عملية جنين العسكرية تخلف دمارا هائلا وفشلا إسرائيليا وصمودا أكبر للمقاومة (محصلة)

الأربعاء 5 يوليو 2023 10:32 ص

"حديث رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو عن العملية العسكرية في جنين، يعد اعترافا واضحا بفشلها وعدم تحقيق أهدافها المرجوة".. هكذا علق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، على إعلان جيش الاحتلال الانسحاب من جنين (شمالي الضفة الغربية)، بعد يومين من العمليات العسكرية، التي خلفت دمارا واسعا وعشرات الشهداء والمصابين.

ولم يدم العدوان الإسرائيلي على جنين، سوى 48 ساعة تقريباً، حيث بدأت قوات الاحتلال بالانسحاب من مواقعها في مخيم جنين مساء الثلاثاء، بعد عملية اجتياح شارك فيها أكثر من 3 آلاف جندي و200 آلية عسكرية وعشرات الطائرات.

إلا أنه مع مشهد الانسحاب، بدت صورة "النصر" التي أرادت إسرائيل رسمها تتلاشى، خصوصاً مع دخول سيناريوهات عدة حاولت المؤسسة الأمنية طوال الوقت تجنبها، فاعترف جيش الاحتلال بمقتل أحد جنوده، مقابل استشهاد 12 فلسطينياً أغلبهم من المدنيين، وإصابة 117 آخرين بجراح بينهم 20 في حالة حرجة، فضلا عن اعتقال 300 شخص.

وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية، مقتل 3 أطفال، اثنان بسن 17 عاما، والثالث بسن 16 عاما، كانوا بين ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية.

ويُشكل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، أحد أكثر المخيمات اكتظاظًا بالسكان في الضفة الغربية المحتلة، رمزًا للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ومؤخرا، أصبحت جنين معقلا لجيل جديد من المقاومين الفلسطينيين، الذين أصبحوا محبطين بشدة من توجهات قيادة السلطة الفلسطينية، التي طعنت بالسن في الضفة الغربية من جانب، وتضييق السلطات الإسرائيلية من جانب آخر.

وشهدت المدينة غارات إسرائيلية متعددة خلال العام المنصرم، والذي شهد قيام الفلسطينيين، بهجمات أوقعت قتلى داخل إسرائيل، وقد تمكن بعضهم من الاختباء في جنين.

ومؤخرا، شهد المخيم عمليات اقتحام عديدة للقوات الإسرائيلية، خلفت العديد من الشهداء فضلًا عن دمار كبير في البنية التحتية للمخيم.

وفي المقابل، لم تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، حيث اشتبكت مع الاحتلال في أغلب المرات، وأوقعت خسائر في صفوفه.

العدوان الجديد

وفجر الإثنين، أطلقت قوات الاحتلال عدوانًا جديدًا على المخيم، وصف بأنه أكبر اجتياح إسرائيلي للمخيم، منذ الاجتياح الكبير لها عام 2002، والذي أطلقت عليه تل أبيب وقتها، اسم "السور الواقي" إبان انتفاضة الأقصى.

وبدأت إسرائيل عمليتها بغارة جوية بالمسيرات، قالت إنها استهدفت مركز القيادة المشتركة لكتيبة جنين المسلحة، والتي تم تكوينها بمشاركة طيف واسع من الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وبعد ذلك تقدمت حشود من الجنود الإسرائيليين إلى داخل المخيم، واقتحمته من عدة محاور، قبل أن تشتبك مع المسلحين الفلسطينيين، وتأخذ منحنى شديد العنف.

ولاحقا، قطعت القوات الإسرائيلية الطرق التي تربط بين المدينة والمخيم، واستولت على عدد من المنازل والبنايات المطلة عليه، ونشرت قناصتها فوق الأسطح، وقطعت التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من المنطقة.

واستخدمت قوات الاحتلال في الاقتحام الضربات الجوية عبر المسيّرات، والجرافات العسكرية التي شردت المئات من سكان المخيم.

وعلى مدار الـ48 ساعة، حاصرت القوات الإسرائيلية المخيم من مختلف الجهات، ومنعت مركبات الإسعاف من دخوله لنقل المصابين لتلقي العلاج، وذلك وسط تحليق مكثف لطائرات عسكرية وطائرات استطلاع في سماء المدينة.

في المقابل، أكد المقاومون، في بيانات متتالية، إيقاع إصابات مباشرة في قوات الاحتلال، وهو ما ظهر أيضًا في مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل، اضطر الاحتلال بعدها للاعتراف بسقوط أول قتيل في الهجوم، وهو ما حرص قادة جيش الاحتلال على التكتم عليه؛ لأن ذلك سيضر بصورة النصر التي كان يريد تصديرها داخليًّا بعد هذا الدخول والانكفاء السريع.

ومنذ بداية الهجوم، ظلّ يردد مسؤولو الاحتلال وقادة جيشه، وكذلك المعلّقون الأمنيون في القنوات العبرية، أن الحفاظ على "حياة الجنود" هو من أهداف العملية ذات الأولوية العالية؛ لأن مشهدًا كهذا سيطرح تساؤلات لدى الشارع الإسرائيلي حول مدى نجاعة الهجوم، ثم ستبدأ "إنجازات" الهجوم بالتضاؤل أمام ميزان الخسائر.

كما نشرت "كتيبة جنين" بيانا، قالت فيه إنها تمكنت من تنفيذ "العديد من الضربات والعمليات الهجومية والكمائن وتفجير العبوات، وأوقعت قتلى وجرحى".

وذكرت أنها افتتحت المعركة بكمين مسجد الأنصار على محور الدمج، وتصدت لقوات الاحتلال على محور (الدمج -الحواشين)، وأفشلت توغل القوات داخل المخيم.

وأشارت إلى أن مقاوميها فجروا عددًا كبيرًا من العبوات الناسفة في آليات الاحتلال وأعطبوا العشرات منها، وألحقوا أضرارًا جسيمة بعدد آخر.

ولفتت إلى أنها أدخلت عبوات جديدة للخدمة منها عبوة "طارق 1" تيمنًا بالشهيد طارق الدمج.

وأوضحت أن مقاوميها خاضوا اشتباكات متفرقة على عدة محاور، مؤكدة أن "مقاتلينا بخير وفي أفضل حالاتهم، وأن معنوياتهم تعانق السماء وأن ما رآه العدو هو شيء بسيط مما أعده مجاهدو سرايا القدس لهذا العدو، وإن كل ما قام العدو بترويجه على أنه إنجاز ما هو إلا إنجازات وهمية".

وشددت على جهوزيتها الدائمة "في كل وقت وتحت أي ظرف".

أسباب العملية

وأثارت العملية، تساؤلات حول الأسباب التي دفعت إسرائيل، إلى شن هذه العملية الموسعة، واستخدام كل تلك الأسلحة فيها، حيث أجمع كل القادة الإسرائيليون على أن الهدف من العملية، هو الحيلولة دون أن تتحول جنين إلى "مكان آمن لتجمع الإرهابيين"، على حد قولهم.

وفي معظم روايات المسؤولين الإسرائيليين، يتردد أن هناك قرارا اُتُخذ بقلب الأوضاع رأسا على عقب في الضفة الغربية، وجنين على وجه الخصوص، في ظل ما يقولون إنه تصاعد للهجمات الفلسطينية.

غير أن مراقبين لا يستبعدون أن يكون قرار نتنياهو بالإقدام على اجتياح جنين، جاء كنوع من الهروب من الضغوط الداخلية، ومحاولة لإرضاء حلفائه من اليمين المتطرف، داخل الحكومة الإسرائيلية.

فعلى مدار الأشهر الأخيرة، ومع تصاعد الهجمات الفلسطينية، تعالت أصوات داخل الحكومة الإسرائيلية خاصة، من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الفلسطيينين .

في المقابل، ينفي الفلسطينيون الرواية الإسرائيلية، والتي تعتبر أن الاجتياح الأخير لجنين يستهدف الإرهابيين.

وكان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة، قد صرح بأن "ما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيمها، جريمة حرب جديدة".

فيما قالت بلدية جنين في بيان لها، إن الجيش الإسرائيلي، وخلال اليوم الأول من عملية الاجتياح، قام بتدمير الخطوط الرئيسية للمياه والكهرباء، في مخيم جنين، وهو ما أدى إلى انقطاع خدمات المياه والكهرباء، عن أجزاء واسعة من المخيم.

ووفق البلدية، فإن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في مخيم جنين يعني أن غالبية ساكنيه لن يتمكنوا من الحصول على مياه صالحة للشرب أو كهرباء.

وأمام هذا الهجوم، تفاعلت الضفة الغربية سريعا مع مجريات الاجتياح الإسرائيلي لمدينة ومخيم جنين.

ومع بدء الهجوم الإسرائيلي على المخيم، بدأت الفصائل في دعوة أنصارها إلى التحرك وتصعيد المواجهة في نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، وهو ما حدث بالفعل في أغلب المحافظات.

كما شهدت مختلف المحافظات وقفات دعم وإسناد لمدينة جنين، شارك فيها مئات الفلسطينيين من مختلف القوى والفصائل.

إلى ذلك، شل الإضراب مختلف القطاعات الخاصة والحكومية في محافظات الضفة الغربية، كما أغلقت المحلات التجارية أبوابها، حدادا على أرواح الشهداء، استجابة لدعوة القوى والفصائل الفلسطينية وحراكات شبابية.

وكان التصعيد الفلسطيني الأبرز، عملية دهس ظهر الثلاثاء في تل أبيب، أصيب فيها 7 أشخاص على الأقل، وهو ما اعتبرته فصائل المقاومة "رد أولي على جرائم الاحتلال ضد شعبنا في مخيم جنين".

ووفق البرغوثي، فإن حديث نتنياهو عن العملية، بمثابة اعتراف واضح بفشلها وعدم تحقيق أهدافها المرجوة.

وأشار إلى أنه تأكد من خلال الوضع الميداني الذي وقف عليه أثناء وجوده أغلب ساعات الثلاثاء في جنين، وما تلاه من حديث نتنياهو عن استمرار العملية العسكرية، أن الاحتلال فشل فشلا كاملا في تحقيق هدفه المركزي بضرب المقاومة، كما أنه خسر عنصر المفاجأة الذي كان يعول عليه كثيرا.

وتوقع البرغوثي، أن فشل نتنياهو في تحقيق أهداف عمليته العسكرية سيجلب له العار، خاصة بعد أن تتكشف جرائم الحرب الوحشية التي نفذها جنوده، من تهجير للآلاف وهدم للبنى التحتية واستهداف للمستشفيات ومن فيها، وعزل الأطفال في غرف منفصلة وترهيبهم لإجبارهم على الشهادة ضد أهاليهم واستخدام الكلاب في ذلك.

ومع تأكيده على فشل العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين، لفت البرغوثي إلى أنه حتى وإن تكررت مرة أخرى فإنها ستواجه الفشل ذاته في ظل ما استدعته العملية الجارية من إحياء انتفاضة شاملة في كل مدن وقرى الضفة الغربية والقدس.

وقال إن الفلسطينيين لا يراهنون بحال على الموقف الأمريكي والأوروبي الذي لا يخفي دعمه للاحتلال، ولا يريد من الفلسطينيين سوى الاقتتال في ما بينهم بالتحريض ضد فصائله المقاومة، لافتا إلى أن إسرائيل تريد من السلطة أن تكون وكيلا أمنيا لها في الضفة الغربية.

إدانات عربية غربية

يشار إلى أنه في إطار ردود الافعال، تكرر نفس السيناريو المعهود في كل مرة، إذ أدانت دول عربية عدة، عملية الاجتياح الإسرائيلي لجنين، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل لوقفها، وعقدت الجامعة العربية، اجتماعا طارئا، وفقا لطلب من السلطة الفلسطينية، وبالتعاون مع مصر والأردن.

وعلى المستوى الدولي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن العملية، ينبغي لها أن تحترم القانون الإنساني الدولي، بينما بدا رد الفعل الأمريكي مماثلا لردود فعله السابقة، في مناسبات مشابهة، إذ قال البيت الأبيض إنه يراقب "عن كثب" الوضع في إسرائيل.

في وقت دعت دول غربية، إلى ضبط النفس، لافتة إلى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ضد الهجمات الفلسطينية، وهو ما اعترض عليه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه، الذي قال إن "إسرائيل معروفة على المستوى الدولي، بأنها سلطة احتلال لأراضينا وشعبنا"، مضيفا: "يجب إدانتها لاستخدام القوة لتدمير المخيم، وبنيته التحتية، ومنشآته ومنازله، ولقتل واعتقال وتشريد المدنيين الأبرياء".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جنين إسرائيل فلسطين المقاومة نتنياهو

في موكب واحد.. جماهير فلسطينية تشيع 9 شهداء من مخيم جنين

تضرر 80% من منازل جنين جراء الاقتحام الإسرائيلي

خبيرتان أمميتان: هجمات إسرائيل ضد جنين ترقى لجرائم حرب

عباس يعتزم دعوة قادة الفصائل الفلسطينية لاجتماع بالقاهرة.. حماس والجهاد تتجاهلان

معركة جنين لا تسدل كلمة النهاية على المشهد الفلسطيني.. كيف؟

جنين تغيرت.. المقاومة تواجه إسرائيل بتكتيكات حرب العصابات