استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فاتورة العنصرية في فرنسا

الثلاثاء 4 يوليو 2023 01:01 م

فاتورة العنصرية في فرنسا

لن تزيد ممارسات فرنسا العنصرية إلّا خسارة، فلا يمكن للازدهار المستدام والتمييز العنصري أن يجتمعا في مكان واحد!

الاقتصاد الفرنسي لا تنقصه أزمات إضافية لتأتي الاحتجاجات الحالية لتزيد الوضع الاقتصادي تأزماً بخاصة مع تضرر القطاع الخدمي والسياحي والفندقي بشدة.

فرنسا تظن أنّ تمييزها العنصري واستفزازها المسلمين والعرب وتهميشهم سيؤدي لتفوُّق العرق الأبيض الفرنسي والأوروبي، ويُنشئ أجيالاً علمانية معادية للإسلام.

ينبغي للحكومة الفرنسية اجتثاث العنصرية والتمييز من أجهزة الدولة لتوفير أرضية ملائمة لبناء استقرار حقيقي يضمن الرخاء للجميع بغضّ النظر عن العرق أو الدين.

* * *

وكأنّ الاقتصاد الفرنسي تنقصه الأزمات والمشاكل الإضافية، لتأتي الاحتجاجات الحالية لتزيد الوضع الاقتصادي تأزماً بخاصة مع تضرر القطاع الخدمي والسياحي والفندقي بشدة.

فمنذ انطلاق حرب أوكرانيا تعاني فرنسا من أزمات تضخم وزيادة كبيرة في تكلفة واردات الطاقة ومخاوف من حدوث انفجار اجتماعي وزيادة الدين العام، قبل أسابيع كانت فرنسا على موعد مع احتجاجات وإضرابات عمالية واسعة رفضا لإصلاح قانون التقاعد، والآن تأتي الضربة من تظاهرات واسعة في معظم المناطق الفرنسية والتي صاحبتها أعمال شغب ونهب للممتلكات الخاصة والمحال والمطاعم.

ففي حادثة مشابهة لمقتل الأميركي الأسود جورج فلويد الذي أطلق موجة احتجاجات واسعة ضدّ العنصرية في شتَّى أرجاء الولايات المتّحدة في عام 2020، قُتِل الشاب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية نائل، والبالغ من العمر 17 عاماً برصاص شرطي فرنسي في ضاحية نانتير غرب باريس، الأمر الذي خلَّف موجة احتجاجات وعنف مستمرّة في كل أنحاء فرنسا أثرت سلبا على معظم مؤشرات الاقتصاد.

وها هي السلوكيات العنصرية المتجذِّرة في صفوف قوات الأمن تجعل فرنسا تدفع ثمناً باهظاً للغاية هذه المرّة، فقد أجَّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة إلى ألمانيا كان من المُقرَّر أن تبدأ في الثاني من يوليو/ تمّوز الجاري، حيث تمثِّل هذه الأزمة إحدى أكثر الأزمات تعقيداً وتفجُّراً خلال فترة رئاسته منذ احتجاجات "السترات الصفراء" التي اجتاحت البلاد في أواخر عام 2018.

يعدّ قطاع السياحة والفندقة من أكثر القطاعات تضرُّراً جرّاء اندلاع الانتفاضة الشعبية المناهضة للعنصرية والتمييز، فقد قامت العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا، فضلاً عن الصين وتركيا بدعوة رعاياها إلى تجنُّب المناطق المتضرِّرة من أعمال الشغب المستمرّة في فرنسا.

لذلك تعرَّض قطاع السياحة الفرنسي لضربة موجعة لم تكن في الحسبان بسبب إلغاء الحجوزات في ذروة الموسم السياحي في فصل الصيف، كما تعرَّضت الكثير من الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية لأعمال العنف والتخريب، وساهمت إجراءات أخرى مثل فرض حظر التجوُّل ووقف حركة النقل العام في تضييق الخناق على الحركة داخل المدن الفرنسية التي تأهَّبت لاستقبال موسم السياحة الصيفي الذي فكَّ عنه قيود وأغلال جائحة كورونا.

زاد من قلق العاملين في القطاع السياحي مخاوف متصاعدة عالميا من تطور الأوضاع الأمنية في فرنسا، فقد أعرب المجتمع الدولي عن مخاوفه إزاء الاحتجاجات العنيفة التي امتدَّت إلى أنحاء مختلفة في فرنسا التي ستستضيف كأس العالم للركبي خلال الفترة الممتدّة من 8 سبتمبر/ أيلول إلى 21 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023 ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية الثالثة والثلاثين خلال الفترة الممتدّة من 26 يوليو/ تمّوز إلى 11 أغسطس/ آب 2024، حيث أصبحت مشاهد المدن الفرنسية المحاطة بألسنة اللهب والغارقة في الدماء مصدراً للقلق بشأن مصير الاستعدادات لمثل هذه الأحداث الرياضية الدولية الهامة.

وإذا استمرَّت المظاهرات العنيفة وأعمال الشعب في اتِّخاذ خطوات خطيرة إلى الأمام في المنحى التصاعدي الذي تسير عليه الآن، فستكون هناك عقبات كبيرة لا يُستهان بها أمام تقديم تنظيم يليق بدولة متقدِّمة.

وعند تحليل الأمور من زاوية أخرى، يتَّضح نفاق الغرب الذي يلتزم الصمت بشأن أيّ نقاش حول سحب تنظيم دورة الألعاب الأولمبية من فرنسا وسط المشاهد التي تعكس بشكل صريح وواضح العنف وعدم الاستقرار، وهو امتياز لن تحظى به الدول العربية في حال كانت في موقف مشابه لما يحدث الآن في فرنسا.

فعلى سبيل المثال تعرَّضت قطر لمسلسل هجوم وحملات تشويش وتشويه شرسة منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022 بالرغم من حالة الاستقرار التام والغياب الكلِّي لمظاهر العنف وهشاشة الوضع الأمني.

خسائر القطاع التجاري جراء الاحتجاجات كانت كبيرة أيضاً، ووفق تصريحات رئيس غرفة التجارة في إيكس مرسيليا بروفانس، جان لوك شوفين، لموقع فرانس إنفو franceinfo فإنّ شركات التأمين قدَّرت الخسائر التي تكبَّدها التُجّار في منطقة إكس-مرسيليا وحدها بأكثر من 100 مليون يورو، أي حوالي 109 مليون دولار، وأنّ هذا الرقم معرَّض بلا شكّ للارتفاع، كما أشار إلى أنّ مبلغ المائة مليون يورو هو القيمة المُقدَّرة للتعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بالتُجَّار منذ بدء أعمال العنف مساء الثلاثاء 27 يونيو/ حزيران.

وبحسب جان لوك شوفين، تمَّ تخريب حوالي 400 متجر في مرسيليا وحدها وسيستغرق إصلاح الأضرار التي تسبَّبت بها أعمال الشغب شهوراً.

وكنظرة تقريبية عن حجم الخسائر الاقتصادية التي يتكبَّدها المتضرِّرون جرّاء أحداث الشغب هذه، يمكن العودة إلى أعمال الشغب التي وقعت عام 2005 عندما تعرَّض مراهقان للصعق بالكهرباء أثناء محاولتهما الهرب من الشرطة بعد نهاية مباراة كرة قدم.

وهي الحادثة التي هزَّت فرنسا لمدّة ثلاثة أسابيع وأجبرت الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك على إعلان حالة الطوارئ، وقد بلغت فاتورة الأضرار آنذاك 204 ملايين يورو، أي حوالي 222 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية وهي حصيلة ما دفعته شركات التأمين لقاء 10 آلاف طلب تعويض تمَّ تقديمه من قبل أصحاب السيارات، التُجَّار، الشركات، المطاعم، المقاهي، الفنادق وغيرها.

جدير بالذكر أنّ العديد من شركات التأمين قدَّمت آنذاك مدفوعات مُسبقة للمتضرِّرين من أجل تسريع الإصلاحات وتسهيل عودة الموظفين إلى أماكن عملهم.

يمكن أيضاً العودة إلى فاتورة احتجاجات السترات الصفراء التي وصلت إلى 249 مليون يورو، أي حوالي 271.5 مليون دولار، بأسعار الصرف الحالية، وهي فاتورة أعلى من فاتورة احتجاجات عام 2005، حيث تدرك الحكومة الفرنسية جيِّداً أنّ الأزمة التي تدوم هي التي تكلِّف أكثر ليس فقط اقتصادياً بل سياسياً أيضاً.

لذلك تستمرّ الحكومة الفرنسية في دعوة الفرنسيين إلى العودة إلى الهدوء حتى من خلال الاستعانة بالمشاهير والمؤثِّرين أمثال اللاعب الفرنسي كيليان مبابي الذي غرَّد في حسابه على "تويتر" بشأن مقتل نائل وصرَّح بأنّ العنف ليس حلاًّ، علماً أنّ مبابي مُقرَّب ومُدلَّل من قبل الرئيس ماكرون.

إذاً، علاوة على التفكير في كيفية الخلاص من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها السوداء على أسواق الطاقة الأوروبية، ينبغي أيضاً على الحكومة الفرنسية إعداد غطاء مالي يكفي لتعويض المتضرِّرين من احتجاجات مقتل نائل التي لا يعلم أحد متى وكيف ستنتهي.

خلاصة القول، أنّ فرنسا تظن أنّها بتمييزها العنصري واستفزازها المسلمين عموماً والعرب خصوصاً وتهميشهم ستُفسح المجال حصراً لتفوُّق العرق الأبيض الفرنسي والأوروبي، وتُنشئ أجيالاً علمانية معادية للقيم الإسلامية.

لكنّها لا تدري أنّ ممارساتها العنصرية لن تزيدها إلّا خسارة، فلا يمكن للازدهار المستدام والتمييز العنصري أن يجتمعا في مكان واحد، لذلك ينبغي على الحكومة الفرنسية البدء باجتثاث السلوكيات العنصرية ورواسب التمييز من كلّ العاملين في أجهزة الدولة من أجل توفير الأرضية الملائمة لبناء استقرار حقيقي يضمن الرخاء للجميع بغضّ النظر عن العرق أو الدين.

*د. سهام معط الله أستاذة محاضرة بكلية الاقتصاد، جامعة وهران 2، الجزائر.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

فرنسا العنصرية المسلمين احتجاجات أزمات معيشية التضخم القطاع الخدمي والسياحي حرب أوكرانيا

انتفاضة شمال أفريقيا في فرنسا.. الشرطة والمهاجرون وجها لوجه