التجنيد الإلزامي في الخليج.. تعزيز الروابط الوطنية والقومية تواجه معوقات

الجمعة 23 يونيو 2023 07:00 م

منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت قطر والإمارات والكويت بإدخال أو إعادة إدخال التجنيد الإجباري، بسبب مجموعة من الدوافع الاقتصادية أو الاجتماعية أو الجيوسياسية، في محاولة لتعزيز الروابط الوطنية واستخدامها كأداة قوة ناعمة في المنطقة.

هكذا يخلص تقرير لـ"مبادرة الإصلاح العربي"، الذي يلفت إلى أن إعادة التجنيد الإجباري، يأتي في إطار رغبة هذه الدول، في خلق شعور بالانتماء الوطني والذاكرة الجماعية الموالية للسلطة الحاكمة.

ويضيف: "الهدف النهائي ليس فقط أن تكون هذه الدول دولاً ريعية، بل أيضاً أن توحد مجتمعاتها كأمة ضد جميع التهديدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وما إلى ذلك.

ويشير التقرير إلى أن الغزو الأمريكي للعراق، وثورات الربيع العربي في عام 2011، والتدخلات الأجنبية اللاحقة في اليمن وسوريا وليبيا، أدى إلى إعادة الاستعداد والكفاءة العسكرية إلى رأس الأولويات الحكومية مرة أخرى، وقد أدى ذلك إلى عودة الخدمة العسكرية الإجبارية.

وهذا حدث ليس فقط في البلدان التي في حالة حرب و/أو تحت تهديد التدخل العسكري، بل أيضاً في غيرها من البلدان، وهو ما حدث في بعض دول الخليج، مثل الكويت وقطر والإمارات، التي نادراً ما لجأت إلى التجنيد الإجباري من قبل.

وأقرّت قطر التجنيد الإجباري لأول مرة في عام 2013، تلتها الإمارات في عام 2014، أما الكويت فقد سبقتهما في اعتماد التجنيد الإجباري بين عامي 1961 و2001، ثم أعادت اعتماده في عام 2014.

وحتى وقت قريب، كان قِوام جيوش هذه الدول يتكون من فرقة الضباط المحليين، ونخبة من ضباط الصف الأجانب (معظمهم من الغربيين) والجنود الأجانب المنتدبين من دول مختلفة (الأردن واليمن وباكستان وبنغلاديش وعمان).

ويعلق التقرير على هذا التطور بالقول إن "حقيقة لجوء 3 دول من مجلس التعاون الخليجي إلى التجنيد الإجباري بعد اعتمادها أنظمة تجنيد تطوعية، تثير العديد من الأسئلة المتعلقة بتطور العلاقات المدنية العسكرية في المنطقة، وما هي الدوافع وراء هذه العودة إلى التجنيد الإجباري؟، وما مدى ملاءمتها للجغرافيا السياسية الأوسع للمنطقة؟، وما أثر ذلك على مستقبل العلاقات المدنية العسكرية وبناء الدولة في الخليج؟".

وينقل التقرير عن خبراء وسياسيين القول إن أسبابا اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية كانت وراء تحول استراتيجية دول الخليج تجاه التجنيد العسكري.

ويضيف: "المشاكل الأمنية التي يفرضها وضع إيران واليمن، والاستعداد لممارسة القوة الناعمة في المنطقة، إلى جانب التقلبات التي يشهدها قطاع الطاقة، وكذلك التصدعات داخل نموذج الدولة الريعية؛ كلها دوافع رئيسية لتطور الصناعات الدفاعية في دول الخليج وتنامي جيوشها".

في هذا السياق، وفق التقرير، فإن الخدمة العسكرية الإجبارية تضطلع بدور مهم، سواء لزيادة حجم الجيش أو إظهار الردع في المنطقة، أو خلق فرص عمل جديدة وقوى عاملة مؤهلة من الشباب المواطنين.

ويضيف: "مزايا الخدمة العسكرية الإلزامية لا تنحصر فقط في آثارها الإيجابية الملموسة على اقتصادات البلدان والسياسات الداخلية والخارجية، بل يمكنها أيضاً أن تثمر آثاراً معنوية إيجابية غير ملموسة، مما يجعل لها تأثيراً كبيراً على العلاقات المدنية العسكرية في هذه البلدان".

ويتابع: "إن السبب الأكبر وراء ذلك هو علاقة التعاضد التي تشكلت بمرور الوقت بين الخدمة العسكرية الإجبارية والمشاعر القومية".

وبهذا المعنى، فإن اعتماد التجنيد الإجباري يعكس الجهد المبذول لتحويل هذه المجتمعات إلى دول تربط بين أفرادها المشاعر القومية، وليس نموذج الدولة الريعية الذي لم يعرفوا سواه حتى الآن، وفق التقرير.

وفي ظل المخاوف الأمنية الأخيرة التي شهدتها المنطقة والعالم، بما في ذلك التدخل الأجنبي في الشرق الأوسط (ولا سيما في سوريا واليمن وليبيا)، والاجتياح الروسي مؤخراً لأوكرانيا، يمكن القول إنه من خلال فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، تحاول هذه الدول الخليجية الثلاث، بث المشاعر القومية والانتماء المجتمعي في مجتمعاتها.

ويضيف: "في حالة هذه الدول الريعية الثلاث، يمكن أن يكون التجنيد الإجباري أداة فعالة لتعزيز الوطنية والولاء، إذ يُعزز الجمع بين المواطنين الشباب في إطار واجب الخدمة الوطنية".

ويتابع: "بيد أنه لا ينبغي النظر إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في هذه البلدان على أنها وسيلة لإقامة جيوش قوية ذات كفاءة على نحو فعال، فلا تتمتع قطر ولا الكويت ولا الإمارات بالقدر الكافي من السكان، مثلها في ذلك ككمثل جيرانها في الخليج، للحفاظ على وجود جيش دائم قوي".

ويزيد: "أثبت نظام هذه الدول الحالي القائم على الاستعانة بمصادر خارجية لتلبية الاحتياجات العسكرية أنه فعال على المدى الطويل، إذ تواصل البلدان الثلاثة الاستثمار في التعاقد مع جنود أجانب لتعبئة جيوشها بكفاءة. ولذلك، ينبغي النظر إلى قوانين التجنيد الإجباري الجديدة على أنها خطوة رمزية لتعزيز الروابط القومية والطموحات الوطنية".

وبغض النظر عن أهمية تقديم هذه الدول الخليجية نفسها على أنها جهات فاعلة إقليمية تتمتع بعلاقات وطنية قوية وصناعات دفاعية تتقدم بوتيرة متسارعة، فإن جعل الخدمة العسكرية إلزامية لا يخلو من العواقب، وفق التقرير.

أول هذه العواقب، هو أنه "على الرغم من أن الأنظمة الملكية الخليجية تمارس سيطرة شاملة على أنظمة الدولة ومجتمعاتها، فإنه لا يوجد ضمان بأن المجندين، الذين أنيطت بهم المهمة الرمزية لحماية البلاد وشعبها، لن يتمردوا ضد الأنظمة الملكية باسم زيادة الحريات الاجتماعية".

أما ثاني هذه العواقب، فقد "يؤدي جعل الخدمة العسكرية إلزامية إلى زيادة في خطاب الاستنكاف الضميري داخل هذه الدول وخارجها، بعد فرض عقوبات قانونية ضد أي شخص يتخلف عن التجنيد، ما قد يسبب الشعور بالقمع والاستياء أو يزيد منه، ويثير الاحتجاجات والاضطرابات في هذه البلدان".

كما يمكن أن يؤدي تطوير الذات الوطنية العسكرية داخل الكويت والإمارات وقطر، إلى حدوث توترات داخل الدول واستقطاب في المنطقة، وهو ما يمثل ثالث عواقب التجنيد الإلزامي.

وينتهي التقرير إلى أنه من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات محددة بشأن فعالية التجنيد الإجباري في تعزيز الروابط الوطنية في سياق الخليج، لافتا إلى أنه "لا شك أن جمع أبناء الوطن تحت سقف واحد من أجل هدف واحد هو خطوة إيجابية، ولكنها تحمل قيوداً عملية وعواقب محتملة".

قبل أن يختتم بالقول: "الوقت وحده سيظهر كيف ستتجسد فعالية التجنيد الإجباري لتعزيز الروابط الوطنية واستخدامها كأداة قوة ناعمة في المنطقة، وهل ستكون الحرب في اليمن، وتهديد إيران، وتناقص الاعتماد العالمي على النفط، والتأثير المتزايد للجهات المسلحة غير التابعة للدولة كافية لتكون بمثابة أعداء مشتركين، لكي تجمع بين هذه المجتمعات معاً كأمم".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التجنيد الإلزامي الكويت الإمارات قطر الخليج روابط وطنية