استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هل يصل العالم إلى شطب الديون؟

الاثنين 17 يوليو 2023 04:44 ص

هل يصل العالم إلى شطب الديون؟

خلال جائحة كورونا، طُرح اقتراح في أمريكا لتصفية الديون من السجلات العامة كحل للديون التي تكبدها الأفراد والمؤسسات.

لا طريقة سهلة لكبح شراهة الحكومات والشركات والأفراد للاستدانة والرهان على الأموال الرخيصة (الاقتراض بفائدة منخفضة).

ما العمل لمعالجة معضلة المديونية التي يبدو العالم متعايشاً معها ما دامت تفاعلاتها الداخلية مكتومة ولا تسبب مغصاً معويا حاداً، للمدينين والدائنين؟

شطب الديون لا يحظى بشعبية لدى كبار الدائنين لكن الأحداث قد تنقله إلى صدارة الأولويات، ومعه إعادة هندسة كبرى لعقليتي صانع السياسة والمجتمع.

هناك إشارات متزايدة إلى دنو أجل واستحقاق تطبيق «يوبيل الديون»، باعتباره التغيير الكبير الذي يمكن أن يشفي الاقتصادات الوطنية والاقتصاد العالمي من عللها.

في أزمة 2008 ساندت حكومة أوباما البنوك في رفض إلغاء الديون المشكوك بتحصيلها من ملايين الأمريكيين أصحاب منازل الرهن العقاري وعائلات طلاب الجامعات المعسرين!

* * *

بلغ اجمالي الديون العالمية حتى منتصف عام 2022، 305 تريليونات دولار، بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي، أي ما يشكل 350% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وبتبسيط شديد، فإن موظفاً مرتبه مئة دينار، مطالب بسداد ديونه البالغة 350 ديناراً. وما سيفاقم أزمة المديونية العالمية التي بدأت تعاني منها الدول والبنوك، الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة المصرفية التي زادت من خدمة الديون (قيمة الأقساط + الفوائد)، وأضافت للمديونية العالمية ما يصل إلى نحو 3 تريليونات دولار.

فما العمل لمعالجة هذه المعضلة التي يبدو كأن العالم صار متعايشاً معها، ما دامت تفاعلاتها الداخلية مكتومة، ولا تسبب مغصاً معويا حاداً، للمدينين والدائنين، على حد سواء.

ربما احتاج الأمر إلى تغيير جذري للممارسة الاقتصادية الدولية. فلا توجد طريقة سهلة لكبح شراهة الحكومات والشركات والأفراد للاستدانة والرهان على الأموال الرخيصة (الاقتراض بفائدة منخفضة).

قد تجدي نفعاً بعض الإجراءات، كما سيتراءى للبعض، مثل وقف الإفراط في الإقراض، وتقليل الإنفاق المفرط، وإعادة هيكلة الشركات ذات الأداء المنخفض، والأهم من كل هذا وذاك، شطب الديون.

وهو مطلب لا يحظى بشعبية لدى كبار الدائنين، لكن الأحداث قد تنقله مع الوقت إلى صدارة الأولويات، ومعه بطبيعة الحال، إعادة هندسة كبرى لعقلية صانع السياسة، ولعقلية المجتمع الذي سيتعين عليهما تقبل نتائج هذا التحول الجذري في السياسات المالية، والاقتصادية بوجه عام.

تعود قصة الإعفاء من الديون التي دخلت التاريخ الاقتصادي باسم يوبيل الديونDebt jubilee، إلى أكثر من 4000 سنة مضت؛ وكان ذلك في سومر القديمة، وبابل، ومناطق أخرى في غرب آسيا.

فقد جرت العادة في تلك الأزمان الغابرة، أن يعلن الملوك القدماء، في إحدى المناسبات الاحتفالية، إعفاء كل أفراد المجتمع من ديونهم، بهدف تأمين الاستقرار العام. ويذهب بعضهم في نسبة المصطلح إلى اليوم السابع الوارد في الكتاب المقدس.

وعلى المنوال نفسه، كانت السنة السابعة سبتية. ثم بعد سبع مجموعات من سبع سنوات، تكون السنة الخمسون هي سنة اليوبيل التي يتم فيها إعفاء الديون، وتحرير العبيد، وإعادة الأرض التي فقدها الدائنون في سنوات الحصاد السيئة.

وخلال يوبيل الديون، كان يتم الإعفاء من جميع التزامات الديون، مثل الأرض أو المحاصيل التي تعهد بها المدينون للدائنين. وكان الدائنون الرئيسيون، في ذلك الوقت، هم بشكل أساسي العائلات المالكة والمقربين منها، ورجال الدين والنبلاء الأثرياء.

إذن، المفهوم والتبرير قصة قديمة قدم الحضارة الإنسانية. نظراً لأن الفائدة الإجمالية التي يتم دفعها على الديون تعيق الاقتصاد والمشاركين فيه، وقد تؤدي بهم إلى مهاو لا تحمد عقباها.

والسبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق العظيم هو إحداث تغيير كبير. فمع وجود تريليونات، بل وكوادريليونات من الدولارات من المشتقات المتداولة في الأسواق المالية العالمية، هناك إشارات متزايدة إلى دنو أجل واستحقاق تطبيق «يوبيل الديون»، باعتباره التغيير الكبير الذي يمكن أن يشفي الاقتصادات الوطنية والاقتصاد العالمي من عللها.

الفكرة من وراء الإعفاء من الديون، عدم تحول الديون إلى سبب لتمزيق المجتمع، كما حدث على سبيل المثال في الأزمة التي عصفت بالولايات المتحدة عام 2008، عندما ساندت حكومة أوباما البنوك في رفض إلغاء الديون المشكوك في تحصيلها من ملايين الأمريكيين أصحاب منازل الرهن العقاري، وآلاف عائلات طلاب الجامعات المعسرين!

وكذلك الحال بالنسبة للديون التي مزقت اليونان، نتيجة لإصرار صندوق النقد الدولي والبنوك الألمانية والفرنسية، وغيرها، على إجبار اليونانيين على عمل السخرة لتحصيل هذه الديون بالضرائب وخفض الأجور، ورفض طلب اليونان للسماح لها بالتخلف عن السداد ليتسنى لها أصلاح أعطابها الاقتصادية والاجتماعية.

اليوم، كما بالأمس، تتحول الديون، وما يعنينا هنا هو دين الدولة الخارجي، إلى مادة للجدل الساخن بين أوساط كبار الاقتصاديين في أمريكا، بسبب وطأة هذه المشكلة واستفحالها وتهديدها للاستقرار العام هناك.

ما بين من يصر على «قدسية الديون» حتى لو أدى ذلك إلى إفقار معظم الناس نتيجة لتحصيلها جبائياً منهم لسدادها؛ وما بين من يرى ضرورة تقديم أولوية استعادة الاستقرار الاقتصادي والمجتمعي، من خلال إخضاع الديون للقدرة على السداد، وقدرة المجتمع على الاستمرار في العمل على أساس قابل للتطبيق.

في الماضي السحيق، كان الغرض من إلغاء ديون اليوبيل، اجتماعياً بالدرجة الأساس، لذلك يصعب تصور نسخ تلك التجارب في الوقت الحاضر، نظراً لأن معظم علاقات الدين/الائتمان تتم عبر مؤسسات مالية (بنوك وشركات تأمين وما إلى ذلك)، وليست كما كانت في السابق علاقات كانت الحكومات والعائلات الثرية، أطرافها الأساسية بشكل مباشر.

لكن هذا لا يقدح مطلقاً في حقيقة أن الغرض الاجتماعي الأساسي لمثل هذه اليوبيلات، وهو إبقاء الديون ضمن القدرة المعقولة على السداد، تجنباً للوقوع في مطب الاستقطابات الاجتماعية والاقتصادية، يبقى حاضراً على الدوام عند الحديث عن الحجج السياسية والاقتصادية، المؤيدة والمعارضة، لفعل ذلك، والآليات البديلة الممكنة التطبيق.

وخلال جائحة كورونا، طُرح اقتراح في أمريكا لتصفية الديون من السجلات العامة كحل للديون التي تكبدها الأفراد والمؤسسات.

*د. محمد الصياد كاتب وباحث اقتصادي بحريني

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

شطب الديون يوبيل الديون ديون العالم الإعفاء من الديون أزمة المديونية العالمية أسعار الفائدة المصرفية خدمة الديون الناتج المحلي الإجمالي العالمي