ترامب المستفيد الأول من صحيفة اتهامه!

هل تحدى ترامب وزارة العدل، وسخر منها واستدرجها واستفزها حتى تقاضيه؟

في وثائق الأمن القومى السرية التى وُجدت بمنزل ترامب بولاية فلوريدا تم العثور على 365 ملفًا سريًا، مائة منها تقريبًا مكتوب عليها «سرى للغاية».

رفض ترامب تسليم الوثائق فورًا والتعاون مع جهات التحقيق وظل يؤكد حتى النهاية أن من حقه كرئيس ثم كرئيس سابق الاحتفاظ بما يشاء من الوثائق.

صحيفة الاتهام الجديدة لم يستفد منها أكثر من ترامب نفسه بل ربما سعى لها سعيًا! إذ تمنحه دعاية مجانية كمرشح للرئاسة وتتيح تعبئة أنصاره ولا تمنعه ترشحه أصلًا.

بسبب تطورات هيكلية لحقت بقوانين الإعلام الأمريكى وممارساته على مدار الخمسين عامًا الأخيرة، بات الإعلام يجسد فى ذاته الاستقطاب الحاد نفسه الذى تعيشه أمريكا.

* * *

صحيفة الاتهام الجديدة الموجهة للرئيس الأمريكى السابق لم يستفد منها أكثر من «ترامب» نفسه بل إن بعض المعلومات المتاحة تشير إلى أنه ربما سعى لها سعيًا! فهى تمنحه دعاية مجانية كمرشح للرئاسة وفرصة لتعبئة أنصاره ولا تمنعه من الترشح أصلًا.

فقد صدر تقرير المحقق الخاص الذى تم تعيينه من قبل وزارة العدل بخصوص وثائق الأمن القومى السرية التى وُجدت بمنزل ترامب الخاص بولاية فلوريدا. فقد تم العثور على 365 ملفًا سريًا، مائة منها تقريبًا مكتوب عليها «سرى للغاية».

واحتوت على معلومات تتعلق ببرامج نووية وشرحت تفصيلًا مواطن ضعف القدرات الخاصة بأمريكا وحلفائها. والاتهامات التى بلغ عددها 37 تمثل المرة الأولى فى التاريخ الأمريكى التى سيُحاكم فيها رئيس أمريكى أمام القضاء الفيدرالى.

والحقيقة أن الإعلام الأمريكى، بسبب تطورات هيكلية لحقت بقوانينه وممارساته على مدار الخمسين عامًا الأخيرة، بات يجسد فى ذاته الاستقطاب الحاد نفسه الذى تعيشه الولايات المتحدة.

لذلك بات لزامًا على الباحثين فى الشأن الأمريكى، من أمثالى، تحرى الدقة وعدم أخذ ما يُقال فى ذلك الإعلام على عواهنه. ففى موضوع اتهام «ترامب» كغيره من الموضوعات، تجد فى ذلك الإعلام الشىء ونقيضه حسب المصدر الذى تقرؤه وأيديولوجيته.

فاليمين مثلًا يزعم أن وزارة العدل تم تسييسها لاستهداف «ترامب» ومحاكمته على سلوك ثبت أن نائبه مايك بنس، بل والرئيس الحالى شخصيًا سلكه حين كان نائبًا للرئيس، إذ وُجدت وثائق مهمة فى منازلهما ومكاتبهما الشخصية.

لكن القضية، على ما يبدو من صحيفة الاتهام نفسها، ليست وجود الوثائق فى منزل أيهما وإنما التعاون لاحقًا مع سلطات التحقيق، بما فى ذلك رد الوثائق فورًا للهيئة المسؤولة عن حفظها، وهو ما لم يفعله «ترامب».

وبالتالى، القضية هى «الامتناع عن رد الوثائق وعرقلة التحقيق»، بل ووجود الوثائق بأماكن غير مألوفة كغرف التخزين والحمامات، فضلًا عن معلومات موثقة، بعضها بصوت «ترامب» نفسه، تفيد بأنه تعمد عدم ردها، بل وأتاح تلك الوثائق لآخرين لا يجوز اطلاعهم عليها.

وفى تقديرى الخاص، فإن المستفيد الأول من الاتهام هو «ترامب». وهو تقدير مبنى على أمرين:

- أولهما ما قاله عدد من المستشارين القانونيين الذين يعملون لصالح «ترامب»، وأفادوا بأن الرجل رفض أكثر من مرة نصيحتهم بتسليم الوثائق فورًا والتعاون مع جهات التحقيق، وظل، رغم تحذيرهم المستمر، يؤكد حتى النهاية أن من حقه كرئيس ثم كرئيس سابق الاحتفاظ بما يشاء من الوثائق.

- الأمر الثانى فهو ما قاله مايكل لاتيج، القاضى السابق، وأحد رموز اليمين، والذى تتلمذ على يديه العشرات من قضاة اليمين بالولايات المتحدة. بعبارة أخرى، لا ينتمى لاتيج لمن يعتبرهم الجمهوريون خصومهم وإنما يُعتبر من أكثر القضاة يمينية بأمريكا.

فهو كان قد عينه بوش الأب لمحكمة استئناف بدائرة يمينية، ثم كان مرشحًا لاحقًا للمحكمة العليا، لولا أنه ترك القضاء وشغل منصبًا يسمح له بدفع تكاليف تعليم أبنائه.

ومع تلك الخلفية اليمينية بامتياز، فإن ما يقوله لاتيج فى الموضوع لابد وأن يُؤخذ على محمل الجد. فهو قال إن:

«ترامب تحدى وزارة العدل، وسخر منها واستدرجها واستفزها حتى تقاضيه. وطوال الثمانية عشر شهرًا الماضية وبالتأكيد حتى اليوم السابق مباشرة على إصدار صحيفة الاتهام كان بإمكان الرئيس السابق أن يتجنب الاتهام ويمنع حدوثه. فما كان من الممكن أبدًا اتهامه لمجرد أنه أخذ تلك الوثائق.. لكن لسبب ما فضل أن يتم اتهامه ومحاكمته»!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي