استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لا تغيير في سياسة سعيّد

السبت 29 يوليو 2023 02:25 م

لا تغيير في سياسة سعيّد

هل من الممكن تحقيق أي تقدّم ملموس من دون الأخذ بالاعتبار الصواريخ التي أطلقها الرئيس خلال السنتين الماضيتين؟

توالت الوقائع الدالّة على أن العديد من الحكومات الغربية تغلّب كعادتها على مصالحها الآنية على قضايا الديمقراطية والحريات.

رياح الأزمات تصبّ في صالحه وتثبت أن الغرب بدأ يقبل بوجود النظام، خاصة بعد أن أثبت استعداده دخول تسوية ملفات شائكة، مثل ملف الهجرة غير النظامية.

لا يمكن إنكار أن ظاهرة قيس سعيّد صمدت ومن يتجاهلها يفشل في فهم ما يجري. لا بد من تغيير منهج الفهم والتحليل لاكتساب قدرة على الاستقراء ويُستبعد تغييرات مهمة.

وجّه الرئيس ضربات قوية إلى الانتقال الديمقراطي: إلغاء دستور 2014، تهميش الأحزاب، إخضاع القضاء، تقليص الحريات، تحجيم اتحاد الشغل، حلّ الهيئات البلدية المنتخبة..

* * *

انقضت سنتان من تاريخ انفراد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بجميع السلطات، فترة كافية لتقييم أدائه، والتعرّف على حصيلة المرحلة. لم يُلق الرجل خطاباً بهذه المناسبة، ولم يقم استعراضاً عسكرياً أو مدنياً، ولم يعلن عن قرارات جديدة، كما يفعل عادة الحكام المنتصرون. اكتفى بإبلاغ مواطنيه، ومن ورائهم خصومه وناقدوه في الداخل والخارج، بأن "لا عودة إلى الوراء".

تلتقي أغلبية المواقف حول القول إن حصيلة السنتين كانت سلبية، وإن قيس سعيّد الرئيس لم يحقّق أياً من وعوده. وبناء عليه، تطالبه المعارضة بأحد الاحتمالين، التراجع عن مسار 25 جويلية (يوليو/ تموز 2021) والرجوع إلى نقطة البداية، أو التخلي عن الحكم، ودعوة التونسيين إلى انتخابات جديدة.

لكن إذا حوّلنا الكاميرا إلى الزاوية المقابلة بحثاً عن الكيفية التي يفكّر بها الذين يمسكون بالسلطة، نجد أن ما يعتبره خصومها فشلاً يرون فيه نجاحاتٍ كبرى، ومكاسب يمكن البناء عليها.

المؤكّد أن المشهد السياسي في البلاد تغيّر بشكل ملحوظ، وأن الضربات القوية التي وجّهها الرئيس إلى مقوّمات الانتقال الديمقراطي قد أحدثت مناخاً مختلفاً: إلغاء دستور 2014، تهميش الأحزاب، إخضاع القضاء، تقليص مجال الحريات، تحجيم الاتحاد العام التونسي للشغل، حلّ الهيئات البلدية المنتخبة، تركيز برلمان بديل ضعيف وغير قادر على المحاسبة والمراقبة.

الحقيقة الثابتة والوحيدة الحالية في تونس أن الرئيس سعيّد هو الفاعل الرئيس، يقرّر، ويفعل، ويواصل الحكم على المنوال نفسه. لم يتغيّر، ولم يحد عن رؤيته السياسية التي أعلن عنها منذ سنة 2013. كان واضحاً منذ البداية في رفضه النخبة السياسية بالخصوص، وطالبها منذ ذلك التاريخ بأن ترحل عن بكرة أبيها.

وقد أنجز الكثير من ذلك، وهو مصرٌّ على ملاحقة البقية. وما كانت تعتبره بقية مكوّنات المجتمع السياسي والمدني أفكاراً طوباوية ساذجة وشعبوية، نجح الرئيس في تحقيق العديد منها في وقت قياسي، وبسهولة غير متوقّعة.

في المقابل، بنت المعارضة، بمختلف مكوناتها مواقفها، على سيناريوهاتٍ لم تصمُد أمام الواقع الموضوعي، فهي من جهة اعتقدت أن من شأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعجز عن ابتكار الحلول المناسبة أن يولّد النقمة في أوساط عموم المواطنين، ويدفعهم نحو سحب الثقة من قيس سعيّد والخروج عليه. كما أن من شأن ذلك أن يعجّل بالصدام بين الرئاسة والحركة النقابية والاجتماعية.

رغم قوة هذه الفرضية، وأهميتها في التاريخ السياسي لتونس، غير أنها لم تصمد في المرحلة الحالية، إذ رغم الصعود الصاروخي للأسعار، وفقدان المواد الأساسية، فإن تحميل السلطة المعارضة المسؤولية المباشرة عن ذلك هي الرواية التي راجت، ووجدت القبول في أوساط المواطنين.

الاحتمال الثاني الذي أخذته المعارضة بالاعتبار، ولم تستبعده من حساباتها، وهو العامل الخارجي القائم على الفرضية التالية. استبعدت بقاء الغرب مكتوف الأيدي في حال تمادي الرئيس سعيّد في توجّهه نحو إجهاض الانتقال الديمقراطي في تونس، وأن الدول الغربية ستصعّد من ضغوطها المختلفة لإجباره على احترام الحريات وحقوق الإنسان.

وقد تحرّكت فعلاً كل من أميركا وأوروبا في هذا الاتجاه بشكلٍ غير مسبوق، لكن نظام قيس سعيّد صمد ولم يتراجع. وجاءت رياح الأزمات الإقليمية والدولية لتصبّ في صالحه، وتثبت أن هذا الغرب بدأ يقبل بوجود النظام، خصوصاً بعد أن أثبت استعداده الدخول في تسوية بعض الملفات الشائكة، مثل ملف الهجرة غير النظامية.

وتوالت الوقائع الدالّة على أن العديد من الحكومات الغربية تغلّب كعادتها على مصالحها الآنية على قضايا الديمقراطية والحريات.

الخلاصة، ما لا يمكن حجبه وإنكاره أن ظاهرة قيس سعيّد قد صمدت، وأن الذي يتجاهلها سيفشل في فهم ما يجري. لا بد من تغيير منهج الفهم والتحليل لاكتساب القدرة على الاستقراء.

لهذا، يُستبعد أن تشهد تونس، على ضوء المعطيات الراهنة، تغييرات مهمة، وهو ما دفع بعضهم إلى طرح السؤال: هل من الممكن تحقيق أي تقدّم ملموس من دون الأخذ بالاعتبار الصواريخ التي أطلقها الرئيس خلال السنتين الماضيتين؟

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس الغرب حريات قيس سعيد الانتقال الديمقراطي ارتفاع الأسعار الهجرة غير النظامية