤخراً مع إسرائيل".

رغم تراجع استيراد الجزائر للسلاح في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 58%، حسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن روسيا هي المموّل الرئيسي للجيش الجزائري.

وحسب بيانات المعهد، فإن 73% من السلاح الذي تستورده الجزائر يأتي من روسيا، و10% فقط من ألمانيا، وفقط 5.2% من فرنسا.

كما أنه رغم الانخفاض، تبقى الجزائر ضمن المستوردين الثلاث الكبار للسلاح في أفريقيا، رفقة مصر والمغرب.

ولا يعتقد أبودياب أن الجزائر ترغب بأن تتوقف مشترياتها من السلاح على روسيا، وأنه رغم الحضور الكبير للسلاح الروسي، فهي كذلك باتت تبحث عن أسواق أخرى سواء من الغرب أو من تركيا أو من الصين، لكن الأمر عموماً يبقى مؤشراً مقلقاً، إذ يندرج في سباق التسلح مع المغرب، ما قد تكون له انعكاسات سلبية على المنطقة.

وفي الجانب الاقتصادي، يعد العام الحالي هو عام "الإنعاش الاقتصادي" في الجزائر، وستكون هناك أولوية خاصة للحليف الروسي وشركاته ومستثمريه في الاستراتيجية الجزائرية الجديدة.

وتحتل الجزائر المرتبة الثانية كشريك تجاري لروسيا في القارة الأفريقية، وبميزان تجاري قيمته 3 مليارات دولار سنويا، وتتطلع إلى مضاعفة هذه الشراكة وتقليص التعاون مع بعض الدول الأوروبية.

كما تعتزم الجزائر الانضمام الى منظومة "بريكس" التي ستعقد قمتها في كيب تاون في أغسطس/آب المقبل، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن طلب الجزائر للانضمام يحتل الصدارة لمكانتها ومميزاتها الخاصة، مما يعني أنها ستصبح عضوا فاعلا في المنظومة.

ويُنظر لـ""بريكس على أنها منافس لمجموعة السبع الكبار أو حتى بديلا لها، أو أن تكون ممثلة لمجموعة دول الجنوب، وقد نأت عن اتخاذ أيّ موقف ضد غزو روسيا لأوكرانيا.

وتشير تقارير إلى نمو المبادلات بين دول المجموعة.

وبات التجمع يجذب دولاً أخرى منها الإمارات ومصر والأرجنتين ونيجيريا، وهناك قلق غربي من أن يتحول من تكتل اقتصادي إلى تكتل سياسي، وأن تبسط عليه روسيا والصين سياساتهما بحكم أنهما أكثر الأعضاء نفوذاً.

ورافق الرئيس الجزائري العديد من الوزراء ومن المسؤولين الكبار ورجال الأعمال للمشاركة في فعاليات المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ، الذي بحث آليات بعث التعاون الاقتصادي والتجاري.

وفي كلمته بالمنتدى، صرح الرئيس الجزائري بأن هناك إمكانيات هائلة بين الجزائر وروسيا بخصوص التحول الذي تشهده مجالات التكنولوجيا والزراعة والسياحة والعلوم الدقيقة، وبأن الإجراءات العملية التي تجسدت في إطار هذا المسار -منها إنشاء وكالة لترقية الاستثمار- وضعت من أجل مرافقة الراغبين في إطلاق مشاريعهم الاستثمارية من المتعاملين الجزائريين والأجانب.

يقول رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين الجزائر وروسيا عبدالسلام بشاغة، إن الطابع الاقتصادي طغى على الزيارة، بحكم تنظيم منتدى رجال أعمال بين الدولتين، وتوقيع "وثيقة التعاون الاستراتيجي المعمق".

ويضيف: "أعتقد أن الجانب الجزائري يرى أنه بعد مرور أكثر من 20 عاما منذ التوقيع على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين عام 2001، فإن الوقت قد حان لتطوير التعاون بين البلدين إلى علاقة تحالف أعمق، تشمل مجالات اقتصادية متعددة، وليس حصرها فقط في التعاون العسكري".

ويتابع: "ستعطي هذه الزيارة آفاقاً جديدة خاصة بتنويع التعاون الاقتصادي ليشمل مجالات متنوعة كالطاقة والزراعة والأمن السيبيراني والتعليم والثقافة والسياحة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجزائر روسيا الغرب أمريكا الحرب في أوكرانيا تبون بوتين

تبون ردا على ضغوط لعدم استيراد السلاح من روسيا: الجزائريون ولدوا أحرارا وسيبقون كذلك