استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كوكب الغرقى

الاثنين 19 يونيو 2023 02:55 ص

كوكب الغرقى

لم يخطئ من اعتبر أن البحر المتوسط قد أضحى مقبرة لـ«معذّبي الأرض»

الأكيد أن موجات الهجرة الحالية نحو الحديقة الأوروبية ليست سوى أول الغيث!

في بداية 2023، أشار تقرير الأمم المتحدة إلى وفاة ما يقارب عشرين ألفا من المهاجرين غرقاً في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014..

أضحى قسم وازن من الشعوب ضمن «كوكب الغرقى» وهي كتل شعبية وازنة في جنوب العالم حرمتها الرأسمالية العالمية من أبسط مقوّمات البقاء.

يقسم روفان العالم لثلاث مناطق: الإمبراطورية أي الواحة الغربية؛ والمنطقة العازلة وهي بلدان مستقرّة نسبياً ببداية التسعينيات وقريبة جغرافياً من أوروبا؛ ومناطق الفقر المدقع والتهديد الديمغرافي: أفريقيا جنوب الصحراء.

* * *

من المحرج أن يغرق مئات البشر، الذين كان من الممكن إنقاذهم بحسب مسؤول ملفّ الهجرة في منظمة «أطباء بلا حدود»، جيروم توبيانا، أمام سواحل اليونان، حتى بالنسبة إلى حكومتها اليمينية المحافظة التي جعلت من مكافحة «الهجرة غير الشرعية» أولوية على جدول أعمالها.

ذلك ما يفسّر إعلانها الحداد 3 أيام على الضحايا، وقرار رئيسها كيرياكوس ميتسوتاكيس، ومنافسه اليساري ألكسي تسيرباس، تعليق حملتيهما الانتخابية قبل يوم الانتخابات التشريعية في هذا البلد في الـ25 من هذا الشهر.

هذا المستوى من الرياء والاستخفاف بالعقول هو أكثر ما يثير الحنق. فقد أفادت التقارير الإعلامية الغربية بأن إحدى طائرات المراقبة التابعة لـ«فرونتكس»، وهي الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، كانت قد رصدت السفينة التي يراوح طولها ما بين 20 و30 متراً، والمكتظّة، وفقاً لبعض الناجين على متنها، بحوالي 750 شخصاً، منذ بعد ظهر الثلاثاء الماضي، أي قبل غرقها فجر الأربعاء.

لم يخطئ من اعتبر أن البحر المتوسط قد أضحى مقبرة لـ«معذّبي الأرض». ففي بداية هذا العام، أشار تقرير للأمم المتحدة إلى وفاة نحو 20 ألفا من المهاجرين غرقاً فيه منذ عام 2014.

لكن هذا الواقع، والسياسات التي ساهمت في إنتاجه، وأهمها تلك الإجراءات الأمنية - العسكرية المعتمَدة من قِبل البلدان الأوروبية، لم تفلح جميعها في الحدّ من تدفّق المهاجرين، القادمين من بقاع الفقر المدقع والحروب والمذابح نحو الحديقة الأوروبية «حديقة الثروة والرخاء»، المسؤولة تاريخياً وبنيوياً عمّا حلّ بهم من مآسٍ وويلات.

هاجس اجتياح آلاف، وربّما ملايين، الجائعين «الملوّنين» للجنان الأوروبية ليس جديداً. فقد سبق للكاتب الفرنسي، جان راسباي، في روايته «مخيم القدّيسين»، الصادرة في عام 1973، أن أفصح عنه عندما تخيّل وصول أعداد غفيرة من الهنود بحراً إلى جنوب شرق فرنسا، هرباً من الفيضانات في بلادهم، وتكاثرهم مع الزمن إلى درجة تحوّلهم إلى غزاة، وحلولهم في مكان أهلها.

لكن جان كريستوف روفان، الطبيب الذي عمل في الحقل الإنساني، والدبلوماسي السابق والكاتب، هو الذي عكس بوضوح أكبر، في مؤلّفه الصادر في 1992 بعنوان «الإمبراطورية والبرابرة الجدد»، حقيقة تحكّم هاجس ديموغرافيا الملوّنين وما تمثّله من تهديد لواحة الرفاه الغربية، بمنظور نخب هذه الواحة للعالم وشؤونه.

يقسم روفان العالم إلى 3 مناطق: الإمبراطورية، أي الواحة الغربية؛ والمنطقة العازلة، وهي بالنسبة إليه كفرنسي - أوروبي البلدان المستقرّة نسبياً في بداية التسعينيات، والقريبة جغرافياً من القارة الأوروبية كالمغرب العربي وليبيا ومصر؛ ومناطق الفقر المدقع ومصدر التهديد الديمغرافي الرئيس برأيه، أي أفريقيا جنوب الصحراء.

يحاذر روفان تقديم توصيات، ويحرص على الظهور بمظهر من يوصّف «موضوعياً» التوجّهات السائدة آنذاك، وهي اتّباع أوروبا تدريجياً سياسات تحوّلها إلى نوع من القلعة الحصينة القادرة على صدّ موجات الهجرة، وتثبيت بلدان المنطقة العازلة في «وظيفتها» كحزام أمني في مقابل هذه الموجات، والعمل مع السلطات في بلدان الفقر المدقع، أيّاً كانت، لمنع الهجرات.

من يراجع اليوم السياسات الأوروبية حيال بلدان كتونس والجزائر والمغرب وليبيا، والاتفاقيات الخاصة بمكافحة الهجرة، وإقامة المخيمات والمعتقلات الخاصة بالمهاجرين، في مقابل مكاسب وحوافز اقتصادية ومالية، فسيتأكّد من رسوخ مثل هذا المنظور في أذهان النخب الحاكمة الأوروبية.

لكنّ الحرب التي شُنّت على ليبيا في عام 2011، وما أدّت إليه من تدمير لدولتها، والأزمات البنيوية التي تعصف بتونس، والتطورات المحتملة في بلدان عربية أخرى، قد أضعفت من قدراتها جميعاً على أداء مثل هذا الدور، وأصبح بعضها مصدراً لهجرة متزايدة نحو أوروبا.

وبطبيعة الحال، فإن الحرب الأهلية في سوريا قد حوّلتها أيضاً منذ سنوات إلى مصدر للهجرة. عقود من سياسات السيطرة والنهب والعدوان الغربية قد حالت دون نجاح عمليات البناء الوطني في العديد من البلدان المستعمرة سابقاً، وأدّت إلى اضمحلال الدول كلياً أو جزئياً في بعضها.

قسم وازن من شعوب هذه البلدان أضحى ضمن «كوكب الغرقى» وفقاً لتعبير الكاتب الفرنسي سيرج لاتوش، عند حديثه عن كتل شعبية وازنة في جنوب العالم حرمتها الرأسمالية العالمية من أبسط مقوّمات البقاء. والأكيد أن موجات الهجرة الحالية نحو الحديقة الأوروبية ليست سوى أول الغيث!

*د. وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

  كلمات مفتاحية

كوكب الغرقى الرأسمالية العالمية موجات الهجرة الحديقة الأوروبية أفريقيا جنوب الصحراء البلدان المستعمرة التهديد الديمغرافي مناطق الفقر المدقع