احتجاجات جنود الاحتياط.. أزمة تضرب العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل

الثلاثاء 1 أغسطس 2023 11:27 ص

سلط الباحث المساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مهاب عادل حسن، الضوء على تأثير احتجاجات جنود الاحتياط ضد خطة الإصلاحات القضائية على العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل، مشيرا إلى تصاعد هذه الاحتجاجات بعد إقرار الكنيست لمشروع قانون الإصلاحات.

وذكر حسن، في تحليل نشره موقع المركز، أن الآلاف من جنود الاحتياط، خاصة وحدات النخبة من المتطوعين في القوات الجوية والكوماندوز والاستخبارات العسكرية، رفضوا الخدمة، أجل الضغط على الحكومة للتراجع عن الإصلاحات التي من شأنها أن تخل بالتوازن بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية، وبالتالي تهدد النظام الديمقراطي في إسرائيل، بحسب رأيهم.

وأضاف أن هذا التطور يطرح العديد من التساؤلات حول إطار عمل جنود الاحتياط الإسرائيليين داخل المؤسسة العسكرية، وإلى أي مدى كان لذلك تأثير على طبيعة العلاقات المدنية العسكرية داخل دولة الاحتلال.

ونشأ نظام خدمة الاحتياط الإسرائيلي عام 1948 كعنصر مركزي في الجيش الإسرائيلي، وهي المكون المهيمن عددياً في الجيش؛ وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول الاحتياطيات، إلا أن بعض التقارير العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن ما لا يزيد عن 1.5% من سكان إسرائيل يخدمون في الاحتياط، وحوالي 6% فقط من الجنود الذين أكملوا خدمتهم الإلزامية ما زالوا في الخدمة الاحتياطية الفعلية.

وارتكزت فكرة تأسيس الخدمة في البداية إلى إنشاء قوة كبيرة بما يكفي لتعويض التقدم العددي للجيوش العربية. بينما يعمل النظام من خلال التجنيد الإجباري للمواطنين في سن الـ 18 عام لفترة طويلة نسبيًا (32 شهر للذكور، 24 شهر للإناث)، يتم خلالها تدريب الجنود وخدمتهم في مهام محددة وعند التسريح يتم دخولهم إلى مجموعة من جنود الاحتياط، وينشأ التزام طوعي من جانب الجنود الاحتياط بالاستجابة للاستدعاءات.

 وتضمن هذه الآلية لتل أبيب تلبية احتياجات الجيش من ناحية، ومن ناحية أخرى، تلبية احتياجات الاقتصاد المدني.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، واجه نظام خدمة الاحتياط الإسرائيلي العديد من التحديات، بما في ذلك أزمة التحفيز، التي نتجت عن صعوبة العثور على الدعم في المجال المدني لجنود الاحتياط.

ونشأت هذه الأزمة بشكل خاص جراء 3 إشكاليات كانت سائدة في ذلك الوقت، أولها: مشاكل التوظيف، والضرر الذي يلحق بطلاب الدراسات الأكاديمية من جنود الاحتياط، وتعطيل الروتين الأسري.

الإشكالية الثانية هي أزمة التأمين (1997-2002)، وارتبطت بمسألة التأمين على الحياة لجنود الاحتياط، فعلى عكس الجنود النظاميين، لم يكن جنود الاحتياط يتمتعوا بالتأمين على الحياة، بحيث إذا أصيب جنود الاحتياط أو قتلوا أثناء الخدمة، فلن يحق لهم ولأسرهم الحصول على مزايا.

 واعتمد الجيش الإسرائيلي على التأمين الخاص لجنود الاحتياط، على الرغم من أن شركات التأمين الخاصة استبعدت فترات الخدمة الاحتياطية من شروط التأمين.

وشهدت تلك الأزمة تصاعدًا ملحوظًا مع وقوع "حادثة المروحيات 1" في عام 1997، عندما قتل 73 جنديًا، وكان من بين القتلى طيار احتياطي لم يكن يتمتع بتأمين على الحياة.

أما الإشكالية الثالثة فتمثلت في أزمة المعدات والتأهيل (2002-2008)، التي أثيرت على خلفية العملية العسكرية "الدرع الواقي" التي قامت بها إسرائيل في الضفة الغربية، حيث وجد جنود الاحتياط خلال العملية أنفسهم يقاتلون بعد عقد ونصف من تخفيض وإضعاف نظام الاحتياط، حيث كانت معداتهم القتالية قديمة، بالإضافة إلى تدني مستوى التأهيل والتدريب الذي تلقوه.

منتدى كتيبة الاحتياط

نتيجة لهذه التحديات المتلاحقة، بدأ جنود الاحتياط في تشكيل سلوك احتجاجي أضفوا عليه في بعض المراحل إطارًا مؤسسيًا عبر إنشاء أول تنظيم لجنود الاحتياط باسم "منتدى كتيبة الاحتياط وقادة الألوية"، وكانت مهمته الدفاع داخل المؤسسة العسكرية عن كل ما يتعلق بشئون جنود الاحتياط، والتعامل مع المشاكل المتنوعة لنظام الاحتياط في الساحة المدنية. وإضافة لذلك، تم إنشاء العديد من المنظمات الأخرى، على سبيل المثال، (منتدى جنود الاحتياط، النظام 8)، وقادت هذه المنظمات الجهود لمعالجة المشاكل وشملت بعض الاحتجاجات، وحتى الإضرابات، من قبل جنود الاحتياط. وكان من أبرزها، تنظيم الطيارين الاحتياطيين إضرابًا كبيرًا في عام 1999 رفضوا خلاله الحضور للخدمة، حتى تم حل مشكلة التأمين.

وكان يُنظر إلى جنود الاحتياط والكيانات التي تمكنوا من تأسيسها باعتبارها عناصر "تغيير مزدوجة" تعمل على كل من المجالين المدني والعسكري، حيث ارتبط العديد منهم بمراكز قوة مختلفة (الحكومات المحلية والشركات التجارية والمؤسسات الأكاديمية) مع القدرة على العمل في الساحة السياسية المدنية من خلال تشكيل تحالفات داعمة خارج النظام الأمني والعمل عبر وسائل الإعلام الجديدة والقديمة.

وعلى عكس الجنود النظاميين، فهم لا يخضعون مباشرة للانضباط العسكري أثناء خروجهم من الخدمة، وهو ما جعل البعض يعتبرهم بمثابة "سفراء" الجيش في الحياة المدنية، وحماته من التدخل الخارجي وضامني قوته، كما أنهم يستخدمون المنصات المدنية لتشكيل تحالفات مع الجمعيات المدنية والسياسيين ووسائل الإعلام للتأثير على الجيش وتغيير السلوك العسكري.

وتمكنت هذه الكيانات من تأمين مصالح الجنود الاحتياط ومعالجة الإشكاليات السابقة، من خلال تدخلات تشريعية، كانت بدايتها بسن تشريع قانون مدفوعات التأمين لجنود الاحتياط والأسر، في عام 2002، وتم تطبيق القانون بأثر رجعي من عام 1999. وفي عام 2003، تأسس لوبي لتنظيمات الاحتياط داخل الكنيست الإسرائيلي، من أجل الترويج لمجموعة برلمانية داخلية تدعم حقوق جنود الاحتياط.

الحكم الذاتي العسكري

ويرى عادل أن الحالة الإسرائيلية تشهد تراجعًا في الحكم الذاتي العسكري، إذ أن سلوك وممارسات منظمات الاحتياط الإسرائيلية، خلال فترات الاحتجاج المُشار إليه سلفًا، والتي انتهت بسن قانون لتنظيم خدمة الاحتياط، استطاعت أن تحول العلاقة الثنائية بين الجيش وجنوده (الاحتياطيين) إلى علاقة ثلاثية، بين الدولة والمجتمع والجيش، وساهم التشريع الخاص بالإصلاح القضائي في إضفاء الطابع الرسمي على هذه العلاقات.

وتعد مساهمة القانون في تقليص الحكم الذاتي العسكري جزءا من التغييرات التي اجتاحت إسرائيل منذ أواخر القرن العشرين، نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، حيث أصبح الجيش أكثر عرضة للمراقبة العامة والمشاركة المدنية في المجال العسكري، بالإضافة إلى تدخل المدنيين ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل كجماعات ضغط للتأثير على عملية الجيش.

وهنا يشير عادل إلى جملة من المؤشرات التي يمكن الاستدلال بها على التغيرات التي حدثت في الحكم الذاتي العسكري للجيش الإسرائيلي في ضوء قانون الخدمة الاحتياطية، على النحو التالي:  

-  يعكس قانون الإصلاح القضائي مزيدًا من التخفيض في المساحة المستقلة التي يعمل فيها الجيش كمؤسسة شبه مستقلة، إلا أن هذا التخفيض لم يحدث من قبل السياسيين المدنيين في الحكومة أو البرلمان ولكن من قبل جمعيات الاحتياط التي تتقاطع مع 3 مستويات هي الجيش والمجتمع المدني والساحة السياسية.

-  يحد القانون ويقيد حرية الجيش الإسرائيلي في العمل فيما يتعلق بأهداف الاستدعاءات للخدمة الاحتياطية، وأعمار أولئك الذين يخدمون، وكذلك طول مدة خدمتهم، حيث يستلزم العنصر الرئيسي الإشراف البرلماني على تجنيد جنود الاحتياط أثناء حالات الطوارئ.

فوفقًا للقسم 8 من القانون يحدد وزير الدفاع التجنيد الطارئ بعد الحصول على موافقة أولية من الحكومة، كما يجب على الوزير طلب الموافقة على التعبئة الطارئة من لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالبرلمان في غضون 48 ساعة.

-  يؤكد القانون أن الحكومة ستحدد عدد جنود الاحتياط المطلوبين للدولة (رهنا بتوصيات الجيش الإسرائيلي)، بينما كان الجيش في السابق يحدده داخليًا وفقًا لاحتياجاته.

- وإضافة لذلك، ينص القانون على أن وزير الدفاع ملزم بإبلاغ الكنيست مرة واحدة في السنة عن مستوى التأهيل المطلوب لجنود الاحتياط وبرامجهم التدريبية.

ويشير عادل أيضا إلى بعض الجوانب التي تعكس تراجع الحكم الذاتي العسكري، ومنها مناقشة التدريب وحتى الحوادث التشغيلية في المحاكم المدنية وليس داخل الجيش، واستثناء تجنيد السكان المتميزين (مثل النساء والرجال الأرثوذكس المتطرفين) في النظام القانوني، فضلاً عن بدء المحكمة العليا الإسرائيلية منذ أواخر 1970، في تفعيل المراجعة القضائية للاعتبارات الأمنية.

وتؤشر كل هذه التطورات إلى مدى امتداد الاعتبارات الخارجية إلى عالم صنع القرار العسكري في إسرائيل، وهو ما يختلف عن وضع الجيش السابق، الذي لطالما ظل خاضعا للحكومة المدنية، لكن مع التمتع بنفوذ كبير على صنع السياسات.

خبرة الاحتياط الاحتجاجية

ويشير عادل إلى أن الأزمة الراهنة لاحتجاجات الجنود الاحتياط ذات دافع مرتبط بعامل سياسي خارجي، وليس في نطاق الأمور التشغيلية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بيد أن خبرة القطاع الاحتجاجية، التي راكمها هذا المكون طيلة الفترة الماضية، والتطور المؤسسي الذي لحق بكياناته، هو ما دفعه لعجلة قيادة الاحتجاجات.

وتتصاعد الأزمة في الوقت الراهن مع إقرار الكنيست، في 24 يوليو/تموز، بإقرار تشريع "معيار المعقولية" الخاص بالإصلاح القضائي، والذي من شأنه أن يحد من قدرة المحكمة العليا الإسرائيلية على مراجعة "معقولية" قرارات الحكومة، الخاصة بتعيين وفصل المسئولين في القطاع العام، وهو ما ردت عليه رسائل الاحتجاج التي أصدرها الجنود الاحتياط، برفض الخدمة إذا ما أقدمت الحكومة على تمريره.

 وأصدر 1142 من جنود الاحتياط في القوات الجوية، بما في ذلك 235 طيارًا مقاتلًا و98 طيارًا لطائرات النقل و89 طيارًا لطائرات الهليكوبتر و173 مشغل طائرات بدون طيار، في 21 يوليو/تموز الجاري، رسالة مشتركة بأنهم سيتوقفون عن العمل الأسبوع المقبل إذا مضت الحكومة في خطتها لتقليص الطرق التي يمكن للمحكمة العليا من خلالها نقض الحكومة.

واستعرض عادل تأثيرات تلك الاحتجاجات على العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل، على النحو التالي:

  • تصاعد التوتر بين المستويين السياسي والعسكري: فتقليل صلاحيات الجيش من شأنه أن يقلل من التوتر الناشئ نتيجة الحاجة إلى ضمان الأمن القومي من ناحية، والحفاظ على القيم الديمقراطية على القوة العسكرية المفرطة من ناحية أخرى.
  • الأزمة السياسية الراهنة التي شارك فيها جنود الاحتياط بهدف الحفاظ على ديمقراطية النظام الإسرائيلي، سيكون لها آثارها السلبية من ناحية جعل الجيش الإسرائيلي أكثر انخراطًا في القضايا المدنية والسياسية.
  • الشك وانعدام الثقة سيجعلان من الصعب على القيادة السياسية الاعتقاد بأن المناصب المهنية التي يقدمها الجيش خالية من أجندة أو اعتبارات سياسية أو أخلاقية، وسيؤدي هذا بدوره إلى تعطيل طبيعة الحوار بين المستويين.
  • الترسيخ لسابقة رفض الخدمة وعدوى انتشارها: نتيجة أزمة الاحتجاج الراهنة لجنود الاحتياط، قد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه مضطرًا للتعامل مع الرفض المنظم، ربما بين جنود الاحتياط الآخرين، حول قضايا مدنية وسياسية ووطنية مختلفة، وهو ما سيؤثر بدوره على تماسكه، وعلى الاستخدام السياسي المحتمل للخدمة العسكرية.
  • تراجع القدرات التشغيلية للجيش الإسرائيلي: وفقًا لمسئولي الجيش الإسرائيلي، قد تؤثر الاحتجاجات بشكل كبير على قدرة القوة الجوية واستعدادها التشغيلي، حيث تعتمد أسراب المقاتلات الإسرائيلية على الطيارين الاحتياطيين الذين يتطوعون لعدة أيام كل شهر للتدريب أو المشاركة في مهام القتال والاستطلاع.
  • زيادة الانقسام والاستقطاب داخل صفوف الجيش: تثير أزمة الاحتجاجات الراهنة لجنود الاحتياط، الخلاف داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، نظرًا لتباين اتجاهات التأييد والرفض. وبشكل عام، يُنظر داخل المؤسسة العسكرية إلى جنود الاحتياط على أنهم مشكلة هيكلية بالنسبة للجنود النظاميين، نظرًا لكونهم مدنيين وجنودًا على حد سواء، وبالتالي فإن أعضاء المكونات العسكرية النظامية كانوا يميلون في الماضي إلى معاملة جنود الاحتياط كجنود "من الدرجة الثانية"، بسبب عدم الاحترافية، وسوء التدريب، والافتقار إلى أحدث المعلومات حول الابتكارات التكنولوجية الحالية.

أزمة دستورية محتملة

كما يلفت عادل إلى "أزمة دستورية محتملة" جراء احتجاجات جنود الاحتياط الإسرائيليين، إذ أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية أنها ستنظر في دعاوى استئناف ضد القانون الذي أقره الكنيست ويحد من صلاحياتها، وإذا ما أقدمت على الحكم بعدم دستورية القانون الذي أقره الكنيست، فقد يجعلها هذا في مواجهة الائتلاف الحكومي الذي قد يستعين بالقانون الجديد، ويعتبر قرار المحكمة غير ذي صلة.

ومن شأن هذه الأزمة التي ستكون الأولى في تاريخ إسرائيل، إذا ما حدثت، أن تؤدي إلى تداعيات وخيمة على مسارات تصعيد المشهد وتأجيج الاحتجاجات الشعبية، التي من المحتمل أن تنضم إليها مؤسسات في الدولة.

ويخلص عادل إلى أن معطيات المشهد الراهن تعكس انزلاق الأوضاع إلى منحدر خطر يُنذر باقتياد إسرائيل إلى حرب أهلية، خاصة إذا ما فشلت مناورة نتنياهو الحالية لكسب الوقت من خلال عرضه، في خطابه الذي ألقاه في أعقاب إقرار الكنيست لقانون الإصلاح القضائي، العودة إلى المفاوضات مع المعارضة بشأن أي تغييرات قضائية أخرى حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويُضعف من احتمال نجاح هذه الدعوة، فقدان المعارضة الثقة في نتنياهو، على وقع فشل جولة الحوار التي أجرتها معه في مارس/آذار الماضي، واتجاهه بعد ذلك لإقرار خطته، ومن ثم، فالوضع مرشح أن يستمر في تصعيده الاحتجاجي، وقد ينزلق إلى ما هو أسوأ إذا ما أقدمت المحكمة العليا في سبتمبر/أيلول القادم على الحكم بعدم دستورية قانون "معيار المعقولية" الذي أقره الكنيست، حيث سيتحول الوضع إلى صدام مباشر ما بين الائتلاف الحكومي ومؤيديه والمحكمة العليا ومؤيديها من المحتجين.

المصدر | مهاب عادل حسن/مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل العلاقات المدنية العسكرية نتنياهو المحكمة الإسرائيلية العليا

عضو بالكونجرس: الاستثمارات التكنولوجية الأمريكية تهرب من إسرائيل بسبب تغييرات القضاء

مستشار نتنياهو: الاحتجاجات منعت إسرائيل من التحول إلى ديكتاتورية