"العلاقات الأمريكية المتوترة مع الإمارات لا يمكن التنبؤ بتحسنها في أي وقت قريب".. هكذا يخلص تحليل لصحيفة "ذا هيل" الأمريكية، وترجمه "الخليج الجديد"، الذي يقول إن نسيج العلاقات الإستراتيجية لأمريكا مع منطقة الخليج "آخذ في التآكل".

ويلفت التحليل إلى الخلاف العلني الظاهر بين السعودية والولايات المتحدة، بشكل أساسي فيما يتعلق بإمدادات النفط أو مبيعات الأسلحة أو الطاقة النووية، وحديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للرئيس الأمريكي جو بايدن، حين قال: "إذا كنت تريد العمل معي فهذا  أمر جيد، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فهناك آخرون سيفعلون ذلك."

ويضيف: "إلا أن الخلاف المقلق والمستمر بين الولايات المتحدة والإمارات يبدو أقل وضوحًا، ولكنه ليس أقل أهمية"، مشيرا إلى أنه "في العامين الماضيين، سعى كبار المسؤولين الأمريكيين إلى تهدئة رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المعروف بـ(MBZ)، في محاولة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح".

وخلال زيارة بايدن إلى السعودية في يوليو/تموز الماضي، دعا الرئيس الأمريكي نظيره الإماراتي لزيارة رسمية إلى واشنطن قبل نهاية العام، لكن ذلك لم يتحقق.

وبدلاً من ذلك، وبعد ما يقرب من عام، التقى شقيق بن زايد، الذي يعمل مستشارًا للأمن القومي في الإمارات، في واشنطن مع نظيره الأمريكي جيك سوليفان، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهما استعادة درجة من الحياة الطبيعية للعلاقة.

ووفق التحليل، "يعود الانغماس الإماراتي مع أمريكا إلى ما لا يقل عن عقد من الزمان، بدءًا من مفاوضات الرئيس السابق باراك أوباما سراً بشأن اتفاق نووي مع إيران، خلف ظهور حلفائها في الخليج العربي".

ويضيف: "كما دفعت القيود التكنولوجية من قبل وزارتي الخارجية والدفاع في عهد كل من الرئيس السابق دونالد ترامب ومن بعده بايدن الإمارات إلى إلغاء شراء طائرات (F-35) المتقدمة بقيمة 20 مليار دولار".

ويزيد: "كذلك أدى الرد الأمريكي المتأخر على الهجمات الصاروخية ضد الإمارات من اليمن، إلى زيادة عداء أبوظبي".

ومؤخرا، أعلنت الإمارات الانسحاب من القوة البحرية الموحدة في الخليج، بعد نشر تقارير عن ضغوط مارستها أبوظبي على واشنطن لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع طهران، بعد أن احتجز الجيش الإيراني ناقلتي نفط بخليج عمان في الأسابيع الأخيرة.

ويرى مسؤولون خليجيون، أن الولايات المتحدة فشلت في فعل ما يكفي لردع الهجمات التي يشنها وكلاء إيران في السنوات الأخيرة؛ مما يقوض إيمانهم بالتزام واشنطن تجاه المنطقة.

ويعلق التحليل على هذا الجفاء بالقول: "استنتج الإماراتيون في النهاية يحتاجون إلى أصدقاء جدد، وتحولوا تدريجياً إلى روسيا والصين لتحقيق النمو الاقتصادي والنفوذ الدبلوماسي، حتى أصبحت الإمارات أكبر شريك تجاري لروسيا والصين في العالم العربي".

وباتت الصين أكبر شريك تجاري غير نفطي للإمارات على مستوى العالم، بينما أصبحت الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين.

وتحت سطح هذه العلاقات التجارية المحسّنة مع خصوم أمريكا، توجد شبكة من العلاقات الأمنية التي دفعت كبار المسؤولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس للتشكيك في مصداقية الإمارات كشريك استراتيجي.

كما كان تواطؤ الإمارات مع المصالح الروسية نقطة خلاف مع الحكومة الأمريكية لبعض الوقت.

وقد أثارت علاقاتها مع مجموعة "فاجنر" في ليبيا، وتوريد الأسلحة لزعيم الحرب المنشق في ذلك البلد خليفة الحفتر، صانعي السياسة في واشنطن منذ فترة طويلة، مما دفعهم إلى معاقبة الكيانات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها في يناير/كانون الثاني الماضي.

وساهم كذلك تورط أبوظبي اللاحق في أنشطة "فاجنر" في السودان في صب الزيت على النار.

وحسب تقارير إعلامية، تعمل شركة "فاجنر" والإمارات معًا لتصدير الذهب من السودان إلى دبي، حيث تملأ عائدات بيعه خزائن فاجنر والمتمردين السودانيين والوسطاء الإماراتيين.

ومنذ الامتناع عن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير/شباط، والذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، دفع النمط الثابت للإمارات المتمثل في غض الطرف أو تسهيل التهرب من العقوبات لصالح روسيا، إدارة بايدن إلى اتخاذ إجراءات عدوانية.

وفقًا للبيانات التي جمعتها مؤسسة "روسيا الحرة"، زادت قيمة الأجزاء الإلكترونية المشحونة من الإمارات إلى روسيا بمقدار 7 أضعاف من 2021 إلى 2022.

وخلال الفترة نفسها، صدرت الإمارات 15 ضعفًا من الرقائق الدقيقة إلى روسيا، إلى جانب أكثر من 150 طائرة بدون طيار.

وأمام ذلك، انتقدت وزارة الخزانة الأمريكية، في وقت سابق الإمارات علنًا "لضعف الامتثال للعقوبات".

وهذا العام وحده، عاقبت الولايات المتحدة العديد من الكيانات الإماراتية لخرق العقوبات.

وفي إحدى الحالات، تعاونت شركتان إماراتيتان مع إيران لنقل الطائرات الإيرانية بدون طيار والأفراد ومعدات الدعم من إيران عبر الإمارات إلى روسيا.

وفي خطوة أخرى، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على بنك روسي يعمل في الإمارات بموجب ترخيص من البنك المركزي الإماراتي.

فيما يواجه منصور بن زايد، الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في الإمارات، تحقيقات من قبل السلطات الأمريكية والبريطانية بشأن تقارير تفيد بأنه ساعد روسيا في التهرب من العقوبات.

وفوق كل ذلك، وثقت وكالات التجسس الأمريكية علاقة استخباراتية مزعجة ومتعمقة بين الإمارات وروسيا، وفق التحليل.

وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق من وجهة نظر واشنطن هو العلاقة الأمنية الوثيقة بشكل متزايد بين الإمارات والصين.

فقبل عامين، أدركت المخابرات الأمريكية أن الصين تبني سرا منشأة عسكرية في ميناء في الإمارات.

وفي أكثر من محادثة مع بن زايد، أعرب بايدن عن قلقه وحثه على وقف المشروع، وهو ما وافق عليه بن زايد، دون تنفيذ.

وفي نهاية عام 2022، وعلى الرغم من التأكيدات الإماراتية على عكس ذلك، اكتشفت الولايات المتحدة نشاطًا متجددًا في الموقع، بما في ذلك توصيل المياه والطاقة بالمنشأة، وبناء جدار محيط لموقع لوجستي تابع للجيش الصيني.

ويبدو للكثيرين في واشنطن أن القيادة الإماراتية ماضية في طريقها للتغلب على المخاوف الأمريكية.

ويشير منتقدو الإمارات إلى رفضها لمناشدات الولايات المتحدة بشأن علاقاتها الوثيقة بشكل متزايد مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي".

ويُعتبر اختراق "هواوي" للإمارات، فضلاً عن الشراكة المتنامية بين وكالات الاستخبارات في البلدين، الذي يُعرف منذ فترة طويلة بأنه حصان ملاحق للدولة الصينية، تحديات خطيرة لمؤسسة الأمن القومي الأمريكية.

وبعد اجتماعهم في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر مستشارو الأمن القومي للدولتين بيانًا مشتركًا أخفى هذه التوترات بخطاب دبلوماسي كلاسيكي في واشنطن.

وأشاروا إلى "الشراكة الاستراتيجية الدائمة بين الولايات المتحدة والإمارات"، وجددا "التزام الولايات المتحدة بردع التهديدات ضد الإمارات".

وعبر البيان عن "الأهداف المشتركة نحو بناء منطقة شرق أوسط أكثر تكاملاً وازدهاراً واستقراراً".

ومع ذلك، وفق التحليل، فإن غياب بن زايد عن واشنطن، يكذب الحديث السعيد الذي يروج له مستشاره، خاصة أنه رفض دعوة بايدن كما رفض توسلاته المتعددة.

ويختتم التحليل بالقول: "بالنظر إلى وجهات النظر العالمية المتباينة بشكل متزايد لهؤلاء الحلفاء السابقين، فإن العلاقات الأمريكية المتوترة مع ثاني أقوى دولة في الخليج لا تبدو أنها مستعدة للتحسن في أي وقت قريب".