استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

زمن الغضب ... قراءة مغايرة للواقع

الاثنين 24 يوليو 2023 03:56 ص

زمن الغضب ... قراءة مغايرة للواقع

ما هي الأسباب والشروط التي دفعت آلاف الشباب إلى أحضان هذا الفكر المتطرّف والعدمي الذي مثله تنظيم داعش؟

يقوم ميشرابإعادة قراءة ومناقشة الأوضاع العالمية اليوم بصورة عامة، والظواهر الخطيرة في العالمين، العربي والإسلامي.

ثمة حاجة لتجاوز القراءات التجزيئية والتسطيحية للأزمات السياسية الراهنة عربياً وإسلامياً، وقراءتها في سياق فلسفة التاريخ وحركيّته ودينامياته.

ظاهرة العنف باسم الإسلام ليست وليدة "تفسيرات استشراقية" ربطت صعوده بجوهر الإسلام، بل تكمن الظاهرة بالتنوير والحداثة ووعود الحداثة.

حملت الحداثة عقائد وأيديولوجيات وأفكار بشّرت بحتميات تاريخية ووعود بنهاية تاريخ تقوم على الديمقراطية سياسيا والاقتصاد الحرّ اقتصاديا والفردانية اجتماعيا وثقافيا.

مرحلة الربيع العرب شيطنها تيار من المثقفين والنخب السياسية أو جرى قراءتها بمثالية بعيداً عن التجارب التاريخية المقارنة وفهم ماذا حدث ولماذا وصلنا هنا.

* * *

من الصعب بمكان تلخيص كتاب بأهمية "زمن الغضب: تأريخ الحاضر" (عالم المعرفة، الكويت، 2023) بسطور قليلة. لكن من الضروري والمهم الإشارة إلى ضرورة الالتفات إلى هذا الكتاب للأديب والمفكر الهندي بانكاج ميشرا (ترجمه إلى العربية معاوية سعيدوني)، في إعادة قراءة ومناقشة الأوضاع العالمية اليوم بصورة عامة، والظواهر الخطيرة في العالمين، العربي والإسلامي، اليوم، بخاصة عندما نقرأ ظاهرة تنظيم داعش وتفسير الأسباب والشروط التي دفعت عشرات الآلاف من الشباب إلى أحضان هذا الفكر المتطرّف والعدمي.

تتمثّل الفرضية الرئيسية التي ينطلق منها الكتاب في أنّ ظاهرة الإرهاب باسم الإسلام ليست وليدة "تفسيرات استشراقية" ربطت صعود التنظيم بجوهر الإسلام، بل تكمن هذه الظاهرة (وغيرها من الظواهر العديدة الشبيهة في عالمي اليوم والأمس، أو بعبارة أدقّ منذ بدايات التنوير والحداثة وتصاعد الرأسمالية الأنغلوسكسونية) بالتنوير والحداثة ووعود الحداثة وما حملته من عقائد وأيديولوجيات وأفكار كانت تبشّر بحتميات تاريخية ووعود بنهاية تاريخ تقوم على الديمقراطية سياسياً والاقتصاد الحرّ والفردانية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

الكتاب متخمٌ بالأحداث والنصوص والاستشهادات التي تعود بنا إلى الجدل والنقاش بين جان جاك روسّو وفولتير والاختلافات بينهما، والأحداث العالمية التي صاحبت التحديث والرؤى العلمية التي تحوّلت إلى عقائد في التبشير بالمجتمعات الصناعية الرأسمالية الحديثة، بوصفها ديانة عالمية جديدة.

ويذكّر الكتاب بالفاشية والنازية والحربين العالميتين، الأولى والثانية، والأزمات الاقتصادية العالمية، سواء الركود الاقتصادي 1929 أو حتى أزمة 2009، بوصفها مرتبطة عضوياً ببنية الرأسمالية والتحديث وتداعياته على المجتمعات والشعوب، وصولاً إلى صعود الحركات الشعبوية اليوم في الغرب. ومن أنصع أمثلتها ظاهرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأمثاله من اليمين الأوروبي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

داعش مثّل ظواهر قومية وعالمية عديدة كانت بمثابة حملات عكسية قام بها غاضبون شعروا بالتهميش وغياب الدور والحضور، أو أزمة الهوية والمعنى في عالم اليوم الذي كان يبشّر بأنّ البشرية جمعاء ستسير في طريق التحديث الاقتصادي والليبرالية الغربية.

ووصل الأمر، كما هو معروف، بعد الحرب الباردة، إلى إعلان فوكوياما (بتحريف لمقولات الفيلسوف الألماني هيغل) إلى القول إنّ الديمقراطية الرأسمالية الأنغلوسكسونية تمثل نهاية التاريخ.

بالضرورة، لا أدعو إلى قراءة هذا الكتاب المهم لنقول إنّ التحديث السياسي والاقتصاد الحرّ والليبرالية هي فلسفات ونظم خاطئة، ولكن لتسليط الضوء على الأضرار الجانبية ومراجعة تفسير ظواهر عديدة وقراءتها في سياقاتها الموضوعية الصحيحة، وعدم بترها عن تلك الشروط، لأنّ مثل هذه القراءة ستساعد كثيراً مجتمعاتٍ وشعوبا، بخاصة في العالم العربي الذي ابتلي بكوارث وأزماتٍ عديدة، ولا يزال، في تأطير ما الذي حدث، وكيف يجرى التعامل معه.

ويساعد توصيف المشكلات وتحليلها بصورة دقيقة على إدراك الخيارات الاستراتيجية والمسارات المستقبلية، بدلاً من الإغراق في التعامل معها بصورة خاطئة تعزّز من الأزمات والمشكلات والمصائب!

يذكرنا كتاب ميشرا بكتاب نادر هاشمي "الإسلام والعلمانية والديمقراطية الليبرالية" الذي قارن بين الشروط والحيثيات التي أدّت إلى صعود الحركات الإسلامية اليوم بالأوضاع والظروف التي سادت في بريطانيا وأوروبا في القرن التاسع عشر، وحلّل العوامل المتشابهة بينها وبين العديد من تلك الحركات الغاضبة في تلك المرحلة، بدلاً من الاكتفاء بإطلاق مصطلحات الفاشية الإسلامية والأصولية وغيرها من مصطلحاتٍ تختزن في طياتها مواقف أيديولوجية وسياسية مسبقة.

يفيد استدعاء هذا الكتاب في تجاوز القراءات التجزيئية والتسطيحية للأزمات السياسية الراهنة عربياً وإسلامياً، وقراءتها في سياق فلسفة التاريخ وحركيّته ودينامياته، وهو الأمر الذي نحتاج إليه فعلاً اليوم، بخاصة بعد مرحلة الربيع العربي، التي إما شيطنها ودانها تيار من المثقفين والنخب السياسية أو جرى التعامل معها بمثالية شديدة بعيداً عن قراءة التجارب التاريخية المقارنة وفهم ماذا حدث ولماذا وصلنا إلى هنا.

هذا الكتاب من الكتب المهمة التي تستحقّ أن تفتح نقاشات فكرية وثقافية معمّقة بين النخب المثقفة والسياسية العربية، لأنه يسلّط الضوء على أبعاد وجوانب لم تأخذ التحليل المطلوب.

*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الحداثة التنوير الإرهاب داعش النخب الإسلام الديمقراطية الليبرالية بانكاج ميشرا زمن الغضب الرأسمالية الأنغلوسكسونية نهاية التاريخ تفسيرات استشراقية