استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لقاء ماكرون وبن سلمان.. ضرورة لتموضع حيوي فرنسي جديد

الاثنين 26 يونيو 2023 05:12 ص

لقاء ماكرون وبن سلمان.. ضرورة لتموضع حيوي فرنسي جديد

تتداخل عدة ملفات شائكة لتؤثر في موقع فرنسا الذي حرصت على الحفاظ عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الواقعية السياسية باتت تفرض على الرئيس الفرنسي ضرورة البحث عن موقع جديد يتوافق مع قدرة دولته على التأثير.

التوجه المستقل المعبر عن خيار فرنسا بالبحث عن علاقات تتوافق مع المصالح الفرنسية السيادية تم لمسه في دعم الملف السعودي (وليس الإيطالي) لاستضافة إكسبو 2030.

ملفات شائكة تضغط على صناع القرار الفرنسي؛ فحرب أوكرانيا كتهديد للأمن الأوروبي الذي يشكل الأمن القومي لفرنسا جزءاً منه ليست الأزمة الوحيدة التي تواجه الإدارة السياسية.

الواقع يظهر تغيراً جذرياً في مقاربة التوازنات الدولية فالانفراجة التي شهدها 1995 وتوجت بعودة فرنسا رسمياً إلى قيادة الناتو العسكرية في 2009 لم تعد تلبي طموح فرنسا حاليا.

* * *

كثيرة هي الملفات الشائكة التي تضغط على صناع القرار الفرنسيين؛ فالأزمة الأوكرانية مع ما تعنيه من تهديد للأمن الجماعي الأوروبي الذي يشكل الأمن القومي الفرنسي جزءاً منه ليست الأزمة الوحيدة التي تواجهها الإدارة السياسية، إذ تتداخل عدة ملفات شائكة لتؤثر في موقع فرنسا الذي حرصت على الحفاظ عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا الإطار، تبرز الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة الفرنسية في سياساتها الخارجية منذ شارل ديغول كمحفز للقيادة الحالية من أجل الحفاظ على ما تبقى من إرث الدولة الكبرى المؤثرة في النظام العالمي بعيداً من حتمية التبعية للقطب الأميركي.

فالنجاحات التي حققتها الدولة الفرنسية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وصولاً إلى الدور المحوري ضمن آليات الاتحاد الأوروبي، تلقي بثقلها اليوم على قيادة ماكرون الفاقدة لمقومات القدرة على التأثير في التوازن الدولي والنظام العالمي، إذ برزت في العقدين الأخيرين قوى دولية تخطت في قدراتها ما أمكن للدولة الفرنسية أن تصل إليه.

كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول قد تمكَّن من استغلال الانقسام العالمي في فترة الحرب الباردة ليتمكن من خلال انتفاضته على الناتو وخروجه من القيادة العسكرية للحلف عام 1959 من إبراز الخصوصية الفرنسية، وإلزام الولايات المتحدة بمقاربة علاقاتها مع الدولة الفرنسية وفق منطق متفهم لهواجسها.

لكن الواقع الحالي يظهر تغيراً جذرياً في كيفية مقاربة التوازنات الدولية، إذ إن الانفراجة التي شهدها العام 1995، التي توجت بعودة فرنسا رسمياً إلى القيادة العسكرية للحلف عام 2009، لم تعد كافية لتحقيق طموحات فرنسا في هذه المرحلة.

بعد العودة المتأخرة إلى هذا الحلف، وجدت الدولة الفرنسية أن تغييراً جذرياً طرأ على فعالية الحلف وغاياته، إذ إن اليد الحديدية الغربية التي كانت موجهة ضد الاتحاد السوفياتي تحولت وظيفتها لتظهر كآلية لبسط الهيمنة الأميركية على القارة الأوروبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى دورها المحوري المؤثر في العلاقات الأوروبية.

من ناحية أخرى، أظهرت الأزمة التي تعانيها القارة الأوروبية بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عدم قدرة الاتحاد الأوروبي، مع الإشارة إلى الهيمنة الفرنسية الألمانية على قراره، على تقديم مقاربة مستقلة تحفظ قراره السياسي ضمن أطر المصلحة والهواجس الأوروبية.

المسار الذي سلكه الاتحاد الأوروبي أثبت فرضية التبعية للولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى إمكانية التفكك السريع بسبب تفضيل بعض الدول الأوروبية خيار العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية على حساب الاتحاد.

وإذا عدنا إلى الموقف الفرنسي الحالي من حرب أوكرانيا، فإن ذلك سيظهر تحولاً فرنسياً لا يعبر عن حقيقة الموقف الذي شدد عليه ماكرون في بدايتها.

أما على مستوى نتيجة تحول الموقف الفرنسي من الأزمة، فإن ما توخته الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها فرنسا والاتحاد الأوروبي، لم يرتقِ إلى ما يمكن اعتباره نجاحاً، إذ إنَّ الدولة الروسية أثبتت قدرتها على التكيف مع واقع العداء والمواجهة الغربيين، مظهرةً قدرةً مفاجئةً على المبادرة في الميدان العسكري وعلى مستوى المواجهة الدبلوماسية التي لا تقل شأناً عن الميدان.

وفي نتيجة هذا الواقع، بدأ المعسكر الغربي يعاني تفلت دول عديدة من هيمنته، إذ إنَّ صلابة التحالف الذي شهدته الحرب على أفغانستان عام 2001 لم تظهر في حالة أوكرانيا، فالعديد من الدول التي كانت لصيقة بالقرار الغربي بادرت إلى تبني خيارات سيادية لا تتوافق حتماً مع موقعها السابق.

وبناء عليه، لم تجد إدارة ماكرون خياراً بديلاً عما يمكن اعتباره محاولة لتمييز سياستها الخارجية عن تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي أو الحلف المتعثر في وجه روسيا.

وفي هذا الإطار، يمكن وضع الحراك الفرنسي الأخير الذي يتمثل في القمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد، إذ يطرح المؤتمر ضرورة تجديد الهيكلية المالية العالمية، بما يعني اعترافاً بفشلها ومحاولةً لاستقطاب الدول المتضررة من الهيكلية المالية الحالية التي تمثلها شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وإذا كان التخطيط لهذه المرحلة قد سبق مآلات الأحداث التي عصفت بالعالم وأوروبا، إذ إنه ليس المبادرة الأولى في هذا المجال، فإن استقبال ماكرون الحار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومحاولة إقناع الأخير بتبني المسارات الفرنسية في مواجهة روسيا، إضافة إلى العلاقات مع سوريا وملف لبنان ومحاولته استغلال السعي السعودي لاستضافة المملكة إكسبو 2030 من أجل تحقيق مكاسب على المستويات السياسية أو الاقتصادية والمالية المتعلقة بالاستثمار، يدل على مسعى فرنسي لتكريس دور فاعل ومؤثر في المنطقة بعيداً من المنتظم الغربي المترنح.

وإذا كانت المحاولة الفرنسية لحشد الدعم السعودي لخيارات فرنسا والغرب الاستراتيجية في أوكرانيا، إضافة إلى طلبها وقف الاندفاعة السعودية تجاه تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية وسوريا وضرورة الالتفات إلى الملف اللبناني، لم تكن إلا تعبيراً عن الموقف التقليدي الفرنسي الملتزم بالرؤى الغربية.

لكن ما يعبر عن التوجه المستقل المعبر عن الخيار الفرنسي بالبحث عن أطر لعلاقات تتوافق مع المصالح الفرنسية السيادية تم لمسه من خلال دعم الملف السعودي لاستضافة إكسبو 2030، ويمكن اعتباره معبراً عن تحول استراتيجي، إذ كان من المفترض أن يحظى الملف الإيطالي بأولوية هذا الدعم.

وإذا كان ما رشح عن لقاء الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي قد اتشح بالعمومية والغموض لناحية عدم تفصيل حجم المكاسب السياسية والاقتصادية والمالية التي ستحصدها فرنسا من وراء هذا الدعم، فإن إشارة البيان الذي تلا لقاء الطرفين إلى وصف الشراكة بينهما بالاستراتيجية تؤكد حقيقة التوجه الفرنسي في المرحلة المقبلة.

الحديث عن شراكة متوازنة لناحية مكاسب الطرفين بما لا يظهر سطوة فرنسية على القرار السياسي السعودي يؤكد التحول على مستوى عدم القدرة الفرنسية على استغلال ما كان سائداً في المرحلة الماضية لناحية خضوع المملكة للتوجهات الغربية.

فمصادفة زيارة ولي هد السعودي إلى فرنسا مع زيارة وزير الخارجية السعودي إلى الجمهورية الإسلامية تؤكد توجه المملكة لتبني خياراتها السياسية وفق منطق المصلحة. وبناء عليه، كان واضحاً تواضع الأهداف التي توخاها الرئيس الفرنسي في لقائه مع ولي العهد السعودي.

الواقعية السياسية باتت تفرض على الرئيس الفرنسي ضرورة البحث عن موقع جديد يتوافق مع قدرة دولته على التأثير. وبدل ممارسة سياسة الفرض والإملاء وتوجيه الانتقادات الحادة التي كانت تدل على شيء من الاستعلاء، كتلك التي مارسها الرئيس الفرنسي في قمة العشرين في بوينس آيرس عام 2018 على خلفية مقتل جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا، اعتمد في لقائه الأخير سياسة الإقناع والمصالح المتبادلة، بما يدل على حاجة فرنسية لتقديم ثمن في مقابل تحصيل مكاسب ضرورية قد تساعد في عملية البحث عن موقع جديد يحفظ لفرنسا شيئاً من إرثها كدولة فاعلة ومؤثرة في النظام الدولي.

*د. وسام إسماعيل باحث وأستاذ جامعي لبناني

المصدر | الميادين نت

  كلمات مفتاحية

فرنسا الناتو السعودية بن سلمان ماكرون شراكة الواقعية السياسية حرب أوكرانيا الولايات المتحدة الأمن الأوروبي الهيكلية المالية العالمية إكسبو 2030