استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مالية العراق: فساد وسوء إدارة واصلاحات مؤجلة

الجمعة 28 يوليو 2023 06:35 ص

مالية العراق: فساد وسوء إدارة واصلاحات مؤجلة

العراق من الدول الأكثر فساداً في العالم، الأمر الذي يؤثر سلبياً على إيرادات الدولة ونفقاتها.

ترتكز السياسة المالية على خيارات حزبية توافقية أضرت بمصالح البلد ومعيشة المواطنين.

أسباب هذا الوضع المتناقض: سوء إدارة الشأن المالي، وتصطدم الإدارة السليمة للمالية العامة بثلاث عقبات ذات طابع سياسي تصعب معالجتها.

أسهم إقليم كردستان مساهمة فاعلة في تدهور الوضع المالي للبلد بسبب حصته في الميزانية وقراراته التي تحرم الدولة من إيرادات نفطية وضريبية.

تلعب إيران دوراً خطيراً أضرّ بمالية الدولة بطرق استثمارية وتجارية، لذلك تحاول طهران ترسيخ ريعية الاقتصاد العراقي لتصريف منتجاتها الصناعية والزراعية.

أصبح فشل السياسات المالية سمة أساسية للاقتصاد العراقي منذ سنوات فلا يمكن معالجة هذا الفشل بفاعلية إلا بعد إجراء تغييرات سياسية وإصلاحات اجتماعية.

* * *

يعتمد الاقتصاد العراقي اعتماداً شبه كليّ على الإيرادات النفطية، لذلك يُفترض أن ينتعش مستوى معيشة المواطنين بارتفاعها ويتراجع بانخفاضها. لكنّ المؤشرات تدلّ بوضوح على أن هذا المستوى الذي يتدهور بهبوط العوائد النفطية لا يتحسن بزيادتها، حيث انخفض سعر صرف الدينار وتصاعدت أسعار السلع والخدمات وارتفعت معدلات الفقر والبطالة وتزايدت الديون الداخلية والخارجية واستمر العجز المالي.

باتت المؤسسات الدولية تصنف العراق في أدنى المراتب من الجوانب المالية والصحية والتعليمية والأمنية وغيرها. علماً بأن الإيرادات النفطية والاحتياطي النقدي في حالة ارتفاع.

الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتناقض تتجلى في سوء إدارة الشأن المالي، وتصطدم الإدارة السليمة للمالية العامة بثلاث عقبات ذات طابع سياسي تصعب معالجتها.

يعدّ العراق من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، الأمر الذي يؤثر سلبياً على إيرادات الدولة ونفقاتها.

أسهم إقليم كردستان مساهمة فاعلة في تدهور الوضع المالي للبلد بسبب حصته في الميزانية وقراراته التي تحرم الدولة من إيرادات نفطية وضريبية.

تلعب إيران دوراً خطيراً أضرّ بمالية الدولة بطرق عديدة استثمارية وتجارية، لذلك تحاول طهران ترسيخ ريعية الاقتصاد العراقي لتصريف منتجاتها الصناعية والزراعية.

العجز المالي

في العام الجاري 2023 بلغت إيرادات الميزانية العامة 134 ترليون دينار والنفقات 199 ترليون دينار أي أن حجم العجز البالغ 65 ترليون دينار (خمسين مليار دولار) يصل إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة عالية بمختلف المقاييس. وفي نفس الوقت وصل حجم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي إلى مائة مليار دولار أي ما يعادل مجموع الاحتياطي النقدي لمصر والأردن والمغرب وتونس.

أدى تنظيم الميزانيات بعجز إلى اللجوء المتكرر إلى القروض الداخلية والخارجية. عندئذ ارتفعت الديون العامة حتى وصلت فوائدها في العام الجاري إلى عشرة مليارات دولار أي أعلى من حصيلة الضرائب والرسوم.

جميع ميزانيات السنوات السابقة نُظمت بعجز. وفي نهاية السنة المالية يتبين بأن العجز كان أقلّ مما هو متوقع لأن السعر الفعلي لبيع برميل النفط أعلى من السعر المعتمد في الميزانية لحساب الإيرادات النفطية.

وبذلك تتحقق فوائض مالية فيزداد الاحتياطي النقدي وفي نفس الوقت ترتفع الديون، وهكذا بلغ حجم الديون سبعين مليار دولار إضافة إلى مبالغ أخرى قديمة قدرها أربعين مليار دولار تعتبرها الحكومة من الديون الكريهة التي لا تعترف بها لأنها ناجمة عن قروض حصلت عليها الدولة أثناء حربها ضد إيران في ثمانينيات القرن المنصرم.

ستتعقد المشاكل المالية اعتباراً من النصف الثاني من العام الجاري بسبب هبوط أسعار النفط وتراجع حجم الصادرات.

الميزانية الحالية قدرت الإيرادات النفطية على النحو التالي:

تبلغ الصادرات النفطية (بما فيها نفط كردستان) 3.5 مليون ب/ي. تصبح الإيرادات المتوقعة: 3.5 مليون برميل × 70 دولاراً للبرميل × 365 يوماً = 89425 مليون دولار أي بمعدل شهري قدره 7452 مليون دولار.

في شهر أبريل/نيسان المنصرم بلغ متوسط سعر بيع النفط العراقي 79 دولارا أي أعلى من سعر النفط المعتمد في الميزانية بتسعة دولارات. لذلك حصلت الدولة على إيرادات قدرها 7796 مليون دولار أي أعلى من المتوسط الشهري للإيرادات المقدرة.

وفي مايو/أيار هبط سعر النفط العراقي إلى 71 دولاراً، فأصبحت إيرادات هذا الشهر 7306 مليون دولار أي أقل من إيرادات الشهر السابق ومن الإيرادات الشهرية المتوقعة. وفي يونيو/حزيران وبهدف التصدي لتدهور الأسعار واستجابة لقرارات أوبك + قرر العراق تقليص صادراته فهبطت إيراداته النفطية لهذا الشهر لتصل إلى 7115 مليون دولار.

ومن زاوية أخرى أدى هبوط الإيرادات النفطية إلى تخفيض القيمة التعادلية للدينار. ولكن لم تقد زيادة هذه الإيرادات إلى ارتفاع هذه القيمة. ففي عام 2020 هبطت أسعار النفط بشدة بسبب تداعيات كورونا فانخفضت إيرادات الدولة بحيث لم تكن قادرة على دفع فاتورة مرتبات الموظفين.

أصبحت الحكومة أمام الوضع التالي: إما التوقف عن دفع المرتبات وما يترتب على ذلك من تزايد الاستياء الشعبي المتنامي أو تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار وبالتالي مقابل جميع العملات الأخرى.

طبقت الحكومة الخيار الثاني فانتقل سعر صرف الدولار من 1182 ديناراً إلى 1450 دينارا. أصبحت الدولة تموّل قسطاً من نفقاتها بالإصدارات النقدية الجديدة. ارتفعت أسعار جميع المواد والخدمات فهبط مستوى المعيشة المنخفض أساسًا.

منذ أكثر من سنة ونتيجة للحرب الروسية الأوكرانية أصبحت أسعار النفط عالية قياساً بالأسعار التي كانت سائدة قبيل جائحة كورونا. كما ازداد الاحتياطي النقدي كما أشرنا. ورغم ذلك لم يُتخذ أي قرار لتحسين سعر صرف الدينار. في حين تتطلب السياسة المالية الرشيدة واعتبارات الإنصاف تخفيف العبء الثقيل الذي يتحمله المواطن.

ضعف الإيرادات غير النفطية

لا توجد في العراق إيرادات خارجية غير نفطية. وهذا ناجم عن سوء إدارة الشأن المالي بالدرجة الأولى. وعلى عكس بلدان مجلس التعاون الخليجي لا يملك العراق صندوقاً سياديًا فاعلا. وبالتالي لا يتوفر على مصادر مالية من استثمارات خارجية، رغم أنّ هنالك إمكانات كبيرة لإنشاء صندوق برأسمال مهم.

والعراق على عكس الدول العربية غير النفطية لا يحصل على إيرادات من العراقيين المقيمين بالخارج رغم كثرة عددهم. بل بالعكس هنالك تحويلات من الداخل إلى الخارج. نجم هذا الوضع عن عدة أسباب منها عدم الاستقرار السياسي والعنف الطائفي والبيئة الطاردة للاستثمار.

أما الإيرادات غير النفطية الداخلية فتكاد تقتصر على الضرائب والرسوم التي تبلغ حصيلتها 15 ترليون دينار أي 11% من الإيرادات العامة. في حين تحتل الضرائب مكانة مرموقة في دول المنطقة كالسعودية (28% من إيراداتها).

تقتضي السياسة الضريبية الحكيمة زيادة الرسوم الجمركية لدعم المنتجات المحلية. وتقرير إعفاءات مؤقتة من ضريبة الدخل لإعطاء نفس جديد للقطاع الخاص ورفع القدرة الشرائية للمواطنين. وبدلاً من اتخاذ هذا الإجراء راحت الميزانية الحالية تفرض ضرائب جديدة على استهلاك المنتجات النفطية تتراوح أسعارها بين 1% و15%.

نفقات عديمة الجدوى

اعتادت الدول على نشر الحساب الختامي بعد مرور أقل من سنة واحدة وأحياناً بضعة أشهر على انتهاء السنة التقديرية. في حين لا توجد في العراق حسابات ختامية للميزانيات منذ عدة سنوات. يعود آخر حساب ختامي إلى عام 2013، وغياب هذه الحسابات سبب للفساد المالي المستشري ونتيجة له، فلا أحد يعرف حجم الأموال التي أُنفقت على الصعيد الفعلي.

لابد هنا من الإشارة إلى ثلاثة وجوه تبيّن فشل السياسة المالية المتعلقة بالنفقات العامة.

الوجه الأول: ارتفاع النفقات العسكرية الناجم عن عدم الاستقرار الأمني وعن تضخم الجهاز العسكري المستهلك وغير المنتج والمستورد وغير المصدر.

الوجه الثاني: ارتفاع عدد الموظفين. لا يتوقف تضخم الجهاز الإداري على العسكريين بل يشمل أيضاً المدنيين. في العراق هنالك أكثر من ثلاثة ملايين موظف أي ضعف الموظفين في السعودية. وبحسب منظمة العمل الدولية يحتل العراق المرتبة العالمية الأولى في نسبة الموظفين الحكوميين إلى العدد الكلي لليد العاملة.

أربعة مليارات دولار تصرف شهريا للمرتبات أي اكثر من نصف إيرادات النفط. لابد من تشجيع القطاع الخاص وتصنيع البلد لتقليص عدد الموظفين وخلق فرص عمل منتجة.

الوجه الثالث: استفحال الدور عديم الجدوى لإدارات الأوقاف التي أصبحت تمتص قسطاً لا يستهان به من الأموال العامة. بات من الضروري على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي إلغاء هذه الإدارات الطائفية.

ترتكز السياسة المالية على خيارات حزبية توافقية أضرت بمصالح البلد ومعيشة المواطنين. أصبح فشل هذه السياسة سمة أساسية من سمات الاقتصاد العراقي منذ عدة سنوات. لذلك لا يمكن معالجة هذا الفشل بفاعلية إلا بعد إجراء تغييرات سياسية وإصلاحات اجتماعية.

*صباح نعوش كاتب وباحث اقتصادي

المصدر | البيت الخليجي للدراسات والنشر

  كلمات مفتاحية

العراق إيران فساد النفط سوء إدارة مالية العراق العجز المالي نفقات عديمة الجدوى الإيرادات غير النفطية السياسات المالية

محكمة عراقية تحجز على ممتلكات وزير النفط السابق

النزاهة العراقية تعلن استعادة 1.5 مليون دولار بقضايا فساد لمسؤولين سابقين